القاهرة – التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي السبت جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي لبحث قضايا تتعلق بالتعاون العسكري المشترك وملف الإرهاب وتحقيق أمن وسلام منطقة الشرق الأوسط.
وجاءت زيارة ماتيس إلى القاهرة في إطار جولة تستمر خمسة أيام يزور خلالها الأردن وباكستان والكويت أيضا. وتمثل هذه الدول حلقة هامة في الحرب على الإرهاب نتيجة للعامل الجغرافي الهام ومحاولات التنظيمات المتطرفة تصعيد هجماتها في تلك الدول.
وقال ماتيس إن بلاده حريصة على استمرار العلاقات العسكرية مع مصر، والتي تمتد لعقود طويلة من التنسيق والتفاهم في مختلف المجالات، مؤكدا موقف بلاده الداعم لمصر وقواتها المسلحة في الحرب على الإرهاب ومواصلة تعزيز أطر التعاون المشترك لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم الشكوك التي حامت حول الزيارة وأسبابها، لكن تقارير إخبارية أميركية لـ”واشنطن بوست” و”صوت أميركا”، قالت إن علاقات الولايات المتحدة العسكرية مع مصر على طاولة حوار ماتيس في القاهرة، لمحاولة كبح الجماح الروسي السائر بوتيرة سريعة نحو تثبيت نفوذه في المنطقة، وهو ما ظهر من اختيار الدول الأربع التي يزورها ماتيس، والمرتبطة بعلاقات عسكرية وثيقة وقديمة مع الولايات المتحدة.
وقال اللواء محمد مجاهد الزيات، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط سابقا لـ”العرب”، إن زيارة وزير الدفاع الأميركي “عسكرية بالأساس” وتستهدف المزيد من تعزيز التعاون العسكري والأمني مع مصر، لافتا إلى أن ملف تقليص المعونات العسكرية الأميركية من بين القضايا التي كانت محل نقاش بين الجانبين.
وأضاف الزيات أن واشنطن تخشى من أن يكون التقارب العسكري المصري الروسي الأخير بداية لسحب البساط من تحت أقدامها، وبالتالي فهي تريد سد هذه الثغرة حتى لا تتسع وتشمل دولا أخرى.
خبراء: مصر ستطلب المزيد من الدعم الأميركي في المجال العسكري بتقديم سلاح متطور يساعد على تعزيز الضربات الموجهة للتطرف
وأشار إلى أن واشنطن تدرك أن تعزيز التعاون العسكري مع مصر مثل ما هو عليه بين القاهرة وموسكو يكلفها الكثير، وهو ما قد يسرع من وتيرة إعادة باقي المساعدات العسكرية المحتجبة من إدارة ترامب.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن القاهرة على استعداد لتطوير علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة بالموازاة مع العلاقات التي تربطها بروسيا، ولا تمانع في أن يكون هناك تحالف عسكري مصري مع روسيا وآخر مع الولايات المتحدة، لأن ذلك يصب في صالح تعزيز دور القاهرة الإقليمي وحربها على الإرهاب.
وأوضحت المصادر أن رسالة مصر التي تبلغها للوفود العسكرية الأميركية أنها لن تتغير، وأن التعاون العسكري مع دولة ليس بديلا عن دولة أخرى، لأن مصر ليس من مصلحتها الأمنية والسياسية أن تكون لها علاقات فاترة مع دولة بعينها مقابل علاقات قوة مع أخرى حتى لو كانت عظمى.
وأثار التوقيع على الاتفاق العسكري حول “إجراءات استخدام المجال الجوي والبنية التحتية للمطارات في روسيا ومصر” الأسبوع الماضي، قلق واشنطن مع تراجع حضورها في قضايا الشرق الأوسط بسبب فشل مساعي تقويض الإرهاب في المنطقة.
وتمكنت موسكو خلال الفترة الماضية من ترسيخ نفوذها الدبلوماسي والعسكري في كل من سوريا وليبيا، وهو ما شكل ضرورة لتعاون ثنائي بين مصر وروسيا بسبب المصالح المشتركة، خاصة مع الإعلان الروسي عن ضرورة رفع الحظر الدولي عن بيع السلاح لحليف السيسي وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ما تراه القاهرة ضرورة لردع الإرهاب في ليبيا، بينما ترى الولايات المتحدة أهمية في التريث في هذه الخطوة، ووعدت بالمزيد من الدعم لحكومة السراج.
وشهدت العلاقة العسكرية التاريخية بين مصر والولايات المتحدة شدا وجذبا على مدار السنوات السابقة.
وجمدت إدارة الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما صفقات بيع سلاح لمصر إثر عزل الرئيس المنتمي للإخوان المسلمين محمد مرسي من الحكم في 3 يوليو 2013، وتبع ذلك تحسن في عهد ترامب. لكن قرار إدارة البيت الأبيض الأخيرة بحجب مبلغ 96 مليون دولار كمساعدات، وتأخير 195 مليون دولار أخرى، وجه القاهرة للبحث عن حلفاء عسكريين جدد، واستعادة حلفاء قدامى في إشارة إلى موسكو.
في العقود الأربعة الأخيرة، منحت الولايات المتحدة مصر أكثر من 80 مليار دولار، بمعدل أكثر من 1.3 مليار دولار في السنة كمساعدات عسكرية واقتصادية.
التوقيع على الاتفاق العسكري حول (إجراءات استخدام المجال الجوي والبنية التحتية للمطارات في روسيا ومصر) الأسبوع الماضي تثير قلق واشنطن مع تراجع حضورها في قضايا الشرق الأوسط بسبب فشل مساعي تقويض الإرهاب في المنطقة
ويرى خبراء أن مصر ستطلب المزيد من الدعم الأميركي في المجال العسكري بتقديم سلاح متطور يساعد على تعزيز الضربات الموجهة للتطرف.
وكشف سامح شكري وزير الخارجية المصري الخميس خلال منتدى حوار المتوسط في روما عن قائمة من الأسلحة ممنوع تقديمها لمصر، أبرزها معدات مراقبة وكشف عن المتفجرات.
وتساءل شكري لماذا لا تمد الدول يد العون إلى مصر لمساعدتها في الحصول على كل ما تحتاجه في حربها على الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار؟
ويرى الخبير العسكري اللواء محمد حامد مختار أن جولة وزير الدفاع الأميركي تشير إلى رغبة الولايات المتحدة في إعادة العلاقات العسكرية مع مصر إلى سابق عهدها، ومنع أي محاولة روسية لجذب مصر إلى الهيمنة العسكرية الروسية.
وقال لـ”العرب”، “إنه من المتوقع أن يعلن بعدها عن عقد اتفاقات تسليح جديدة كبادرة حسن نية لتأكيد عمق العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن”.
وأضاف أن مصر لديها جيش قوي ويحتاج إلى تسليح دائم ومتطور، وتوجه مصر إلى دول أخرى مثل روسيا وفرنسا والصين لشراء السلاح يعني خسارة مادية ومعنوية كبيرة للولايات المتحدة.
أما الملف الثاني الذي شملته زيارة ماتيس لمصر، فيتعلق بالمصالحة الفلسطينية وما يتردد حول “صفقة القرن” لتسوية القضية الفلسطينية.
وتعلم الولايات المتحدة أن إعلانها للقدس عاصمة لإسرائيل سيكون بداية لموجة غضب عارمة بالمنطقة وضربة قاتلة لأي اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في المستقبل، وهو ما يسعى ماتيس للتخفيف من حدته ولتهيئة دول المنطقة إلى هذا القرار المرتقب.
وحذر الفلسطينيون وسبقهم في ذلك العاهل الأردني الملك عبدالله من هذه الخطوة، التي بالتأكيد سوف تكون لها تداعيات كارثية على استقرار المنطقة. وأكدت الرئاسة الفلسطينية الجمعة أن أي حلّ عادل للقضية الفلسطينية يجب أن يضمن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.
ويرى مراقبون أن الزيارة الأميركية إلى مصر والأردن ربما تحمل أفكارا سياسية من قبيل اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة إسرائيلية، مقابل تحقيق الدعم الكامل للمصالحة الفلسطينية والموافقة على بدء مفاوضات تكون حماس طرفا غير معلن فيها.
العرب اللندنية