عاش علي عبد الله صالح في بيت الحكم أكثر من 33 عاما، أي عمر جيل كامل. اعتاد حياة القصر وتلذّذ بالانتخابات التي تكرر عودته من الباب الذي خرج منه. صار اليمن هو – وهو اليمن. أنا الدولة والدولة أنا، قال لويس الرابع عشر في لحظة انشراح. قرر علي صالح أن الرؤساء الآخرين ليسوا أفضل منه. هم مدى الحياة وهو مدى المدى. لكن المفاجأة كانت ماكرة: بن علي في تونس يخرج قبل أن تبدأ الحياة مداها. ومبارك في مصر يخرج هو والسيد جمال. ومعمر في ليبيا يسأل قتلته مذهولا: ماذا بكم يا أبنائي؟ وسوريا تنتفض برمّتها. وعلي صالح صامد. يتطلع من نافذة القصر فيرى مليون متظاهر معه. المليون الآخر لا وجود له. يحاول العالم برمّته إقناعه بأن يترك اليمن لحاله ويمشي. يُعرض عليه الخروج الآمن وعدم المحاكمة على المليارات. لا.
كان ذلك شبيها بالعرض الذي قُدّم إلى صدام ومعمر من قبل. لكن صدام كان قد رسم أن يجيّر العراق إلى قصيّ، ومعمر طوبه إلى سيف الإسلام «المنفتح» على الإصلاح. إذا لم يكن البلد لي، فليكن للخراب. في بلاد بورقيبة، حمل بن علي نفسه ومشى. تونس ليست صكا أبديا. وفي مصر استحق مبارك ساعة المواجهة مع الحقيقة، فودع ومشى. وفي سوريا لم يطق بشار الأسد الفكرة، فطردها وأخذ يطارد أصحابها.
في اليمن، استدار علي صالح بحثا عن حلفاء جدد. كان خلال احتلال الكويت حليف صدام حسين، والآن وجد ضالته في إيران. مناضل قومي هذا المشير. مصلح ومعماري نقل اليمن إلى الازدهار والكفاية. أحب شعبه فلم يعد يقوى على المفارقة. وإذ اكتشف أن الحوثيين يكنون المحبة نفسها لليمن، نادى عليهم: تعالوا نقبض على أنفاسه معا.
من أين للأقلية الحوثية كل هؤلاء الرجال؟ كيف سيطروا وسطوا بهذه السرعة على قيادات الجيش والأمن؟ من يموّل هذه الجماعات الزاحفة من الشمال إلى الجنوب في بلد الولاء فيه للقبائل؟ يفهم المرء الحلف الحوثي مع إيران، لكن كيف نفهم حلف سيادة المشير مع الحوثيين؟ أي يمن يريد؟ وهل أصبح حليفا لعلي سالم البيض، الذي منعه من العودة إلى بلاده وتركه يتشرد عند الآخرين؟
ثمة أسئلة وتساؤلات كثيرة في اليمن، كلها معلّ ويثير الامتعاض، لكن السؤال الأهم هو: أين علي عبد الله صالح؟ أي يمن يتوقع أن يستعيد أو أن يورثه ابنه؟ وماذا يعتقد أن الحوثيين سوف يتركون له عندما يحين وقت تقسيم الصفقة؟ سوف يفيق غدا ليرى اليمن مثل سوريا والعراق، ولن يبقى له فيه شيء. لكن الكارثة أنه لن يبقى لسواه أيضا. لن يبقى لليمنيين سوى ذكرى 33 عاما من حضور المشير اليومي، يعدهم بالدولة والديمقراطية ونهاية الفقر. وقد حقق ذلك لنفسه، كما تقتضي الأولويات. وسوف يظل يعمل لها مدى الحياة. اليمن مجرد تابع كما هو في جمهوريات العرب.
سمير عطا الله
الشرق الاوسط