بغداد – بلغ التحشيد العسكري في كركوك، من طرفي الحكومة المركزية والقوات الكردية مستويات غير مسبوقة، على خلفية أزمة استفتاء كردستان العراق، فيما يعتقد مراقبون أن الولايات المتحدة تواصل منع أي احتكاك عسكري في المدينة الغنية بالنفط.
وأرسلت حكومة كردستان الآلاف من عناصر قوات البيشمركة إلى كركوك فجر الجمعة، بعد أنباء غير مؤكدة عن تحرك قوة مشتركة من الجيش العراقي والحشد الشعبي في مناطق غرب وجنوب المحافظة.
وذكرت مصادر لـ”العرب” أن “عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين يحتشدون في كركوك حاليا، موزعين في الولاء بين بغداد وأربيل”. لكن مصادر أمنية أكدت أن القوات الكردية حركت خط دفاعها حول كركوك كيلومترين للخلف بهدف تقليل احتمال وقوع احتكاك مع القوات العراقية القريبة منها، وهو ما يكشف أن ما يجري استعراض قوة وليس مؤشرا على المواجهة.
وأضافت أن قوات البيشمركة انسحبت من مواقع في منطقتي تازة وبشير على بعد نحو عشرة كيلومترات جنوبي كركوك. وقالت إن قوات الأمن العراقية انتقلت إلى بعض المواقع التي تم إخلاؤها بشكل منظم.
وسهلت عملية استعادة قضاء الحويجة، آخر معاقل داعش في شمال العراق، مهمة إعادة نشر قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي في أجزاء واسعة من كركوك، كانت تحت سيطرة التنظيم المتطرف.
وقالت المصادر نفسها إن بغداد عززت وجودها في كركوك بعشرات الآلاف من المقاتلين منذ بدء عملية الحويجة.
بالمقابل، قال كوسرت رسول نائب رئيس إقليم كردستان إن السلطات الكردية أرسلت الآلاف من المقاتلين الآخرين من قواتها إلى منطقة كركوك النفطية للتصدي “لتهديدات” من الحكومة المركزية العراقية.
وأضاف أن عشرات الآلاف من الجنود الأكراد متمركزون بالفعل هناك وأن ستة آلاف آخرين وصلوا منذ الخميس مع تنامي التوترات بين المنطقة الشمالية وبغداد.
وتخضع مدينة كركوك لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أكبر الأحزاب الكردية في المنطقة.
وتنتج 3 حقول نفط في المدينة نحو 400 ألف برميل يوميا، لذلك تعد الركن الاقتصادي الأساسي في مشروع استقلال كردستان، الذي يتبناه مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر الأحزاب الكردية.
وسمحت عمليات الحويجة للبارزاني أيضا بتعزيز الوجود العسكري لحزبه في كركوك. وتسيطر القوات الكردية الموالية للبارزاني على قضاء الدبس شمال غرب كركوك، حيث يقع حقل باي حسن النفطي، الذي تقدر احتياطياته بنحو 10 مليارات برميل.
هيرو إبراهيم: على بغداد وأربيل ضبط النفس والتحاور تحت سقف الدستور
وتقول مصادر سياسية رفيعة في أربيل، عاصمة الإقليم الكردي، إن “الجبهة الواسعة التي تنتشر فيها قوات البيشمركة في كركوك، سواء التابعة للاتحاد أو الديمقراطي، متماسكة ولم تتأثر بالجدل السياسي بين الحزبين”.
ويتعرض البارزاني لانتقادات حادة من قيادات بارزة في الاتحاد الوطني، ولا سيما من عائلة الزعيم الكردي الراحل جلال الطالباني منذ إجراء الاستفتاء، والجدل المحلي والإقليمي والدولي الذي أحاط به.
وتتهم عائلة الطالباني البارزاني بتعريض علاقة إقليم كردستان العراق بالدول الكبرى إلى الخطر بعدما أصر على إجراء الاستفتاء المتعلق بتقرير مصير الشعب الكردي، بالرغم من معارضة واسعة من الداخل والخارج.
وفي وقت متأخر من ليل الخميس طالبت هيرو إبراهيم، عقيلة الطالباني والقيادية البارزة في الاتحاد الوطني الكردستاني، الجيش العراقي والبيشمركة الكردية بضبط النفس في كركوك، داعية إلى حوار بين بغداد وأربيل “تحت سقف الدستور”.
واستخدام مصطلح “سقف الدستور” في الحديث عن أي مقترح حوار يعني “إلغاء أو تجميد نتائج الاستفتاء الكردي”، إذ ينص الدستور العراقي على التزام جميع المكونات بوحدة البلاد.
وتزامنت دعوة عقيلة الطالباني مع خطاب لنجلها بافيل اقترح فيه أن تدار المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، من بينها كركوك، بطريقة مشتركة بين حكومتي المركز والإقليم.
ويعتقد مقربون من البارزاني أن عائلة الطالباني تخضع لتأثير كبير من قبل إيران التي تعترض بشدة على مشروع انفصال كردستان العراق.
ويصف هؤلاء مقترح بافيل الطالباني بأنه طعنة لحزب البارزاني، الذي يرفض منح بغداد أي دور في إدارة المناطق المتنازع عليها. ويقول بافيل إن التحشيد العسكري في كركوك لا يخدم القضية الكردية، معتبرا أن الخيار العسكري يجب ألا يطرح مطلقا في هذا النزاع.
وبالنسبة لقوات البيشمركة الكردية فإن المخاوف من صدام عسكري في كركوك مصدرها قوات الحشد الشعبي التي تمارس إيران نفوذا كبيرا على الكثير من فصائلها، وربما تؤثر على تحركات بعض قطعات الجيش العراقي، وفقا لمراقبين.
وقالت قيادة قوات البيشمركة إن “قوات الحشد الشعبي وبعض من قطعات الجيش العراقي بدأت الليلة قبل الماضية بالتحرك والاستعداد للهجوم على المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة خاصة في محيط كركوك”، معتبرة أن “هذه التحركات تأتي بعد تشجيع ودفع أجنبي وكذلك بعد التصريحات التهديدية في الأيام الأخيرة لبعض المسؤولين العراقيين الحكوميين والعسكريين ضد شعب كردستان والتي كانت تحتوي على إشارات خطيرة حول اندلاع حرب وهجوم على كردستان”.
وتضيف، “هنا نعلن للمجتمع الدولي وقوات التحالف والرأي العام العالمي أن هذا الوضع سيؤدي إلى كارثة كبيرة، وأننا لسنا مع الحرب وإسالة الدماء، ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية فإننا نطالب حكومة بغداد بأن تلجأ إلى طريق التفاوض وحل المشاكل بدلا من تحريك القوات وفرض نفسها بالقوة”، مشيرة إلى أن “التهديد والهجوم والدعوة إلى القتال، أمر ليس مقبولا بالنسبة لنا ولا يشكل حلا لأي مشكلة، فقوات البيشمركة التي تدافع عن شعب كردستان لن تفسح المجال أيضا للتعامل مع كردستان بلغة القوة والسلاح”.
لكن قيادة العمليات المشتركة، وهي أعلى سلطة لإدارة الحرب على تنظيم داعش في العراق، نفت انطلاق أي عملية عسكرية في كركوك.
وقالت القيادة إن القوات العراقية المشتركة “مازالت تجري عمليات التطهير والتفتيش والمسك في المناطق المحررة من تنظيم داعش، وتحذر وسائل الإعلام التي تحاول إرباك الرأي العام والتأزيم باتخاذ الإجراءات القانونية بحقها”.
ويقول مراقبون في بغداد وأربيل إن الولايات المتحدة تلعب دورا مهما في ضبط السلاح داخل كركوك.
وشهدت سماء المحافظة تحليقا مروحيا كثيفا، الخميس والجمعة، لطيران يعتقد أنه تابع للجيش الأميركي الذي يعسكر في منطقة مخمور القريبة من كركوك.
ويستبعد هشام الهاشمي، وهو محلل أمني في بغداد، اندلاع صدام في كركوك بين البيشمركة والجيش العراقي أو الحشد الشعبي، “لأن الولايات المتحدة ترفض هذا الأمر بشكل مطلق”.
ويقول، إن “تسابق أطراف الأزمة على التحشيد في كركوك، لن ينتهي بصدام مسلح، ما دامت الولايات المتحدة تمانع″.
العرب اللندنية