متجاهلا كل التحذيرات العالمية والإسلامية والعربية، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قراره الخطير بإعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أمس.
تراوحت التصريحات المحذرة من الإعلان بين اتهامه بتقويض الاستقرار العالمي، على حد تعبير زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا، والدعوة إلى التعقل، حسب بابا الفاتيكان، إلى التهديد بقطع العلاقات مع إسرائيل والمطالبة بقمة استثنائية إسلامية، على حد قول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
إضافة إلى موجة البيانات والتصريحات في كل أنحاء الأرض فإن الصحافة العالمية، على اختلاف توجهاتها، اتفقت على خطورة الإعلان، كونه، على حد تعبير صحيفة «الغارديان» البريطانية، يقذف «الشرق الأوسط إلى نار ليس لها نهاية».
يمكن ربط القرار، على مستوى السياسة الداخلية الأمريكية، بمحاولة ترامب إرضاء قاعدته من اليمين المسيحي المحافظ على حساب الفلسطينيين، مفترضا، على ما يظهر، قدرته على الضغط على مؤسساتهم السياسية، منظمة التحرير والسلطة و«حماس»، مستفيدا من الانهيار الهائل للمنظومة العربية، وملامح دالة على تواطؤ أطراف عربية وازنة في هذا الأمر.
لكن رغم «قلة الحيلة» الفلسطينية، والتدهور والتواطؤ العربيين، والتخطيط الأمريكي البعيد المدى للأمر (بما فيه إعداد موقع السفارة في القدس الغربية)، فإن عواقب القرار تبدو وخيمة.
موافقة ترامب على شرعنة احتلال إسرائيل للقدس، لا يهدد الفلسطينيين وحدهم بل يتعرّض بالتهديد الفعلي والرمزي لاثنين من أكبر الأديان التوحيدية في العالم، الإسلام والمسيحية، من خلال تعميقه الطابع اليهودي للاحتلال الإسرائيلي، وفي وقت يشهد فيه العالم، والمنطقة العربية خصوصا، ميلاً هائلاً للاحتراب الديني، أو لتفسير الحروب بشكل ديني، وهو ما يعني حرباً أهليّة معممة عالمياً.
الواقع أن قرارات وتصرفات ترامب تنتظم في هذا السياق بقوة، بدءاً من رؤيته للإرهاب وربطه بالإسلام كدين، وهو ما تبدى بقراره منع مواطني ست دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة، وكذلك بإعادة بث تغريدات قائدة تنظيم نازي بريطاني ضد المسلمين، وصولاً إلى قراره الأخير حول القدس، وهذا كله يشكل، عمليّاً، بنية مفهومية مشابهة لبنية التنظيمات الإرهابية، وتساهم أفعال ترامب هذه مساهمة كبرى في ترسيخ خطابها.
ولكن، ولهذه الأسباب بالذات، يجب أن نعترف أن سياسة ترامب هذه مقصودة، وأن نفهم أن الرئيس الأمريكي لا يمانع في أن تتحقّق تشاؤمات المحذرين والمهددين، فهذه السياسة تطبيق لرؤيته للصراعات الحاصلة داخل أمريكا نفسها وكذلك في العالم، وينطبق هذا على موضوع القدس وإسرائيل، كما ينطبق على موقفه من السود والمكسيكيين والمسلمين والنساء والإعلام في أمريكا.
الشعبوية التي يمثلها ترامب تكره العلم وتستهزئ بقضايا المناخ وتقوم بتجريف أسس الديمقراطية باتجاه عنصرية ونفعية وكلبية قصوى في قضايا السياسة والطبيعة، وفي حال أن هذه الموجة لم تنقض بسرعة كافية فإن عواقبها على العالم، وليس على الفلسطينيين فحسب، ستكون كارثية.
القدس العربي