أربيل (العراق) – نحا مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، باللائمة في انتكاسة كركوك على قرارات فردية اتخذها ساسة أكراد، في إشارة واضحة إلى خصومه من الاتحاد الوطني الكردستاني المتهمين بتسهيل سيطرة القوات الحكومية العراقية على كركوك.
ويزيد هذا الاتهام العلني من الفجوة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وسط حديث عن رغبة الاتحاد الوطني في التخلي عن اتفاق سنة 2000 بشأن توحيد الإدارتين المدنيتين في السليمانية وأربيل، والعودة إلى صيغة الإدارتين المنفصلتين.
وقال البارزاني في بيان له الثلاثاء إن ما حدث في كركوك كان نتيجة لقرار انفرادي اتخذه بعض الأفراد التابعين لجهة سياسية داخلية في كردستان، وأن نتيجة هذا القرار انتهت إلى انسحاب قوات البيشمركة بالشكل والطريقة اللذين رآهما الجميع، أي انسحاب مرتب ودون أي مواجهة.
وتعهد بالحفاظ على إنجازات الأكراد على الرغم من انتكاسة كركوك قائلا “نطمئن شعب كردستان ونؤكد له أننا سنبذل كل جهدنا وسنفعل كل ما هو ضروري من أجل الحفاظ على مكتسباتنا وحماية الأمن والاستقرار”.
واعتبر متابعون للشأن العراقي أن البارزاني سعى لتبرئة نفسه، ومن ثمة التمسك بالبقاء في رئاسة الإقليم قاطعا مع توقعات سبقت البيان بأنه قد يعلن الاستقالة بما يسمح للأكراد بالتهدئة مع الحكومة المركزية في بغداد ومع كل من تركيا وإيران، وتجنب إجراءات جديدة قد تضاعف من تأثير الحصار على الإقليم.
وحث الرئيس العراقي فؤاد معصوم على حوار عاجل بين القيادة الكردية والحكومة العراقية لحل أزمة ما بعد الاستفتاء. لكن مراقبين عراقيين قللوا من فاعلية هذه الدعوات في ضوء بيان البارزاني الأخير بالرغم من موجة النقد التي يتعرض لها من داخل البيت الكردي وتحميله مسؤولية تراجع المكاسب التي تحققت للإقليم.
وتحوّل حلم الدولة الكردية الذي يهيمن على مخيلة البارزاني إلى ما يشبه الكابوس، وبدلا من أن يحقق الاستقلال للأكراد كما يعد، وضع المنطقة الكردية في العراق تحت تهديد مخاطر عديدة، أكبرها تفكيك “الوحدة الإدارية” التي أقرتها أحزاب الإقليم منذ 17 عاما.
وبعد صدمة دخول القوات العراقية إلى مدينة كركوك، التي يصفها الأكراد بـ”قدس كردستان”، فجر الاثنين، وجد البارزاني نفسه مضطرا إلى خسارة مناطق كبيرة في محافظة نينوى تسيطر عليها قوات تابعة له منذ العام 2003.
ومع بزوغ فجر الثلاثاء، كانت قوات البيشمركة التابعة للبارزاني تخلي مواقعها في مناطق سنجار ومخمور وسهل نينوى وبعشيقة وزمار وغيرها، بالتزامن مع انسحاب قوات البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب الذي أسسه ورأسه لعقود الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، من مواقع عديدة في ديالى.
برهم صالح: البارزاني أصبح من الماضي، والإقليم في حاجة إلى حكومة جديدة
وتقول قيادات عسكرية في قوات البيشمركة إن حفاظ القوات الكردية التابعة للبارزاني على مواقعها خارج كردستان لم يعد ممكنا بعد انسحاب القوات التابعة للسليمانية من مواقعها. لكن مصادر مطلعة في أربيل تقول إن قرار قوات البارزاني بمغادرة مواقع نفوذها خارج حدود كردستان جاء بضغط أميركي، بعدما حذرته واشنطن من أنها لن تدعم قوة كردية تنتشر خارج حدود الإقليم.
وعمليا، لم يعد لدى الأكراد نفوذ يذكر خارج حدود إقليم كردستان، الذي يضم محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، باستثناء بضعة جيوب، ربما تغادرها البيشمركة أيضا.
ويقول مراقبون إن البارزاني أعطى لبغداد أكثر مما كانت تريد. ويضيف هؤلاء أن خطة بغداد للرد على استفتاء الاستقلال، كانت تقتضي إعادة الانتشار في المواقع التي سيطرت عليها البيشمركة بعد انسحاب الجيش العراقي منها، إثر اجتياح تنظيم داعش للموصل صيف 2014. ولكن خارطة الانتشار العسكري تشير حاليا إلى خروج البيشمركة من هذه المناطق كليا، ومن مناطق أخرى كانت تسيطر عليها قبل أحداث صيف 2014.
ويقول مراقبون في أربيل إن إصرار البارزاني على إجراء الاستفتاء أدى إلى انهيار سياسي في الإقليم، وبات يهدد وحدته.
وتتداول مصادر سياسية مطلعة معلومات عن “طرح سيناريو العودة إلى صيغة الإدارتين في إقليم كردستان”.
وبعد نزاع مسلح بين أربيل والسليمانية لبسط النفوذ على كردستان، اتفق حزبا البارزاني والطالباني في العام 2000 على توحيد إدارتي المدينتين في حكومة واحدة، على أن يتولى كل حزب المسؤولية فيها عامين.
وتقول مصادر مطلعة إن “السليمانية قريبة من أن تعود إلى استقلاليتها التامة عن أربيل”. ووفقا لصيغة الإدارتين التي اعتمدت في الإقليم في تسعينات القرن الماضي، فإن محافظة دهوك تتبع أربيل، وكركوك تتبع السليمانية، لذلك فإن الاتحاد الوطني هو المسؤول عن تعيين محافظ كركوك.
وتشير المصادر إلى أن صيغة الإدارتين تلائم الوضع الحالي، حيث فقد حزب البارزاني كل مصادر تأثيره في كركوك بعد الاستفتاء، في حين حصل الاتحاد الوطني على وعود من بغداد وطهران بحفظ نفوذه في المحافظة الغنية بالنفط.
وتقول المصادر إن القوات الكردية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني تنسحب من مواقعها خارج إقليم كردستان، بالتنسيق مع القوات الاتحادية ووفقا لاتفاق مع بغداد بحفظ نفوذ حزب الطالباني فيها، في حين أن القوات التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني تنسحب بلا تنسيق مع أي طرف، وتخسر نفوذها.
وتنظر أحزاب سياسية كردية، بينها حركة التغيير، والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة بزعامة السياسي البارز برهم صالح، الذي انشق عن الاتحاد الوطني، إلى التطورات الأخيرة المتعلقة بالاستفتاء بوصفها مؤشرا واضحا على إمكانية أن يرخي البارزاني قبضته السياسية والاقتصادية على إقليم كردستان.
وقال صالح، معلقا على تداعيات الاستفتاء وانسحاب البيشمركة من مناطق نفوذها خارج كردستان، إن “ما يحدث هو دليل على أن البارزاني أصبح من الماضي”، مؤكدا أن “الإقليم بحاجة إلى حكومة جديدة”.
ووفقا لمصادر سياسية في بغداد، فإن “السليمانية على موعد مع دعم كبير من الحكومة المركزية، إثر التسهيلات الكبيرة التي قدمتها لخطة رئيس الوزراء حيدر العبادي الرامية إلى استعادة السيطرة على مناطق واسعة تحاذي إقليم كردستان”.
ولا تستبعد المصادر أن تدعم بغداد انتقال مركز الثقل السياسي الكردي من أربيل إلى السليمانية، في حال استمرت المدينتان في إقليم واحد، كما أنها لن تعترض إذا ما قرر الاتحاد الوطني الكردستاني أن يحول السليمانية إلى إقليم، بعد أن تغادر الشراكة مع أربيل.
العرب اللندنية