بدأت ملامح السياسة الدولية والاقليمية تأخذ صورها الواضحة والدقيقة في تعاملها الميداني مع الاحداث في العراق وتحديدا بعد زيارة العبادي الى (السعودية، ومصر، والاردن، وتركيا، وايران) وما رافقها من اجتماعات وتبادل للآراء وطرح لرؤية بغداد الجديدة لكيفية التعامل مع المتغيرات التي حصلت في المنطقة وايجاد الحلول والصيغ الفعالة لتتضافر جهود الجميع من أجل تحويل دائرة الصراع من نزاعات عسكرية وخلافات سياسية الى تحالفات استراتيجية وتبادل ادوات التنمية والتقدم خدمة للرؤية المقبلة وبما يحقق مصلحة الجميع.
وجاءت الاحداث المتتالية في العراق لتؤشر الى حقيقة ما ذهبنا اليه فالمواجهة مع عناصر داعش وقواعده الارهابية بدأت تتلاشى والمواجهات التي تدار الان في منطقتي القائم وراوه بمحافظة الانبار تشهد الانعطافة الاخيرة بوجود التنظيم وتحطيم وانهاء آخر امارة له في العراق ودفعه لإعلان هزيمته وانكساره وتدحرجه بما يحقق تفوقا ميدانيا وسياسيا لبغداد، ثم جاءت أحداث الخامس والعشرين من أيلول2017 والمتمثلة باجراء الاستفتاء العام في اقليم كردستان وما تلته من أحداث ووقائع أفضت الى مواجهات عسكرية بين حلفاء الأمس كانت نهايتها الاعلان عن بدء جلسات الحوار والتفاوض برعاية أمريكية وباشراف دولي لوضع اللمسات الاولى لاتفاق عسكري يمثل انطلاقة لرؤية سياسية وميدانية لعراق جديد، ثم رافق هاتين الحالتين التوجه الامريكي وتحديد مسارات أهدافه في العراق والمنطقة العربية في مواجهة التمدد الايراني وأدواته العسكرية من مليشيات وأحزاب.
فجاءت الزيارات التي قام بها العبادي ضمن هذه الاحداث والتوجهات ولتشكل علامة بارزة في التعامل السياسي وتحديد دور العراق المرحلي والمستقبلي ومسارات العلاقات العراقية-العربية وأهدافها ومحطات التلاقي فيها مع اعطاء أهمية لعلاقات بغداد مع كل من أنقرة وطهران خاصة بعد الاتفاق السياسي الذي أحدثه استفتاء كردستان بين هذه الدول.
وضمن هذه المعطيات والاهداف والوقائع يمكن أن نحدد مسارات المواجهة المقبلة بين العراق وكيفية التصدي لها وهل الحكومة العراقية تمتلك الامكانية والقرار السياسي في المواجهة المحتملة بتدعيم القرار السياسي العراقي المستقل بعيدا عن الصراعات الاقليمية والدولية.
1.أوضحت السياسة الامريكية الجديدة في المنطقة أن أولوياتها هي التصدي للنفوذ الايراني وافشال مخططاته ومشاريعه وتقديم الدعم والمساندة لجميع الاقطار العربية التي تسهم في الحد من هذه التوجهات التي تتعلق بها وتؤثر على أمنها الوطني والقومي.
2.التوجه الى العراق وحكومته لايجاد الوسائل والطرق الكفيلة بمواجهة المشاريع الايرانية في العراق، كما أكده حديث الناطقة باسم الخارجية الامريكية (هيدز ناورت) حول الدور الايراني وأهدافه وسعي الولايات المتحدة الامريكية الى منع اقامة جسر بري بين طهران وبيروت عبر العراق عبر مشروع الهلال الشيعي.
3.سعي الولايات المتحدة الامريكية لحماية المنظومة السياسية في العراق باعتبارها الراعية لها والتي تعد احدى نتائج الغزو الامريكي-البريطاني للعراق في 9 نيسان2003 ودعم واسناد عناصرها وتقديم المستلزمات الكفيلة بانجاح الانتخابات المقبلة في شهر أيار 2018 ولهذا فانها تعمل جاهدة لابراز الدور الميداني والسياسي الذي تقوم به حكومة العبادي من أجل دعمه واسناده في المرحلة المقبلة وتجديد الولاية الثانية له.
4.تعمل الادارة الامريكية بالتوافق مع حكومة العبادي في تصحيح مسارات التوجه الامريكي في العراق بايجاد صيغ فعالة وأهداف مرسومة من شأنها استمرار العلاقة المتميزة مع العبادي ولكن المطلوب منه ان يعمل على تحييد الفعل الميداني للمليشيات المسلحة والمرتبطة بايران وتطويق النفوذ الايراني وهيمنته على القرار السياسي والامني في العراق وهي مهمة ليست بالسهلة وأمرها صعب يواجهه العبادي لكسب ثقة الامريكان ودعمه في الانتخابات المقبلة .
5.تعلم الولايات المتحدة الامريكية حقيقة الاهداف الايرانية تجاه العراق وهي تتابع بدقة وتفصيل نيات بعض قادة المليشيات وكتائب الحشد الشعبي في سعيها للمشاركة السياسية الفعالة في الانتخابات المقبلة في 12 نيسان 2018 وأهدافها في السيطرة على القرار السياسي في العراق والتحكم به، ومن هنا جاء تأكيد المرشد الايراني الاعلى خامنئي للعبادي بعدم الثقة بالامريكان والاطمئنان لنياتهم والحد من تأثيرهم في العراق وهو عامل مؤثر يشكل عبئا ثقيلا للعبادي في الموازنة بعلاقته بين طهران وواشنطن.
6.العلاقة السياسية مع المملكة العربية السعودية والتي كان من نتائجها اللقاء الاول للمجلس التنسيقي السياسي بين الرياض وبغداد وتوقيع العديد من الاتفاقات بحضور وزير الخارجية الامريكي الذي أرسل عدة رسائل لجميع الاطراف ومنها تحديد آفاق العمل العربي الجديد مع العراق وان يعد هذا المجلس نموذجا يحتذى به من قبل الاخرين في علاقاتهم المستقبلية مع العراق ، وأكدت واشنطن ضرورة الاخذ بجدية القلق الامريكي بشأن نشاطات ودور الحشد الشعبي والمليشيات التابعة لايران في العراق حيث تشعر الولايات المتحدة الامريكية بان ايران وأجهزتها متورطة في هذه النشاطات وعلى جميع حلفائها في المنطقة ومنها العراق ان يعملوا جاهدين لايقاف هذه النشاطات والحد منها .
7.ان طبيعة الاحداث وتسارعها في الشرق الاوسط والمنطقة العربية وما يعيشه العراق من متغيرات سياسية وعسكرية وميدانية تؤشر حقيقة الى أن المنطقة مقبلة على أزمات جديدة قوامها الصراع الامريكي-الايراني وسيكون العراق وقودا لها .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية