وفي مدينة رام الله، أسدلت -كما في مدن أخرى- الأعلام السوداء فوق المؤسسات الرسمية الفلسطينية، واتشحت بعض المؤسسات الرسمية بالأسود، حيث ارتدى موظفو هيئة الإذاعة والتلفزيون قمصانا سوداء، كما حضر طلبة المدارس مائة ألف رسالة لتوجيهها لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وقد نُظم بالمدينة مؤتمر دولي بحضور برلمانيين دوليين للحديث عن مسببات وعد بلفور.
وفي مدينة القدس، نظم الفلسطينيون وقفة أمام القنصلية البريطانية احتجاجا على استمرار توفيرها الغطاء القانوني والسياسي لليهود وجرائمهم، ورفض لندن الاعتذار عن وعد وزيرها السابق. وقد ووجه المتظاهرون بقمع شرطة الاحتلال، واحتشد آلاف عند دوار الشهداء في نابلس كبرى مدن شمال الضفة، وأطلقوا دعواتهم لبريطانيا والعالم بالاعتذار والاعتراف بحق الفلسطينيين بدولتهم.
غضب وتنديد
وأحرق المتظاهرون وسط نابلس مجسما لوزير الخارجية البريطاني السابق جيمس بلفور وآخر لرئيس الوزراء الحالية في محاكمة صورية عقدت لهما وسط المدينة وقضت بإعدامهما بهذه الطريقة، كما أطلقت مكبرات الصوت بالمساجد صفارات الإنذار لدقيقة واحدة تنديدا بالوعد.
وحمل المتظاهرون -الذين تقدمتهم الفرق الكشفية- الأعلام الفلسطينية والسوداء أيضا، ويافطات تندد بجريمة بريطانيا ووعد وزير خارجيتها لليهود في مثل هذا اليوم قبل قرن من الزمن بإعطائهم وطنا قوميا في فلسطين، كما ألصقت صور ماي وبلفور الملطخة بالأحمر وعليها إشارة بالإنجليزية في اليافطات والجدران.
وأجمع الفلسطينيون بمختلف مشاربهم السياسية والفكرية على مطالبة بريطانيا بـ “الاعتذار الحقيقي” للشعب الفلسطيني عن جريمتها، وجاء في رسالة حركة التحرير الوطني (فتح) أن هذا الوعد كان سببا في “الظلم التاريخي” الذي وقع على الفلسطينيين وجردهم حقوقهم، وكان الركيزة الأساسية التي قامت على أساسها إسرائيل.
وناشدت حركة فتح مجلس الأمن الدولي وحكومات وبرلمانات العالم ومؤسسات الاتحاد الأوروبي خاصة بمعالجة نتائج “الخطيئة التاريخية” التي آلمت الفلسطينيين، وشكلت السبب المباشر لـ الصراع مع الاحتلال.
ورأت فتح أن الاعتذار يكون بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وطالبت بريطانيا بالإقرار بالذنب بمسؤوليتها عن كل التبعات المأساوية التي تسبب بها الوعد المشؤوم.
شكل الاعتذار
وقالت عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ماجدة المصري إن الضغوطات السياسية والموقف الثابت لـ السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير والجماهير الفلسطينية و”أحرار العالم” يمكن أن يجبر بريطانيا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية “وبهذا يكون شكل الاعتذار”.
ورغم إدراكها بعدم اعتذار بريطانيا عن وعدها، فإن ماجدة المصري رأت أن الضغط الدولي يعد الحد الأدنى من أجل الاعتراف بدولة فلسطين، وقالت للجزيرة نت إن ذلك يكون بالتوجه الفعلي للمحاكم الدولية (المحكمة الجنائية الدولية) لمساءلة إسرائيل عن جرائمها، وعدم الاكتفاء بالتلويح دون الفعل.
كما شددت على ضرورة الاستمرار في المقاومة الشعبية لإجبار بريطانيا وإسرائيل على دفع كلفة احتلالها للأرض، وتدويل النضال الفلسطيني في الوقت ذاته لانتزاع حق الشعب بأرضه ودولته.
ويرى الوزير السابق بحكومة حماس ناصر الشاعر أن مجرد اعتذار بريطانيا عن وعد بلفور غير مقبول، وأن الاعتذار يكون فقط بحق الفلسطينيين بالوجود على الأرض والدولة كاملة السيادة، دون الخوض في تفاصيل هذه الدولة “التي يمكن أن نتناقش عليها”.
وحمَّل الشاعر -في تصريح للجزيرة- بريطانيا المسؤولية باعتبارها المتسبب الأول بإقامة إسرائيل، وقال “عليها أن تلتزم بمعالجة الخطيئة التاريخية بحق الشعب الفلسطيني”. وأضاف أن ذلك لا يعرضها لانتقاد دولي.
وأكد أن المطلوب فلسطينيا وعربيا تشكيل “جبهة قوية موحدة دبلوماسية” لإعادة الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية وجعلها الأولى عالميا، وعلى الصعيد الداخلي طالب الشاعر برص الصفوف والوحدة، وإنهاء حالة الانقسام والشراكة الحقيقية بكل مجالات القضية والوجود الفلسطيني، وإعادة الشرعية والحيوية للنظام السياسي الفلسطيني.
عاطف دغلس
الجزيرة