رغم ترحيب أطراف سياسية في بغداد بإعلان حكومة إقليم كردستان، أول من أمس، قبولها تفسير المحكمة الاتحادية للمادة الأولى من الدستور المتعلقة بوحدة العراق، فإن مصدرا مقربا من الحكومة العراقية يؤكد أن رئيس الوزراء حيدر العبادي «لا يعوّل على المواقف الكردية التي تصدر عن شخصيات سياسية غير (رئيس الإقليم السابق) مسعود بارزاني».
وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لـ«الشرق الأوسط»: «قبل فترة سُئل العبادي عن المواقف والتحركات الإيجابية التي يطلقها رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، فقال بالحرف الواحد: أريد ردا واضحا وصريحا من مسعود بارزاني، لأنه ما زال مؤثرا ومتحكما بأوراق اللعبة في الإقليم».
ولفت المصدر إلى أن «العبادي يعلم علم اليقين أن بارزاني ما زال اللاعب الرئيسي في الإقليم، سواء أكان داخل السلطة أو خارجها، ويدرك أن كل ما جرى بشأن الاستفتاء من تدبير مسعود بارزاني، وخروجه من السلطة لا يغير من واقع تحكمه بالقرار الكردي على الأرض».
وكانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء طلبت في وقت سابق من المحكمة الاتحادية تفسيرا للمادة الأولى من الدستور، في سياق ردها على إجراء إقليم كردستان استفتاء الانفصال عن العراق في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، فأصدرت المحكمة الاتحادية مطلع الشهر الجاري حكما يتعلق بتفسير المادة، خلصت فيه إلى أن هذه المادة والمواد الدستورية الأخرى ذات العلاقة أكدت وحدة العراق.
وأصدرت رئاسة إقليم كردستان، أول من أمس، بيانا أعلنت فيه أنها «تحترم» تفسير المحكمة الاتحادية العليا، «وفي الوقت نفسه نؤكد إيماننا بأن يكون ذلك أساسا للبدء بحوار وطني شامل لحل الخلافات عن طريق تطبيق جميع المواد الدستورية بأكملها بما يضمن حماية الحقوق والسلطات والاختصاصات الواردة في الدستور».
واعتبر مراقبون الإعلان «تراجعاً ضمنياً» من الإقليم عن موضوع الاستفتاء. لكن كان لافتا امتناع حيدر العبادي خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أول من أمس، عن التعليق على قبول حكومة الإقليم بقرار المحكمة، ما يرجح كلام المصدر عن اشتراط العبادي «ردا واضحا وصريحا من مسعود بارزاني».
وكان العبادي أكد خلال المؤتمر تمسكه بموقفه الرافض للاستفتاء والمتمسك بالحفاظ على وحدة العراق. وأرسل «تهديدات مبطنة» إلى الإقليم، إذ دعا إلى «العودة إلى حدود 2003». وقال: «لن ينفد صبرنا، لكننا لن نبقى ننتظر إلى الأبد، سنتخذ إجراءات، ومستعدون للتعاون بكل الأشكال».
لكن رغم ذلك ترك القبول الكردي بقرار المحكمة الاتحادية ارتياحا عاما في بغداد على المستويين الشعبي والرسمي، باعتباره يفتح بابا لحل الأزمة المتفاقمة بين بغداد وأربيل. واعتبر النائب عن «ائتلاف دولة القانون» كامل الزيدي قبول حكومة الإقليم بتفسير المحكمة «خطوة جيدة». لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» إنها «غير كافية ويشوبها الغموض». ورأى أن «الموقف الكردي بحاجة إلى وضوح أكثر»، مشيرا إلى أن «المطلوب من الأكراد إن أرادوا التوصل إلى صيغة تفاهم واضحة مع بغداد تحت سقف الدستور هو الإعلان بشكل واضح عن إلغاء نتائج الاستفتاء والالتزام الكامل بالدستور العراقي».
وكشف الزيدي، وهو أحد أعضاء اللجنة التي شكّلها «التحالف الوطني» للتفاوض مع الإقليم قبل الاستفتاء في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن تكليف العبادي لجنة «سرية»، برئاسة «شخصية سياسية رفيعة للتفاوض مع الأكراد، ووصل التفاوض إلى مراحل متقدمة، وإعلان الأكراد قبول تفسير المحكمة هو إحدى نتائج تلك اللجنة».
ورحّب العضو البارز في «تيار الحكمة الوطني»، فادي الشمري، بـ«قبول حكومة كردستان بتفسير المحكمة الاتحادية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نرحب بهذا الإعلان، لأنه في المحصلة يفتح نافذة جديدة على طبيعة العلاقة بين بغداد وأربيل، ويكشف عن المأزق الذي تمر به حكومة كردستان، لذا فهي تسعى اليوم إلى إعادة بلورة موقف جديد حيال بغداد».
وبرأي الشمري، فإن موقف أربيل الجديد يمثل «مقدمة لإعلان إنهاء موضوع الاستفتاء، ونعتقد أن ذلك سيحدث قريباً». وتوقع أن «تتعامل بغداد بمرونة أكثر، لأن الحكومة والقوى الداعمة لها تريد الحفاظ على الشعب الكردي وتأمين متطلبات عيشه الكريم».
الشرق الاوسط