القاهرة – قالت مصادر مقربة من التيار الإصلاحي في حركة فتح بزعامة محمد دحلان لـ”العرب” إن التيار يدعم خيار المصالحة في غزة بقوة، وأنه يخطط لأن تكون هذه المصالحة خطوة أولى نحو إصلاح شامل داخل حركة فتح وداخل السلطة الفلسطينية مقدمة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تنهي حالة الفراغ الدستوري.
وانطلقت الثلاثاء جولة حوار فلسطيني بين حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والتحرير الوطني الفلسطينية (فتح)، في القاهرة برعاية الحكومة المصرية.
ويهدف هذا الحوار إلى إنهاء الانقسام الجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية منذ صيف 2007، وكذلك الانقسام السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس″.
واطلعت “العرب” على وثيقة رسمية كشفت أن المخابرات المصرية وجهت الدعوة لمحمد دحلان لزيارة عاجلة للقاهرة يوم السبت الماضي، أي قبل وصول وفدي السلطة الفلسطينية وحماس؛ وأنه جرى الاتفاق بوجود القيادي الفلسطيني سمير المشهراوي على دعم المفاوضات التي تجري بين فتح اللجنة المركزية برئاسة عزام الأحمد وعضوية مدير المخابرات ماجد فرج وروحي فتوح وأحمد حلس وحسين الشيخ وفايز أبوعيطة، وبين وفد حماس برئاسة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي ويحيى السنوار مسؤول غزة وموسى أبومرزوق وخليل الحية وعزت الرشق وحسام بدران.
وجرى خلال اللقاء التأكيد على أن المصالحة مطلب وطني فلسطيني وأمن قومي مصري، وأن القاهرة مهدت الطريق لهذه المصالحة بمشاورات وموافقات إقليمية ودولية، وأنه إذا ما فشلت هذه الجولة فإن مصر ستعلن على الملأ اسم الطرف المعطّل وستتخذ إجراءات قاسية بما يحفظ أمنها القومي.
وتم الاتفاق على أن تتولى المخابرات المصرية إبلاغ وفد رام الله أن موضوع سلاح كتائب القسام ليس وقت طرحه الآن، وأنه سيؤجل في إطار صفقة تسوية سياسية مع الجانب الإسرائيلي؛ وأن هذا السلاح المنضبط للقرار السياسي الموحد هو ورقة قوة تطرح على الطاولة في إطار التسوية.
واقترحت القاهرة إنشاء صندوق عربي لتمويل ميزانية لتوفير رواتب موظفي حماس وإدماجهم في المؤسسات الحكومية، وهي نقطة خلافية محورية في ضوء تعلل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بغياب الميزانية التي تمكّن من إدماجهم.
وخلص الاجتماع إلى أن القاهرة تعمل على أن يكون قرار السلم والحرب جماعيا ولا يحق لأيّ طرف الانفراد به؛ بما في ذلك الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار والهدنة مع إسرائيل.
وقال متابعون للشأن الفلسطيني إنه يحسب لقيادة التيار الإصلاحي في فتح تزعمها لخيار المصالحة مع حماس وتوسيع قاعدة التفاهمات فلسطينيا تحت مظلة برنامجٍ جامع، وكذلك الانتصار لإصلاح حركة فتح ومختلف المؤسسات الفلسطينية بما يتماشى مع ضرورات المرحلة، وإنهاء الوضع الانتقالي في السلطة الفلسطينية.
وقاد التيار الإصلاحي جهود البحث عن قواسم وطنية مشتركة مع مختلف الفصائل، وتوّجت هذه الجهود بالتفاهمات التي توصل لها مع حركة حماس، برعايةٍ مصرية، في رمضان الماضي، وأن تلك التفاهمات لن تكون بديلاً عن المصالحة الشاملة.
ووظف التيار علاقاته لتوفير حاجيات القطاع، مشددا على أن جهوده في إغاثة غزة وأموال الدعم عبر صندوق التكافل لن تكون بديلاً عن التزامات حكومة الوفاق المعطلة.
وتدرك قيادات حماس ثقل التيار الإصلاحي وتقرّ بضرورة مواصلة التفاهمات معه. كما تدرك حماس أن دحلان ومصر أنقذاها من الزج بها في قوائم الإرهاب، بما تحمله هذه التهمة من تبعات عليها وعلى الشعب الفلسطيني.
وتقول أوساط من داخل التيار إن حقبة رئيس السلطة الفلسطينية قد شارفت على الانتهاء، مع أول انتخابات رئاسية وتشريعية، وأن تيار الإصلاح سيظل القوة الصاعدة داخل فتح وفي الكل الفلسطيني.
ويطالب التيار بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وجهازه القضائي، وإلغاء القرارات التي اختزلت النظام السياسي بيد السلطة التنفيذية والرئيس تحديدا، بما في ذلك قرار المحكمة الدستورية الأخير، وإعادة تشكيل المحكمة في إطار القانون الأساسي، مع انتظام عقد جلسات المجلس التشريعي.
وتقول مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة إن هناك إجماعا دوليا وإقليميا على تولّي مصر ملف المصالحة الفلسطينية وأن هذا الوفاق الداخلي بين قطاع غزة والضفة الغربية ليس مطلبا فلسطينيا فقط، بل هو مطلب خارجي في إطار ترتيبات لم تفصح المصادر عنها.
وتضيف هذه المصادر أن نجاح مصر في ترتيب هذا الوفاق الفلسطيني الراهن مردّه إلى النفوذ الذي باتت كافة الأطراف الفلسطينية تقبل به، وإلى المواكبة الدولية للجهد المصري من خلال اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى بين القاهرة وعواصم القرار الكبرى المعنية بملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ورغم أن الرئيس الفلسطيني قد أكد على وحدة السلاح ورفضه لتكرار نموذج حزب الله في لبنان داخل الساحة الفلسطينية إلا أن المصادر تؤكد أن تأجيل مسألة السلاح محسومة وأن الملفات المتعلقة بالمعابر والموظفين وتمكين حكومة الوحدة الوطنية أولوية على أيّ ملفات أخرى.
ويرى مراقبون للملف الفلسطيني في مصر أن القاهرة استمعت إلى تصريحات حماس بشأن عدم تسليم سلاحها واعتباره “مقاومة”، كما استمعت إلى مواقف صدرت عن فتح تتخوف من استخدام هذا السلاح ضدها كما حصل عام 2007، واعتبر هؤلاء أن مصر ستضغط على الأطراف الفلسطينية من أجل تذليل العقبات الإجرائية وأنها ستنصح بتأجيل النقاش في ملف السلاح ليكون جزءا من أجندة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وتؤكد مصادر فلسطينية متابعة لمفاوضات القاهرة أن التصريحات النارية التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان والتي توعد خلالها بحرب ثلاثية الأبعاد ضد جبهات لبنان وسوريا وقطاع غزة لا تسمح للفلسطينيين بنقاش مسألة سلاح حماس.
العرب اللندنية