لندن: أمير طاهري
في الوقت الذي تحشد فيه إيران جهودها ومواردها في أعقاب أقوى زلزال يضرب البلاد منذ عام 2003، تتزايد المخاوف بشأن سلامة المحطة النووية الوحيدة التي توجد في شبه جزيرة بوشهر المطلة على الساحل الشرقي للخليج العربي.
والمحطة النووية المذكورة من تصميم شركة سيمنز الألمانية وأنشأت في عام 1971، وتعرضت للقصف ونالها التدمير الجزئي بواسطة صدام حسين بين عامي 1981 – 1982، ثم استكملت إحدى الشركات الروسية تشييدها على مدى عشر سنوات من العمليات المتقطعة. ويعتبر موقع المحطة النووية في قرية هيليه القديمة مستقراً على إحدى أكثر المناطق عرضة للزلازل على الهضبة الإيرانية، وعلى ارتفاع ثلاث سلاسل جبلية متوازية تمتد من القوقاز وحتى آسيا الوسطى. ووفقاً للسجلات الرسمية، فإن المنطقة التي توجد فيها المحطة قد تعرضت لزلازل عدة في عام 1853، وعام 1960، وعام 1972، وعام 2013، ومن شأن الزلزال بقوة 7.3 على مقياس ريختر أن يحول منطقة الخليج العربي بأسرها إلى منطقة ملوثة نووياً.
وحذر مركز الجغرافيا الفيزيائية بجامعة طهران في عام 1971 من بناء محطة للطاقة النووية في هيليه في شبه جزيرة بوشهر على الخليج العربي، مشيراً إلى المخاطر المحتملة للزلازل في هذه المنطقة. والآن، تم تشييد المحطة النووية هناك وباتت المخاطر المهلكة تحوم في أفق المنطقة. وتزعم الشركة الروسية، التي استكملت أعمال بناء المحطة وتواصل المشاركة في إدارتها منذ ذلك الحين، أن المحطة النووية يمكنها مقاومة الزلازل وحتى 7 درجات على مقياس ريختر. ومع ذلك، ليس هناك من ضمان حقيقي بأن موقع المحطة لن يتعرض إلى هزات أرضية بقوة أكبر على مقياس ريختر للزلازل.
يقول باهرام دافامي، أحد العلماء الذين صاغوا التقرير المبدئي، والذي رُفع إلى شاه إيران في عام 1971: «إن الضمانات بأن المحطة النووية في هيليه قادرة على تحمل الهزات الأرضية بقوة 7 درجات على مقياس ريختر لا تعبر عن أكثر من بعض الدلالات اللفظية. لقد تعرضنا للكثير من الهزات الأرضية بقوة أكبر من 7 درجات على مقياس ريختر في إيران وليست هناك ضمانات بأن المكان الذي شيدت فيه المحطة النووية لن يتعرض لمثل هذه الهزات».
ونظراً لاتجاه الرياح في الخليج العربي، فإن الأضرار التي تلحق بالمحطة النووية في هيليه إثر زلزال بقوة تفوق 7 درجات على مقياس ريختر من شأنها أن توثر، وبصورة فورية، على دول الكويت، والبحرين، وقطر، والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وتسبب التلوث النووي للمياه الضحلة في الخليج العربي. ومن شأن تسريبات المواد النووية إلى مياه الخليج العربي أن تلحق الأضرار البيئية الهائلة بالممرات المائية ونظمها البيئية ومواردها السمكية. ولا يزيد عمق المياه في الخليج العربي على 90 متراً بحال من الأحوال، ومتوسط العمق القريب من المحطة النووية الإيرانية يبلغ 55 متراً. ووفقا للخبراء، فإن هناك مشكلة إضافية تتعلق بالفترة التي سوف تستغرقها مياه الخليج العربي في التجدد والتي تبلغ 15 عاماً؛ مما يجعل من تبدد أي تلوث نووي قائم مسألة تحدث على المدى الزمني المتوسط.
وفي عام 2007، أعرب وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح عن مخاوف بلاده بهذا الشأن لدى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وحصل وقتذاك على «ضمانات جديدة» بأن المحطة النووية في هيليه قادرة على تحمل الزلزال القوي في حالة وقوعه. ومع ذلك، لم يلتزم الرئيس أحمدي نجاد بوعوده بالسماح لفريق دولي من العلماء المعتمدين لدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بدراسة المشروع وإعداد تقرير بشأنه. وتشير السجلات والروايات التاريخية في أدبياتها إلى تعرض إيران إلى أكثر من 130 زلزالاً منذ القرن التاسع الميلادي وحتى الآن. ولقد تسببت بعض الهزات الأرضية العنيفة في سقوط عدد هائل من الضحايا يقدر بنحو 200 ألف قتيل، ولم تتعافى بعض المدن الإيرانية من آثارها المدمرة. وظلت ذكرى دمار مدينة تبريز، العاصمة الحالية لإقليم شرق أذربيجان، عالقة في الضمير التاريخي الإيراني كواحدة من أبشع الكوارث على مر الأزمان.
وحصد زلزال أردبيل أرواح نحو 150 ألف مواطن، وكذلك الزلزال الذي ضرب مدينة شاماخي، التي تقع حالياً ضمن حدود جمهورية أذربيجان، وحصد أرواح 80 ألفاً من السكان. وفي الآونة الأخيرة، ضرب زلزال قوي قرية طرود وتسبب في مقتل ما يربو على 50 ألفاً من السكان، كما حصد زلزال بام، في جنوب شرقي إيران، أرواح 35 ألفاً من المواطنين، إلى جانب زلزال قير وكارزين الذي أودى بحياة 25 ألفاً من السكان وهي المنطقة التي لا تبعد كثيراً عن موقع المحطة النووية الإيرانية المطلة على الخليج العربي.
تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا إنها لا تملك التفويض الكافي بالتصديق على سلامة المحطات النووية فيما يتعلق بتعرضها للهزات الأرضية المحتملة، لكن الوكالة قد وضعت المبادئ التوجيهية للتعامل مع مثل هذه الاحتمالات. ولا تباشر الوكالة الدولية للطاقة الذرية عمليات التفتيش المنتظمة على المحطة النووية الإيرانية في هيليه، وهي المحطة غير المدرجة على قائمة المواقع النووية الـ32 التي تسعى الوكالة الدولية إلى وضعها تحت الإشراف فيما يتسق مع الاتفاق النووي المثير للجدل الذي تفاوض الرئيس الأميركي الأسبق باراك بشأنه مع إيران.
الشرق الاوسط