قلبت فصائل الحشد الشعبي العراقي مسارا كانت الولايات المتحدة تحاول الحفاظ عليه على الحدود بين سوريا والعراق، بعدما تمكنت من دخول مدينة البوكمال السورية، دون صدور أي رد فعل أميركي يذكر.
وأثار الموقف الأميركي علامات استفهام، بعدما تمكنت ميليشيات تابعة لإيران من رسم الطريق الأولي لممر استراتيجي لطالما طمحت إيران بمده من داخل الأراضي الإيرانية وصولا إلى لبنان.
وبعد انتهاء معركة البوكمال، تكون إيران قد نجحت في تحقيق هدفها الاستراتيجي، رغم إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب عن استراتيجية لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة.
لكن الواقع يقول عكس ذلك الآن، إذ بات الطريق مفتوحا أمام قوات موالية لإيران عبر محور بغداد والفلوجة والرمادي والقائم، والبوكمال (في سوريا) ودير الزور وتدمر ودمشق، ثم بيروت.
ولم يعد أمام الإيرانيين محور آخر يمكن من خلاله تعزيز الممر الاستراتيجي إلا عبر معبر الوليد (القائم سابقا) في الوسط، خصوصا بعدما تمكنت القوات الأميركية من تشكيل حاجز مواز لمعبري ربيعة في الشمال، والتنف في الجنوب.
ورغم نفي هيئات عراقية رسمية مشاركة قوات الحشد الشعبي العراقي في معركة السيطرة على منطقة البوكمال السورية، إلا أن مصادر أمنية وصحافية أكدت عبور مقاتلين من ثلاثة فصائل عراقية مسلحة الحدود وتقديم العون العسكري للجيش السوري وحلفائه.
وقال جهاز الإعلام الحربي المركزي التابع للجيش السوري، الخميس، إن “قوات الجيش السوري وحلفاءه تمكنوا من فرض السيطرة على مدينة البوكمال بعد طرد تنظيم داعش منها”.
والبوكمال، الواقعة على الحدود السورية مع العراق، هي أحد أهم وآخر معاقل تنظيم داعش في سوريا.
وبخسارة البوكمال، يكون داعش خسر جميع المدن السورية، فيما يسيطر على مدينة واحدة في العراق، هي راوة، غرب الأنبار.
وتسمح استعادة البوكمال بإعادة تشغيل المنفذ الحدودي الرئيسي بين العراق وسوريا عبر قضاء القائم.
وتسيطر فصائل مسلحة موالية لإيران على الخط الذي يربط البوكمال بمعظم مناطق الشرق السوري، ويتفرع منها نحو الميادين وتدمر، وصولا إلى الطريق الدولي الذي يمر بحمص ثم دمشق، وينتهي بالحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا.
وبالرغم من أن الإعلام الرسمي السوري لم ينص على مشاركة الحشد الشعبي في معركة البوكمال، إلا أنه أكد التقاء الجيش السوري وحلفائه بالقوات العراقية ضمن حدود محافظة دير الزور، التي تتبعها منطقة البوكمال.
وأكدت بغداد مرارا على أنها لا تخطط لتنفيذ عمليات عسكرية برية داخل الأراضي السورية، ولكنها تشن غارات جوية ضد أهداف محددة لتنظيم داعش في العمق السوري.
ميليشيات عراقية دخلت سوريا
> كتائب سيد الشهداء
> كتائب حزب الله
> حركة النجباء
ومنذ مطلع الأسبوع تنفي قيادة الحشد الشعبي في العراق نية مقاتلين تابعين لها عبور الحدود.
وقال أحمد الأسدي، المتحدث باسم الحشد الشعبي، وهو نائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، إن “الحشد الشعبي قوات مسلحة عراقية لا تقاتل بأي موقع خارج الحدود العراقية، وليس لديها أي مقاتلين في سوريا سواء في البوكمال أو غيرها”.
ويتكون الحشد الشعبي من مجموعة من الفصائل الشيعية المنتظمة تخضع في معظمها لإيران، ويقلد عناصرها دينيا المرشد الإيراني علي خامنئي. وتعرف هذه الفصائل بـ”الحشد الولائي”، نسبة إلى “الولي الفقيه” في إيران.
ويضم الحشد الشعبي أيضا الآلاف من المقاتلين الذين تطوعوا استجابة لفتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، التي أوجبت “الجهاد الكفائي” على كل من يقدر على حمل السلاح، صيف العام 2014، عندما اجتاح تنظيم داعش أجزاء واسعة من العراق، ووضع العاصمة بغداد أمام تهديد كبير. ويعرف هؤلاء المتطوعون بـ”حشد السيستاني”.
وبينما تخضع فصائل الحشد الولائي لأوامر إيران كليا، يلتزم متطوعو “حشد السيستاني” بأوامر حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، ويتحركون تحت إشراف القيادة العامة للقوات المسلحة.
وقالت مصادر لـ”العرب” في غرب الأنبار إن “ثلاثة فصائل من الحشد الولائي عبرت الحدود العراقية، وشاركت في معركة البوكمال، منذ الأربعاء”.
وأضافت أن “الفصائل التي عبرت الحدود هي كتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله (العراق) وحركة النجباء”.
ويقول خبراء ومحللون إن فرصة الفصائل الشيعية الموالية لإيران في إيجاد موطئ قدم ثابت عند نقاط حيوية على الحدود بين العراق وسوريا، “ضئيلة للغاية لأنها تعمل وسط بيئة سنية لديها حساسية عالية تجاه كل ما هو إيراني”.
وتعول هذه الفصائل الشيعية الموالية لإيران على صلاتها ببعض العشائر في مناطق العراق الغربية لتأمين المستلزمات اللوجستية للبقاء طويلا في المنطقة.
ويقول محللون إن العشائر التي تعول عليها الفصائل الموالية لإيران لن تصمد طويلا في المحيط الرافض.
وقال سياسي من محافظة الأنبار إن “كلفة الوجود الإيراني على الحدود العراقية السورية بالاعتماد على فصائل عراقية، ستكون عالية جدا”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “خطة ربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا، لضمان التواصل بين طهران وحليفها حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، تنفذ في وقت ينمو فيه دور المقاتلين السنة في صفوف القوات العراقية الخاضعة لسلطة العبادي”.
وأوضح أن “الآلاف من الشبان من محافظة الأنبار انخرطوا في الجيش والأجهزة الأمنية والحشد العشائري منذ العام 2015، والكثير منهم شارك في عمليات استعادة قضاء القائم مؤخرا”، مشيرا إلى أن “وجود هؤلاء المقاتلين قرب المواقع التي تخطط إيران لمئلها في أقصى غرب العراق، يشكل خطرا استراتيجيا على نوايا طهران”.
ويقول مراقبون إن خطة فصائل في الحشد لتأمين التواصل مع سوريا وصولا إلى لبنان، تصطدم بواقع جغرافي صعب، إذ أنها تتطلب تأمين نحو 500 كيلو متر بين بغداد والقائم، تقع كلها في بيئة سنية معادية لإيران.
صحيفة العرب اللندنية