أنقرة – تراجعت قيمة الليرة التركية أمس إلى أدنى مستوى لها تاريخيا في أسواق الصرف، حين فقدت أكثر من واحد بالمئة من قيمتها لتقترب من حاجز 4 ليرات للدولار.
وجاء تزعزع الثقة بالعملة التركية على خلفية تصاعد التوتر بين حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان مع الإدارة الأميركية بشأن محاكمة وشيكة لرجل أعمال ومصرفي تركيين في نيويورك.
وقرر البنك المركزي التركي أمس في محاولة لوقف هذا التدهور، إزالة جميع القيود على اقتراض البنوك في التعاملات اليومية بين المصارف اعتبارا من اليوم الأربعاء كما قرر زيادة تسهيلات السيولة اليومية.
ومع أن الاقتصاد التركي يسجل نسبة نمو بنسبة تصل إلى 5 بالمئة بحسب الأرقام الرسمية، إلا أن ذلك لا يكشف الصورة الكاملة في ظل ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 12 بالمئة والانحدار المتسارع لقيمة الليرة التركية منذ أشهر عدة.
وتبدو الليرة التركية في مسار من اتجاه واحد منذ نهاية عام 2013 حين تفجرت فضائح الفساء المرتبطة بالحلقة القريبة من الرئيس أردوغان. وقد فقدت الليرة منذ ذلك الحين أكثر من 60 بالمئة من قيمتها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاجم الجمعة البنك المركزي ودعاه إلى التعجيل بخفض نسب فوائده لتشجيع الاقتراض سعيا إلى دعم النمو من خلال الاستهلاك والاستثمار في وقت دخلت فيه البلاد مبكرا في أجواء انتخابية قبل عامين من انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية مهمة.
ويرى محللون أن المؤشرات الاقتصادية المتدهورة تملي على البنك المركزي تشديد سياسته المالية ورفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم الجامح وانحدار قيمة الليرة، لكنه يواجه بصعوبة ضغوط أردوغان التي تتعارض مع بديهيات السياسات المالية.
وأكدوا أن التوتر بين انقرة وواشنطن الشديد أصلا، زادت حدته في الأيام الأخيرة مع اقتراب موعد محاكمة رضا ضراب رجل الأعمال التركي الإيراني الذي أوقف في العام الماضي في الولايات المتحدة.
ومن المقرر أن تبدأ محاكمته في بداية شهر ديسمبر المقبل مع مصرفي تركي اسمه محمد حقان أتيلا بتهم تتعلق بانتهاك العقوبات الأميركية على إيران. وتتصل الاتهامات أيضا بوزير تركي سابق لا يزال طليقا خارج الولايات المتحدة.
وتثير المحاكمة مخاوف من تأثيرها المحتمل على القطاع المصرفي التركي خصوصا على مصرف هالبنك الحكومي، الذي كان أتيلا يتولى عند توقيفه في الولايات المتحدة منصب مساعد مديره العام المكلف بشؤون الإدارة المصرفية الدولية.
ويقول ممثلو الادعاء العام الأميركيون إن ضراب، الذي اعتقل في الولايات المتحدة في العام الماضي، كان وراء مخطط واسع تصل قيمته إلى مئات الملايين من الدولارات للالتفاف على العقـوبات المفـروضة على إيران.
وكان من المقرر أن تبدأ محكمة ساوثرن الجزئية في مدينة نيويورك باختيار المحلفين في القضية أمـس، لكـن تـم تأجيل العملية حتى 27 نوفمبر الجاري، وهو التـاريخ الأصلي لبدء المحـاكمة، التي ستبدأ في الشهر المقبل.
ويخشى مصرفيون ومستثمرون من عجز البنك المركزي عن معالجة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في ظل الاتهامات التي يوجهها أردوغان إلى البنك والتي تصل إلى اتهامه بالخيانة.
نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك دعا لإبقاء السياسة النقدية المشددة في معارضة صريحة لدعوات أردوغان
وكان أردوغان قد قال الأسبوع الماضي خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية “إنهم يقولون إن البنك المركزي مستقل. لا تتدخل. حسنا، نظرا لأننا لا نتدخل في عمله فإن هذا هو ما يحدث”.
وقد أبقى البنك المركزي مؤخرا على أسعار الفائدة دون تغيير، وهو موقف وسطي بين مطالب أردوغان بخفض الفائدة والحاجة الملحة إلى زيادة الفائدة لمواجهة ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الليرة.
وفي موقف لافت قال نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك يوم الأحد إنه ينبغي للبنك المركزي أن يبقي السياسة النقدية مشددة، في معارضة لدعوات أردوغان إلى تيسير السياسة المالية.
وتؤكد البيانات أن الأزمات الاقتصادية في تركيا تتفاقم بسرعة كبيرة منذ محاولة الانقلاب منتصف العام الماضي وما تبعها من عمليات اجتثاث وتحولات سياسية مكنت أردوغان من إحكام قبضته على جميع السلطات.
ويستبعد صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد التركي نسبة النمو التي تتوقعها الحكومة في العام الحالي بسبب ضبابية الوضع السياسي والعلاقات المتوترة مع أوروبا واضطراب الأمن في داخل البلاد والمنطقة.
ويمثل انحسار السياحة الأوروبية إلى تركيا بسبب سياسات أردوغان والتوتر الأمني الضربة الأقسى للاقتصاد التركي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة.
ويقول محللون إن انهماك أردوغان في المناورات السياسية ودعمـه المطلق لجماعات الإخوان المسلمين وتركيز جميع السلطات في قبضتـه منـذ التحـول إلى نظـام رئـاسي يجـدد التساؤلات بشأن مستقبل العلاقات بين تركيا والاتحـاد الأوروبي، أكبـر شركـائها التجاريين.
العرب اللندنية