دمشق – تسود حالة من الضبابية المشهد السوري بانتظار ما سينتج عنه اللقاء الذي سيجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب على هامش قمّة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في فيتنام يومي 10 و11 نوفمبر الجاري.
وأعلن سفير روسيا لدى الولايات المتحدة أناتولي أنطونوف أنّ “الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس دونالد ترامب يمكن أن يناقشا مكافحة الإرهاب الدولي وسوريا وكوريا الشمالية” خلال الاجتماع المحتمل في فيتنام.
واعتبر أنطونوف في تصريحات إعلامية على هامش مؤتمر جمعية العلماء الروسية-الأميركية أنّ “الاتصالات بين الزعيمين مفيدة دائما، فإذا جلس الزعيمان معا وتحدّثا فيمكن أن يكون لديهما جدول أعمال واسع جدّا للنقاش”.
وتعتبر الأزمة السورية إحدى أبرز القضايا العالقة بين الجانبين، ورغم التنسيق العسكري لتفادي التصادم بين قواتهما والأطراف الموالية لهما في أكثر من جبهة سورية، بيد أن هناك نقاط تباعد كثيرة بينهما، وأهمها الوجود الإيراني.
وتسجل إيران حضورها في معظم الجبهات في سوريا وذلك عبر المئات من مقاتلي الحرس الثوري وميليشيا حزب الله اللبناني، فضلا عن ميليشيات أخرى من جنسيات عراقية وأفغانية شكلتها في السنوات الأخيرة لدعم نظام الرئيس بشار الأسد وأيضا لتكريس وجودها في هذا البلد، في سياق طموحها لبسط نفوذها على المنطقة.
ويشكل هذا الوجود الإيراني مصدر قلق كبير بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، وسط هواجس من أن تسيطر طهران فعليا على هذا البلد على شاكلة ما قامت به في العراق، بعد الاحتلال الأميركي له.
ويقول خبراء إن روسيا لديها هي الأخرى هذا الهاجس، بيد أنها تجد نفسها في حاجة إلى الدعم الإيراني على الأراضي السورية، وهذه المسألة تشكل جوهر خلاف كبير مع الأميركيين.
وحصل في أغسطس الماضي اتفاق روسي أميركي بعيدا عن مؤتمر أستانة الذي ترعاه كل من روسيا وتركيا وإيران، يقضي بإقامة منطقة خفض تصعيد في جنوب غرب سوريا، من أهدافه الضمنية إبعاد طهران وذراعها حزب الله عن إسرائيل حليفة الولايات المتحدة، بيد أن هذا الإجراء اعتبره الاسرائيليون غير كاف، خاصة وأن إيران لديها أكثر من بوابة يمكن أن تتغلغل من خلالها في هذا الشطر الحيوي الذي يحد أيضا الأردن، وبالتالي لا بد من إقامة منطقة عازلة بعمق 50 كلم داخل الأراضي السورية.
إبراهيم كالين: أبلغتنا روسيا أن الاتحاد الديمقراطي لن يشارك في مؤتمر سوتشي
وقد ذكرت مصادر ميدانية مطلعة أن إيران بدأت منذ أشهر قليلة في اعتماد استراتجية جديدة تقوم على استقطاب عناصر سورية في الجنوب أساسا، بدلا من اعتماد عناصرها المحلية أو الموالين لها من لبنان والعراق وجنسيات أخرى.
وقد نجحت في تشكيل فصيل أطلقت عليه “اللواء 313” تعود تبعيته المباشرة إلى الحرس الثوري الإيراني ومعظم عناصره من محافظة درعا الجنوبية.
ويرى خبراء أن إيران بهذه الخطة تريد أن تستبق الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها في سوريا، وبذلك تسارع لتأسيس حزب الله سوري يتولى هو تأمين نفوذها في هذا البلد، خاصة وأن مؤشرات عديدة تؤكد أن الأمور تتجه في سوريا لخواتيمها.
بالتوازي مع ذلك تسرع إيران عملياتها العسكرية للسيطرة على الحدود السورية العراقية معولة بالأساس على الحشد الشعبي وعلى الجيش السوري وميليشياتها في محافظة دير الزور وذلك تحت غطاء محاربة داعش.
وكشف مصدر عسكري الأحد أن قوة عسكرية عراقية مدعومة بالحشد الشعبي دخلت إلى الأراضي السورية، في محاولة لاستكمال سيطرتها على قرى محاذية للأراضي العراقية بدير الزور. وأضاف المصدر أن “عجلات مفخخة لتنظيم داعش اعترضت القوات العراقية أعقبها هجوم لعناصر داعش، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وتسببت في قتل 16 من عناصر التنظيم المتطرف ومقتل ثلاثة من عناصر الحشد الشعبي وإصابة أربعة آخرين بجروح”.
وفي وقت سابق قام قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني بزيارة إلى مدينة دير الزور التي تم طرد داعش منها مؤخرا، ما فهم منه أنه رسالة بأن الدير خاضع للنفوذ الإيراني.
ويرى مراقبون أن التحركات الإيرانية المتسارعة تتطلب بالتأكيد رد فعل أميركي في المقابل وهذا قد يعيد إشعال باقي الجبهات، ما يعني إطالة الأزمة.
ويشهد الوضع في معظم جبهات القتال في سوريا هدوءا نسبيا لعدة عوامل منها مناطق خفض التصعيد الذي أعلن عنها في ريف دمشق وريف حمص وإدلب، فضلا عن الجنوب الغربي، وأيضا لتآكل الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن خسر حضوره في ريف حلب ثم الرقة.
ويقول مراقبون إن طموحات إيران في سوريا بالتأكيد ستكون مدار حديث طويل بين الرئيسين الأميركي والروسي خلال لقائهما المرتقب الذي سيبنى عليه الشيء ومقتضاه.
ولا تنحصر صعوبة التوصل إلى تسوية في سوريا فقط في الوجود الإيراني، بل أيضا في طبيعة النظام المستقبلي لسوريا وموقع أكراد هذا البلد فيه، خاصة وأن هناك رفضا تركيا واضحا لأي حكم ذاتي كردي على حدودها.
وتعتبر تركيا أحد الأطراف الإقليمية الرئيسة المتورطة هي الأخرى في المشهد السوري، وهي ترفض أي نفوذ للأكراد لأنها ترى في ذلك تهديدا لأمنها القومي، خاصة وأن الطرف الرئيسي الممثل لهذا المكون هو الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي لديه طموحات انفصالية على أراضيها.
وقد اضطرت روسيا على خلفية الموقف التركي، وغياب توافق مع الولايات المتحدة إلى تأجيل مؤتمر كانت تعتزم عقده في 18 نوفمبر الجاري في مدينة سوتشي حول الأزمة السورية.
وقال متحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد إن مؤتمر “شعوب سوريا”، تأجل وإنه لن توجه الدعوة إلى الاتحاد الديمقراطي إذا ما جرى عقده في وقت لاحق وذلك بعد اعتراضات بلاده.
والأسبوع الماضي أشار زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي إلى أن الحزب يؤيد حضور مؤتمر السلام، فيما كان سيمثل أول مشاركة للأكراد في جهود دبلوماسية رئيسية لإنهاء الحرب.
وأوضح إبراهيم كالين “أبلغتنا روسيا بأن الاجتماع تأجل الآن وأن حزب الاتحاد الديمقراطي لن توجه إليه الدعوة”.
وظهر الاتحاد الديمقراطي كأحد اللاعبين الرئيسيين في سوريا منذ بدأت الحرب في 2011 وقال إن دعوة وجهت إليه لحضور الاجتماع في سوتشي المطلة على البحر الأسود.
وتسيطر وحدات حماية الشعب الذراع العسكرية للاتحاد على أكثر من 30 بالمئة من الأراضي السورية. وتمثل الركيزة الأساسية لقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة، ويرى محللون أنه لا يمكن التوصل إلى حل نهائي في سوريا دون إشراك هذا الطرف والاستماع لمطالبه.
العرب اللندنية