البارزاني.. قفزة النهاية التي كسرت “حلم الدولة”

البارزاني.. قفزة النهاية التي كسرت “حلم الدولة”

في آخر غزواته كتب الرئيس الأول والأخير لإقليم كردستان العراق نهايته، فمسعود البارزاني الذي يوصف بأنه واحد من “دهاة السياسة” في التاريخ الكردي، كتب الفصل الأخير من حياته السياسية بهزيمة كانت مؤلمة لأنها جاءت من بوابة حلم إقامة دولة كردستان.

والبارزاني سليل عائلة كردية عريقة، ناضلت من أجل إقامة دولة كردية مستقلة، فوالده مصطفى البارزاني كان أحد مؤسسي دولة مهاباد في إيران عام 1946 والتي لم تدم أكثر من 11 شهرا، حيث سقطت بينما لم يكن مسعود البارزاني قد تجاوز سنة واحدة من عمره.
وفي التاريخ الكردي يشار للبارزاني بأنه أحد آباء مشروع الحكم الذاتي الذي حصل عليه إقليم كردستان من العراق عام 1970.

خبر البارزاني السياسة وتقلباتها منذ طفولته التي عاشها في جنوب العراق منفيا وبعيدا عن والده الذي كان قد فر للاتحاد السوفياتي بعد انهيار دولة مهاباد، وانتقل البارزاني الابن وعمره 12 عاما للعيش في بغداد بعد سقوط الحكم الملكي، التي التقى فيها والده للمرة الأولى في حياته وهو في الـ 12 من عمره عام 1958، بعد أن سمح الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم بعودة القادة الكرد للبلاد.

وقاد البارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد وفاة والده عام 1979، وعرف مع زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني كأحد رأسين يقودان الأكراد العراقيين بعد حرب عام 1991.

الرئيس الأول والأخير
وانتخب البارزاني كأول رئيس لإقليم كردستان عام 2005، وأعيد انتخابه عام 2009، وقرر برلمان الإقليم التمديد له عام 2013 لمدة عامين، وظل الرجل في منصبه عامين آخرين لتعذر إجراء الانتخابات في ظل استعار الحرب في العراق مع تنظيم الدولة.

وبدلا من أن يقود الأكراد نحو الاستقلال وإقامة الدولة، انتهى مشهد الاستفتاء الذي أجري نهاية الشهر الماضي بسلسلة من الانهيارات التي ضربت الحلم الكردي، وحولت صورة الرجل من “بطل الاستقلال” إلى موضع جدل بين الأكراد الذين بات الكثيرون منهم يحملونه مسؤولية “مغامرة الاستقلال”.

وتحول مشهد الاحتفال الذي عم مدن كردستان العراق، والمناطق التي كانت البشمركة قد سيطرت عليها منذ عام 2014، وأبرزها محافظة كركوك التي توصف بأنها “قدس الأكراد” إلى مشهد المركبات التي حملت عشرات الآلاف من الأكراد الذين غادروا هذه المناطق نحو الإقليم، بعد أن انسحبت البشمركة منها أمام تقدم الجيش العراقي والحشد الشعبي.
وفي عودتهم نحو كركوك، كانت الصور والعبر لدى الأكراد تلخص في بعضها صورة البارزاني.
وتلخص كردية تحدثت للجزيرة هذه الصورة، حيث قالت أثناء عودتها مع عائلتها من السليمانية لكركوك بعد انسحاب الحشد الشعبي “أقول لمسعود البارزاني، انظر إلى نتيجة تهديداتك والاستفتاء الذي عارضه الجميع، وقالوا لا تفعل، وهذه النتيجة: الفرار وخراب البيوت والقتل وعشرات الشهداء بين صفوف البشمركة والحشد، من سيعوضهم؟ هذه ليست المرة الأولى التي يخسر فيها الكرد ولا نتعظ من أخطاء الماضي”.
فيتو عراقي
وعلى الرغم من أن الرجل كان قد أعلن أنه لن يترشح هو أو أي من أفراد عائلته لانتخابات رئاسة الإقليم بعد انتهاء ولايته المقررة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني فإنه أراد أن يختم حياته السياسية بقفزة سياسية تخلده أبا للدولة الكردية التي طالما حلم بها الأكراد.
لكن مصادر سياسية ترى أن هناك “فيتو” عراقيا مدعوما بموقف من تركيا وإيران على بقاء البارزاني، وأن بغداد وضعت شرطا غير معلن يقضي بضرورة رحيل البارزاني عن السلطة وحل رئاسة الإقليم ضمن شروطها للتطبيع.

وتشير المصادر إلى أن بغداد ترى أن تشكيل الأقاليم بالعراق لا يعني أن يكون هناك نظام رئاسي بالإقليم ويترأسه رئيس وله صلاحيات تقترب كثيرا من صلاحيات رئيس دولة، بل يكون الأمر مقتصرا على حكومة محلية، وهو ما يؤشر إلى أن بغداد ماضية في إعادة هيكلة العلاقة التي ستؤثر على أسلوب الحكم في كردستان العراق.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أعلن في وقت سابق من هذا الشهر أنه لن يقبل أن تستمر العلاقة بين بغداد وأربيل وكأنها علاقة دولة مع دولة أخرى، كما كانت بالماضي.
وبينما كان ذلك الإقليم يتمدد بالمناطق العراقية، ويمتلك مطارات ومنافذ مباشرة مع دول الجوار، ويعيش استقرارا أمنيا وازدهارا اقتصاديا جعلته بمثابة الجنة وسط عراق يحترق، يتراجع كل ذلك إلى حدود سلطة الحكم الذاتي قبل عام 2003، وليتحول البارزاني لمجرد سياسي كردي يسجل اسمه في سجل القيادات الكردية التي غامرت يوما بمستقبل الشعب الكردي الذي ينتظر “المخلص” الذي يقوده نحو إقامة دولته المستقلة.
محمد النجار
الجزيرة