القاهرة- فتحت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لفرنسا الاثنين، بابا للنقاش حول الملفات التي سيتم تداولها خلال الاجتماع الذي يجمعه الثلاثاء مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون للمرة الأولى.
ويؤكد سعيد اللاوندي الخبير في الشؤون الدولية، أن العلاقات مميزة بين البلدين حاليا، في ظل التوافق السياسي حول العديد من القضايا الإقليمية، لافتا إلى أن فرنسا تعد قاطرة للكثير من الدول الأوروبية وأي اتفاق معها يمثل اتفاقا مع دول معظم القارة.
وقال الخبير المختص في الشأن الفرنسي في تصريح لـ”العرب” إن باريس ترى القاهرة “شريكا حيويا لمواجهة كابوس الإرهاب الذي يطارد فرنسا وتسبب في أزمات داخلية”.
سعيد اللاوندي: فرنسا تعد قاطرة لدول أوروبية وأي اتفاق معها يمثل اتفاقا مع القارة
وتعد زيارة السيسي لفرنسا هي الثالثة منذ توليه السلطة قبل أكثر من ثلاث سنوات، وسبق أن زارها في نوفمبر 2014 لبحث دعم العلاقات بين البلدين، وفي 2015 لحضور مؤتمر قمة الأمم المتحدة للتغيّرات المناخية، والتقى خلالهما فرنسوا هولاند الرئيس الفرنسي السابق.
وتطرح بعض الملفات الملتهبة المعنية بها فرنسا نفسها على قمة الرئيسين، لأن ماكرون يحتاج أن يبحث مع السيسي ملف الإرهاب والأزمة الليبية والهجرة غير القانونية بصورة تفصيلية للوصول إلى جملة من القواسم المشتركة.
وتتشابك ملفات الإرهاب وليبيا والهجرة عن طريق البحر المتوسط بسبب الهواجس المتنامية لدى أوروبا، عقب الخسائر الميدانية التي لاحقت تنظيم داعش المتطرف مؤخرا في كل من العراق وسوريا.
وتعتقد باريس أن ثمة أهمية للتنسيق مع القاهرة، لخبرتها في مكافحة الإرهاب، وقربها من ليبيا التي تعج بتنظيمات متطرفة وتحولت إلى مركز لهجرة المئات إلى أوروبا عبر المتوسط.
ويقول دبلوماسيون إن باريس راجعت موقفها بشأن الصراع الليبي في ظل اتخاذ ماكرون قرارا بدفع القضية إلى صدارة جدول أعماله في مجال السياسة الخارجية. واستضافت فرنسا في يوليو الماضي كلا من المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي وفايز السراج رئيس الحكومة، أملا في التوصل إلى صيغة للتسوية السياسية في ليبيا.
ودرجت مصر على استضافة اجتماعات لقوى ليبيّة مختلفة، وتسعى للوصول إلى حل سياسي، وقام طيرانها بطلعات جوية مكثفة فوق الأراضي الليبية، وقذفت صواريخها مراكز تابعة لتنظيمات متطرفة، دون رد فعل سلبي من قبل فرنسا.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان قد أكد خلال زيارته إلى القاهرة في يونيو الماضي، على أن البلدين لديهما رؤية مشتركة بشأن كيفية التصدي للجماعات المتطرفة. وقال حينها إنه “لا يمكن أن نسمح لحالة عدم الاستقرار التي تفيد الإرهابيين والمهربين بأن تستمر على حدود مصر وأبواب أوروبا”.
ولدى باريس تمثيل عسكري في بعض المناطق الليبية للحفاظ على مصالحها، خاصة أنها لعبت دورا مهما ضمن قوات حلف الناتو التي أسقطت نظام العقيد الليبي معمر القذافي في عام 2011، وتسعى إلى الحصول على مكاسب اقتصادية، وتأمين مصالحها الاستراتيجية.
وتخشى باريس عودة المزيد من المتطرفين الأوروبيين ممن غادروا إلى سوريا، بشكل مباشر أو غير مباشر، وانضموا إلى كتائب داعش وأصبحوا مجبرين على العودة لأوطانهم، بعد أن خسروا أغلب أماكن تواجدهم ميدانيا.
جان إيف لو دريان: لدينا رؤية مع مصر بشأن كيفية التصدي للجماعات المتشددة
وأشارت تقارير إلى أن عدد الفرنسيين المنضمين إلى داعش بلغ نحو ألف شخص، كانت باريس غضت الطرف عن غالبيتهم للخروج، أملا في نقل تطرفهم إلى منطقة بعيدة، لكنها فوجئت وعواصم غربية أخرى بأن هؤلاء تحولوا إلى قنابل موقوتة تنفجر فوق أراضيها.
وتمثل صفقات التسليح العسكري رأس حربة العلاقات المشتركة بين البلدين، لا سيما في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وباتت فرنسا أحد أهم مصادر تسليح الجيش المصري، ومن المؤيدين للسيسي نظرا لتمكنه من إعادة رسم خارطة التحالفات الإقليمية والاستراتجية في المنطقة.
وشهدت العلاقات كذلك تطورا كبيرا في الجانب العسكري حيث وقعت باريس عقود تسليح مع القاهرة عام 2015 بقيمة بلغت نحو ستة مليارات يورو، شملت 24 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” وفرقاطة وحاملتي طائرات من طراز “ميسترال” وصواريخ.
وتأتي الزيارة فيما مارست جمعيات حقوقية دولية ضغوطا مبكرة على ماكرون لبحث ملف حقوق الإنسان مع السيسي، ما جعل قصر الإليزيه يصدر بيانا يشرح فيه موقفه بشأن هذا الملف الذي سيكون حاضرا إلى جانب الملفات الاستراتيجية الأخرى.
ولا يتوقع متابعون في مصر أن تأخذ القضايا الحقوقية حيزا كبيرا من المباحثات، في ظل ما هو معروف عن ماكرون من براغماتية في تعاملاته السياسية، ومحاولاته المستمرة لتحقيق أهدافه بلا ضجيج.
ودرجت بعض المنظمات الحقوقية الغربية على إثارة ملف الحريات في كل زيارة يقوم بها الرئيس المصري لعاصمة غربية، وتوجه لنظامه عواصف من الانتقادات والاتهامات التي تحمله مسؤولية التردي الذي أصاب حقوق الإنسان في مصر.
وراجت معلومات بشأن تقليص مساحة الحريات، فضلا عن استمرار الحديث حول وجود حالات اختفاء قسري وتعذيب داخل السجون، وهو ما تنفيه القاهرة ومنظمات حقوقية محلية، وساقت مبررات لم تقنع عددا كبيرا من المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
العرب اللندنية