في منتصف ليلة السادس والعشرين مارس/آذار 2015 بدأت مقاتلات سعودية بدك العاصمة اليمنية صنعاء ومدن يمنية أخرى، إيذانا بانطلاق “عاصفة الحزم”، وبينما كانت صواريخ التحالف العربي تنهمر على الأراضي اليمنية كانت قلوب كثير من اليمنيين تخفق فرحا وحبورا، فيما كانت مشاعر السخط والغضب تسيطر على أفئدة يمنيين آخرين.
فقبل ذلك بشهور قليلة تمكن تحالف غريب من الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من الإطاحة بحكم الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتسلم مقاليد السلطة واستولى على العاصمة صنعاء، وانقسم اليمنيون حوله بين مؤيد ورافض.
ووسط تلك المشاعر المتناقضة والآمال العراض أعلن التحالف المكون من عشر دول بقيادة السعودية أنه جاء لإنقاذ اليمن وإبعاد خطر الحوثيين عبر عملية عسكرية سرعان ما استبدلت ذاتها وأنتجت نسخة جديدة منها تحت مسمى “إعادة الأمل” بعد أن أزالت التهديدات الموجهة للمملكة ودول الجوار وحققت معظم أهدافها حسب بيان لوزارة الدفاع السعودية.
وبعد أكثر من سنتين على ميلاد “الحلم” الذي تخلَق في إحدى صباحات اليمن “الكئيبة” عام 2015، يخشى الكثير من اليمنيين أن يكون “الأمل” قد تبدد، وأن يكون “حلم” توحيد الدولة وإبعاد تحالف مليشيا الحوثيين وصالح صار أبعد من أي وقت مضى.
وبغض النظر عن نجاح التحالف أو فشله في تغيير موازين القوى على الأرض، فإن المؤكد هو أن تطورات العامين الماضيين بنجاحاتها وانكساراتها قد أعادت ترتيب الأولويات وقوائم الاهتمامات لدى المواطن اليمني البسيط، فبينما كان الصراع قبل أكثر من سنتين صراع “نخبة” حول من يحكم وكيف يحكم، أصبح صراع وجود وحياة تخوضه الغالبية الساحقة من المواطنين بحثا عن لقمة عيش وأمن من خوف وشفاء من مرض.
فالبلد الذي وصف قبل قرون من الزمن بالسعيد، وتعاقبت على أديمه حضارات ذات تاريخ مجيد وآثار خالدة، يعيش اليوم بحسب بيانات الأمم المتحدة أكبر كارثة إنسانية على مستوى العالم، نتيجة للحرب المستمرة منذ العام 2015، والتي جعلت نحو 19 مليون من سكانه بحاجة إلى مساعدات إنسانية أو حمائية.
مجاعة على ضفاف النفط
رغم أن اليمن يحوز على مكامن الثروة المستندة إلى موقع إستراتيجي نادر، ويجاور أغنى بلدان العالم بالثروة والمال، فقد اعتبر أفقر بلد في منطقة الشرق الأوسط وفي المراتب الأولى عالميا على قوائم الدول الأكثر فقرا بالعالم، وساهمت الحروب والأزمات التي عاشها في العقود والسنوات الأخيرة في ضرب بنيته الاقتصادية، وانعكس ذلك سلبا على حياة الناس.
ولم يكن ما بعد العام 2015 كما سبقه، فقد انهارت الدولة بشكل شبه شامل، وتوقف صرف منح الرعاية الاجتماعية، ثم توقفت الرواتب في مرحلة لاحقة، وارتفعت أسعار المواد الأولية إلى عنان السماء، في ظل انهيار في مستويات القدرة الشرائية للمواطنين.
وأدت تلك الأوضاع السيئة إلى انعدام الأمن الغذائي لأكثر من 80% من سكان البلاد، أي ما يزيد على 19 مليون شخص حسب أرقام الأمم المتحدة. فيما يحتاج حوالي 9.8 مليون شخص بشدة لمساعدات منقذة للأرواح.
ومع اشتداد المعارك في الأرض، والقصف القادم من الجو، أصبح نحو ثلث محافظات اليمن الـ22 على شفير المجاعة، فيما يعاني 60% من سكان البلد من الجوع، وسط استمرار تدفق النازحين من المناطق التي يحتدم فيها القتال بحسب الأمم المتحدة.
وتقول المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الأمم المتحدة بيتينا لوشر “نخشى كثيرا أن يكون اليمن موشكا على مجاعة، حيث تشهد سبع محافظات من 22 حالة طوارئ من الدرجة الرابعة، أي أقل بدرجة من إعلان حالة المجاعة”. كما أشارت إلى أن البرنامج يوفر الغذاء لنحو سبعة ملايين نسمة شهريا في اليمن، وهو أقل من نصف العدد الذي يعاني الجوع والبالغ 17 مليونا. وحتى الذين يحالفهم الحظ للحصول على مساعدة لا يتلقون كل الغذاء الذي يحتاجون إليه لتعذر توفير حصص كاملة.
الوباء القاتل
ويبدو أن مصائب اليمين لا تأتي فرادى كما يقال، فالحرب تقود إلى انهيار أساسات الدولة وبناها الصحية والاقتصادية، ويؤدي ذلك في النهائية إلى انتشار الأوبئة والمجاعات، ومن المفارقات أن الحرب قتلت حتى الآن نحو 10 آلاف شخص في اليمن، بينما قضى وباء الكوليرا خلال شهور عديدة فقط على أكثر من 20 ألف يمني، وأصاب نحو 900 ألف آخرين حسب منظمة الصحة العالمية.
وتقول منظمة أوكسفام الدولية إن أزمة وباء الكوليرا التي بدأت قبل أقل من سبعة أشهر تسجل أسرع انتشار لها في التاريخ، وإن عدد الحالات المشتبه في إصابتها بالكوليرا قد يرتفع إلى نحو مليون قبل نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ووفق تقارير لمنظمة الصحة العالمية فإن محافظات حجة (شمال غرب) والحديدة (غرب) والعاصمة صنعاء هي من أكثر المحافظات التي شهدت الانتشار الأكبر لوباء الكوليرا.
وكانت الموجة الأولى من هذا الوباء القاتل قد أصابت اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ولكنها انحسرت لاحقا، ثم عادت بقوة أواخر أبريل/نيسان 2017، نتيجة انهيار الاقتصاد اليمني وتوسع نطاق الحرب وتدهور نظام العناية الصحية، حيث انخفض مخزون البلاد من الإمدادات الطبية إلى مستوى خطير حسب بيانات الأمم المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك تقدر المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن موت طفل دون سن الخامسة كل 10 دقائق، لأسباب يمكن الوقاية منها، فيما يعمل العديد من الأطباء والممرضين من دون مقابل أو لا يحصلون على حد الكفاف من الأجور.
الحرب المنسية
وتبقى كلمة السر الأهم في مشاكل وأزمات اليمن العديدة هي الحرب التي وصفتها صحيفة إندبندنت البريطانية ذات مرة بـ”الحرب المنسية”؛ حيث لا يوجد في اليمن إلا بضعة مراسلين صحفيين أجانب، وخلافا للعادة لم يأت صحفيون إلى اليمن لنقل الصورة الحقيقية إلى الخارج، وظلت هذه الحرب غير مرئية للعالم الخارجي، كما أن من شردتهم الحرب اليمنية لم يهربوا إلى الخارج بالآلاف -على عكس السوريين- رغم الحصار الجوي والبري والبحري الذي تفرضه السعودية على اليمن.
وتنقل ذات الصحيفة عن الباحثة بمعهد التنمية لما وراء البحار “أوفرسيس ديفلوبمينت إنستتيوت” البريطاني المستقل شيرين الطرابلسي ماكارثي قولها إن الوضع الإنساني باليمن أسوأ كثيرا في الوقت الراهن، ومن المتوقع أن يسوء أكثر، وأن ينضم المزيد من الشباب اليائسين إلى التنظيمات “الإرهابية” بمختلف مشاربها، كما يُتوقع مزيد من الخراب والتدمير للبنية التحتية.
هذا في المناطق التي تسيطر عليها قوات الشرعية الموالية للسعودية والتحالف العربي، أما خلف خطوط الحوثيين وقوات الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، فإن الوضع أسوأ كما يقول بعض المهتمين.
وتورد الصحيفة أن الطرقات والجسور وفي بعض الأحيان المباني المدنية مثل المنازل والمستشفيات بمناطق الحوثيين وعلي صالح تعرضت للدمار بمستويات كبيرة نتيجة لغارات التحالف العربي.
وكان التحالف العربي قد أغلق مطلع الأسبوع الماضي كل المنافذ البرية والبحرية والجوية لليمن مبررا ذلك بأنه مسعى لوقف تهريب الأسلحة من إيران إلى جماعة الحوثيين، وذلك بعد يوم من اعتراض الدفاع الجوي السعودي صاروخا بالستيا شرق مطار العاصمة الرياض، واتهمت السعودية إيران بأنها من تزود الحوثيين بمثل هذه الصواريخ.
وقد عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه من قرار السعودية إغلاق معابر اليمن، وقال إن هذا الإجراء من شأنه عرقلة وصول المساعدات للسكان اليمنيين.
ودعت الولايات المتحدة الأطراف المعنية بالأزمة في اليمن للسماح بوصول الشحنات التجارية والمساعدات الإنسانية لتفادي أخطار المجاعة والأوبئة التي تهدد اليمن بشكل متزايد، لكنها أبدت في الوقت نفسه تفهمها لإجراءات “المراقبة والتحكم”.
ونددت منظمات دولية عديدة بقرار التحالف العربي إغلاق جميع منافذ اليمن، وقالت إنه يزيد معاناة المدنيين. واشتكت منظمات الإغاثة الدولية من منع طائراتها من الوصول إلى اليمن.
ووفق مراقبين فإن العديد من اليمنيين تتلبسهم قناعة راسخة بأن الإمارات هي الرابح الأكبر اقتصاديا وإستراتيجيا من هذه الحرب حيث رسخت وجودها في الجنوب و”استولت” على موانئ وشطآن وجزر ومواقع بالغة الأهمية، واكتفت السعودية “من الغنيمة بالإياب” عدا أنها تتحمل جزءا وافرا من تبعاتها الأخلاقية والسياسية والأمنية وكلفتها الاقتصادية، بينما تنوء كواهل اليمنيين المنهكة بأوزارها الإنسانية قتلا وتجويعا وتهجيرا وتدميرا.
المصدر : وكالات,الجزيرة,مواقع إلكترونية