منذ تأسيسه في 1982، ظهر «حزب المؤتمر الشعبي العام» في اليمن كحزب سلطة، وهو اليوم، بعد مقتل مؤسسه وزعيمه الأقوى، علي عبدالله صالح، على يد الحوثيين، أمام تحدي إعادة تعريف هويته، وتلمُّس مستقبل آخر، ما يزال مغلفاً بالغموض. شهد الحزب مثل ذلك مرات عديدة ربما آخرها عقب انقلاب الحوثيين على الرئيس عبد ربه منصور هادي في أيلول (سبتمبر) 2014، بعقد جناح صالح «تحالف الضرورة» مع الحوثيين، وعلى الضد من جناح هادي «جناح الشرعية»، لكن المؤكد أنّ مقتل صالح يجعل الأمر مختلفاً هذه المرة.
«المؤتمر»، كما هو معروف، شهد سلسلة انقسامات عصفت به، ودفعت بالكثير من قياداته إلى خارج اليمن، ولم يعد لكثير منها النفوذ والتأثير في الداخل، وصرنا والحال هذه أمام «أكثر من مؤتمر». وإلى جانب جناح المؤتمر الذي يمثله هادي، فإن الجسم الأكبر والثقل الشعبي الأوسع للمؤتمر هو الذي ينتشر في المناطق التي تخضع لسلطة الانقلابيين الحوثيين(في الشمال). هنا، سيبدو ملحّاً التساؤل عن مدى رغبة أو قدرة الرئيس هادي في استيعاب واحتواء المؤتمريين الذي كانوا مؤيدين لصالح؟ وهل في وارد الاحتمالات السعي لتفعيل حزب المؤتمر ولملمة شتاته في سياق مواجهة توغل الحوثيين في العسكرة والدموية في تصفية خصومهم السياسيين ومنافسيهم في الساحة اليمنية؟. في هذا الصدد، علينا ألا ننسى الوقع الثقيل للحسابات المناطقية، وتناقضات الشمال والجنوب في رسم تضاريس الإجابات.
إنّ نزعات الاستفراد والإقصاء لدى الحوثيين لم تكن مفاجأة. ومنذ فترة ليست بالقصيرة تصاعد إصرارهم على وأد أي فاعلية حزبية منافسة أو موازية، وهو ما تجلى، مثلاً، في الرابع والعشرين من آب (أغسطس) الماضي، عندما رفض الحوثيون الاحتشاد الجماهيري الذي دعا إليه صالح لإحياء ذكرى تأسيس حزب المؤتمر، ووصفوه بـ «التحرك المـــشبوه». أعــاد ذلك إلى الأذهان، من زاوية من الزوايا، ما يريــده «حزب الله» من تيار الرئيس ميـــشال عون: التغطية. لكنّ الحوثيين أوغلوا في نزعة الاستــفراد بالسلطة إلى حدٍّ أصبحوا معه يريدون «المؤتمر الشعبي» كـ «ديكور»، وحين أراد صالح الاحتــجاج على هذه اللعبة تم اغتياله والتمثيل به.
المراقبون متناقضون في مقاربة ما بعد قتل صالح، فثمة من يرى فيما جرى «موتاً للعمل السياسي» في اليمن، ووأداً وإخماداً لأي حزبية فعلية، لا سيما في ظل غياب المؤسسات وتفكك سلطة الدولة والقانون والقضاء وطغيان السلاح الحوثي. مقابل هذا الرأي هناك من يتفاءل بإعادة الزخم للفاعلية السياسية والحزبية في اليمن بعد أن ضمر البعد السياسي لدى الحوثيين، وطغى النازع المليشيوي في سلوكهم وسياساتهم، فبتنا، بوضوح، أمام حركة شمولية ذات طبيعة مذهبية سلالية غير قادرة على تقبّل أدنى اختلاف، حتى مع من تحالف معها، وهي، ما بقيت هكذا، ستكون أقل قدرة على استيعاب الجسم الحقيقي من قيادات وقواعد «المؤتمر الشعبي»، أو حتى «حزب الإصلاح» وسواهما. وإذا ما استبدّ العناد بالحوثيين وأغرتهم «أوهام النصر الإلهي»، و «الأيام التاريخية والاستثنائية»، فسيكون الحل الأسهل لهذه الحركة الشمولية أنْ تخلق واجهات حزبية من هنا وهناك، وربما من بعض عناصر «المؤتمر» وغيره، للإيحاء بأنها لا تستفرد باليمن أو لا تأخذ شعبه عنوة تحت وطأة السلاح. ثمة فرصة كبيرة لزيادة الأكلاف التي يدفعها الحوثيون، وإذا لم تقف القوى السياسية والشعبية اليمنية بوجه هذا السيناريو، فإنه سيعني مرحلة جديدة من الإيغال في فرض المعادلات غير المتوازنة، وتجذير سلطة الأمر الواقع والاستقواء بالسلاح والتكبّر على الدولة… وإدامة الاقتتال والفوضى.
محمد برهومة
صحيفة الحياة اللندنية