المؤتمر الشعبي: مسبب أزمة اليمن ومفتاح رئيسي لحلها

المؤتمر الشعبي: مسبب أزمة اليمن ومفتاح رئيسي لحلها

أطاحت جماعة الحوثي بالقيادي في الحزب المؤتمر الشعبي العام جليدان محمود جليدان من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في حكومة الإنقاذ الوطني في اليمن. يأتي ذلك بعد أيام قليلة من تعيين وزير جديد للداخلية في ظل المصير المجهول للوزير محمد عبدالله القوسي الذي تقول أنباء إنه قتل إلى جانب الرئيس اليمني السابق فيما تتحدث أخرى عن اختطافه من قبل الحوثيين.

وإلى جانب القوسي، يحيط الغموض بمصير العشرات من قيادات حزب علي عبدالله صالح وشيوخ موالين له وقادة عسكريين اعتقلهم الحوثيون، فيما يدور الحديث عن إعدامات في السجون لعدد من القادة ضمن سياسة أشمل يهدف من خلالها الحوثيون إلى إضعاف حزب المؤتمر الشعبي العام، الحائز على الأغلبية من مقاعد مجلس النواب (البرلمان).

ويتوقع المراقبون أن يصعد الحوثيون ضد المؤتمر حيث تسعى الميليشيات، المدعومة من إيران، إلى إنهاء الصف الأول في حزب المؤتمر عبر الإقالات والاختطاف وفرض الإقامة الجبرية ثم إعادة دمج الصف الثاني من قيادات الحزب ضمن تحالف مع الحوثيين ليتحول الحزب في صنعاء إلى رقم سياسي يخدم مصالحهم.

وكشف السياسي والكاتب اليمني علي البخيتي لـ”العرب” أن “الحوثيين عينوا طارق الشامي رئيس الدائرة السياسية في المؤتمر مشرفا على الحزب بشكل غير معلن، وهو الذي يقوم بإدارة شؤون المؤتمر ويتواصل مع قياداته لإبلاغهم بما يريده الحوثيون، مع الإشارة إلى أن قيادات المؤتمر شبه أسرى عند الحوثيين”.

ويتحفظ الحوثيون حاليا على عدد من قيادات الحزب، للضغط عليهم في سبيل استمرار الشراكة معهم، ولكنها شراكة بالقوة. وتؤكد مصادر لـ”العرب” أن “هناك محاولات حوثية لإفراغ حزب المؤتمر من جوهره والسيطرة عليه من خلال تنصيب قيادات موالية”.

ونوهت بأن إقصاء وزير الاتصالات وتقنية المعلومات يكشف إلى أي مدى تخطط الميليشيات الانقلابية لإحكام قبضتها على البلاد، فوزارة الاتصال لا تقل أهمية عن وزارة الداخلية؛ هي من الوزارات السيادية ذات الإيرادات، أي أنها تمثل رافدا اقتصاديا مهما، كما أن السيطرة عليها تعني الرقابة على الاتصالات وحجب المواقع والتحكم فيها.

يقف الحزب الذي تأسس في 24 أغسطس 1982، أمام لحظة مصيرية تحدد مستقبله ومستقبل اليمن في مواجهة محاولات الحوثيين للاستحواذ على تركة علي عبدالله صالح السياسية والشعبية، مستعينين بقيادات في حزب المؤتمر قام علي عبدالله صالح بفصلها قبل مقتله بأيام، على غرار قاسم لبوزة نائب رئيس المجلس السياسي السابق، وأحمد الحبيشي رئيس المركز الإعلامي لحزب المؤتمر، وكلاهما اصطف إلى جانب الحوثيين أثناء المواجهات التي أدت إلى مقتل عبدالله صالح.

ويتوقع المحلل السياسي اليمني عبدالناصر المودع “أن يقوم الحوثيون باستنساخ حزب من المؤتمر الشعبي العام خاص بهم في المناطق التي يسيطرون عليها ومن خلال عناصر الحزب الموالية لهم”، وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن “الحوثيين سيسعون أيضا إلى أن يبقى حزب المؤتمر الشعبي العام ضعيفا وهشا بعد مقتل علي عبدالله صالح”. والقصد من وراء ذلك “هو الإيحاء بأن هناك شراكة في السلطة، إضافة إلى احتواء أنصار المؤتمر والسيطرة عليهم”. ومن المحتمل أيضا أن “يفر البعض من أنصار علي عبدالله صالح وينضمون إلى الحكومة الشرعية أو أي قيادة جديدة مدعومة من التحالف العربي لجذب المؤتمرين وتجنيدهم ضد الحوثيين”.

يذهب في ذات السياق علي البخيتي مشيرا في تصريحات لـ”العرب” إلى أن المؤتمر أصبح موزعا بين ثلاث قيادات: “قيادة يحاول الحوثي صناعتها في الداخل وبدأ لقاءاته مع بعض رموز المؤتمر مثل يحيى الراعي وعبد العزيز بن حبتور وبعض الوزراء، وللأسف فقد انجرت تلك القيادات نحو تقديم تنازلات كبيرة جدا دون أي مقابل”.

ويذكر البخيتي كمثال “ما جرى خلال اليوم الذي اجتمع فيه القيادي الحوثي صالح الصماد بالقيادات المشار إليها حيث يتم الاعتداء على منزل شقيقة الرئيس اليمني السابق ونهبه وسرقة محتوياته، واعتقال أبنائها”. ويضيف أن “هناك قيادات مؤتمرية أخرى تتواجد في الخارج وهي موالية لعلي عبد الله صالح، كما أن هناك فريق ثالث من القيادات المؤتمرية المتواجدة في الرياض”.

المؤتمر بعد صالح

يبدو حزب المؤتمر الشعبي اليوم في فترة ضعف لم يشهدها منذ تأسيسه. وظهرت بوادر الضعف في الحزب منذ انقسم إلى تيارين عقب الانقلاب على السلطة الذي نفذه مسلحو الحوثي بدعم من علي عبدالله صالح في 2014.

كان هناك تيار مع الشرعية والرئيس عبدربه منصور هادي بوصفه الأمين العام للحزب، وآخر في صنعاء مع علي عبدالله صالح، وهذا الطرف بدوره انقسم إلى تيار حليف للحوثيين الذين بدأوا بترتيبه كحزب خاضع لهم ويخدم أجندتهم، وتيار يسعى إلى تصحيح المسار بشق التحالف مع الحوثيين، الذي انتهى عمليا بتصفيتهم لعلي عبدالله صالح.

وتنبع أهمية البحث عن مصير المؤتمر الشعبي العام من كونه الحزب الأكبر في البلاد، ومن المهم التعريج على نشأة الحزب لفهم مستقبله والمآلات والسيناريوهات لمستقبله.

ويستعرض الباحث السياسي اليمني فارس البيل لمحة من تاريخ الحزب الحاكم في اليمن، مشيرا في تصريحات لـ”العرب” إلى أن المؤتمر الشعبي العام تأسس في 24 أغسطس 1982 باعتباره حاجة سياسية ملحة لرئيس الشطر الشمالي آنذاك علي عبدالله صالح ردا على بزوغ الجبهة الإسلامية في الشمال وتنامي قوة الجبهة الوطنية في الجنوب باعتبارهما أيديولوجيتين متناقضتين وتخوضان صراعا مسلحا يربك سلطة علي عبدالله صالح.

في تلك الفترة كان لا بد لعلي عبدالله صالح من خلق جبهة سياسية تلم أشتات السياسة في اليمن باستقطاباتها الساخنة حين ذاك، وحراك القومية واليسار والإسلاموية في اليمن. واستطاع المؤتمر في سنواته الأولى توحيد كل تلك الأصوات تحت كاريزمية علي عبدالله صالح مع عدم السماح بوجود مناخ للتعدد السياسي، حتى جاءت الوحدة عام 1990 وأقرت التعدد الحزبي فخرجت التنوعات من تحت عباءة المؤتمر وعادت إلى ثكناتها الأيدلوجية، لكن المؤتمر في سنواته الأولى كان قد شرع في رسم بناء تنظيمي محكم وبخلفيات وطنية ومنهجية وسطية تمثلت في الميثاق الوطني الذي يعتبر دستورا حزبيا موضوعيا ومتقدما في الرؤى والانفتاح.

لكن أجواء التنافس بعد الوحدة ودخول الحزب الاشتراكي منافسا في السلطة أديا إلى أن يعيد علي عبدالله صالح المؤتمر إلى كيان شخصي وإن كان يحظى بالفوز في كل الانتخابات التي جرت فإنه تحول إلى كتلة جماهيرية تدور حول الرئيس والسلطة والوظيفة العامة تتحرك متى ما شاء الرئيس وتتوقف حينما يريد، كانت هذه الحالة سمة المؤتمر حتى 2011.

انقلاب المنقلبين

في عام 2011، وقف حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وحيدا عقب خروج الشباب وخلفهم أحزاب المعارضة، للمطالبة بتغيير نظام علي عبدالله صالح، حينها كانت جماعة أنصار الله (الحوثيون) وليدة حروب ست خاضتها الدولة ضدها في جبال صعدة، فارتأت الجماعة الدخول إلى ساحات الاعتصامات بمسميات سياسية، فيما كانت الجماعة متهمة بتلقي دعم عسكري من إيران. لم يرفض شباب الثورة وأحزاب المعارضة إشراك الحوثيين في النضال ضد نظام علي عبدالله صالح، وابتهج البعض بما اعتبروه نهجا جديدا للجماعة بالانخراط في المجتمع السياسي، بعيدا عن حمل السلاح.

بدأ الحوثيون تشكيل خطهم الإعلامي، وانطلقت قنواتهم الإعلامية من بيروت، واستقطبت العشرات من الشباب والنشطاء، وبعثتهم إلى لبنان وإيران علنا، بينما كانت مناطق ومعسكرات الشمال تتساقط بأيدي الحوثيين في غفلة من كافة الأطراف.

حتى 2013، لم ينخرط الحوثيون في أي شراكة سياسية، ومضوا بالنهج العسكري ذاته، في حين شاركوا بحصة توازي حصة حزب الإصلاح في مؤتمر الحوار الوطني، فكانت الجماعة تحارب معسكرات الدولة في الجوف وعمران (شمال)، وتحاور الأطياف السياسية في صنعاء. لكن، في سبتمبر 2014 استفاق العالم على انقلاب حصل على دار الرئاسة في صنعاء، وتحرك حوثي غير مسبوق صوب العاصمة اليمنية التي سيطروا عليها عبر شراكة غير معلنة مع قيادات عسكرية وقبلية موالية لعلي عبدالله صالح.

مثلت هذه الخطوة محاولة انتقامية انتحارية نفذها الرئيس اليمني السابق بتحالفه مع ألد أعدائه ضد خصومه في أحزاب المعارضة، التي انتزعت منه الحكم، وسلمت الرئاسة إلى نائبه عبدربه منصور هادي. وكانت هذه أول شراكة للحوثيين في مسيرتهم، وانتهى بها المطاف بعد ثلاثة أعوام إلى المآل الذي توقعه المجتمع اليمني، وهو الصراع بين الحليفين، الحوثي وصالح.

وانتهى الصراع بأن حاول علي عبدالله صالح أن يمارس لعبته في التحالف مع الخصوم ثم الانقلاب عليهم عند تحقيق المصلحة، لكن الحوثيين كانوا أسرع هذه المرة وتخلصوا منه منتقمين من انقلابه على التحالف معهم ومن ست حروب دامية أذاقهم فيها الهزائم وقتل خلالها الكثير من أبنائهم وقياداتهم وعلى رأسهم حسين بدرالدين الحوثي.

مستقبل المؤتمر

بغياب “الأب”، وفي ظل حالة البطش التي تنهشه في صنعاء من قبل ميليشيا الحوثي في صنعاء يرى فارس البيل أن المؤتمر أمام سيناريوهات متعددة ستحدد مستقبله وهي:

* يلتحق المؤتمر الشعبي العام بقياداته وأصواته المتبقية في صنعاء والخارج بالرئيس عبدربه منصور هادي باعتباره نائب رئيس الحزب، كما منحته قيادة علي عبدالله صالح قبل الخصومة بينها. وفي هذه الحال سيعود المؤتمر إلى السلطة ويحافظ على بقائه، لكن بأجندات جديدة وطريقة حزبية مختلفة.

* في حال ترددت القيادات المؤتمرية وتباينت مواقفها من الانضمام إما إلى سلطة عبدربه منصور هادي أو إلى جماعة الحوثي فسنشهد نسخا متعددة من حزب المؤتمر تتناوشها الأطراف المتحكمة في الداخل والخارج. وسيبدو المؤتمر هشا سرعان ما سينهار عندما تنفد الحاجة إليه مع أول تسوية أو تغير سياسي.

*يحتفظ المؤتمر بقياداته التي باتت الآن ضد الحوثي لكن في نفس الوقت غير راضية عن عبدربه منصور هادي، وفي هذه الحالة سيكون خارج السلطة وفي موقف الضعيف المتروك إلا أنه بهذا الدور المستقل قد يؤسس لمرحلة وخطاب سياسي مهم ويسهم في حراك سياسي جديد.

* يتأخر المؤتمر عن لملمة صفوفه ويستسلم للانهزام ويصبح مجرد مرثية إعلامية لصالح وتاريخه السياسي يأكلها الزمن.

وعقب مساندة علي عبدالله صالح للحوثيين تناثرت قوى المؤتمر الشعبي، وذهب عدد من قادته باتجاه دعم الرئيس الشرعي هادي، ومن تبقى منهم اليوم هم أكبر القادة، بعد مقتل الأمين العام للحزب، عارف الزوكا، فيما اختفى القيادي في الحزب ياسر العواضي، وتفيد معلومات بأن الحوثيين تحفظوا عليه، ولم يعدموه كمصير الزوكا وصالح خشية فتح جبهة جديدة لهم في محافظة البيضاء (وسط) مع قبائل آل عواض، التي يتزعمها العواضي.

ويشير المحلل السياسي اليمني وضاح الجليل إلى أن “المؤتمر الشعبي العام خصوصية ليس حزبا سياسيا بمعنى الحزب الحقيقي”، بل يمكن وصفه بأنه “شبكة علاقات ومصالح ظلت قائمة وقوية ومسيطرة بوجود وقوة علي عبدالله صالح وعائلته وقبليته”.

وبناء على هذا فإن شبكة العلاقات هذه، وبعد رحيل الرئيس اليمني السابق صالح؛ ستتوزع بين عدد من القوى الجديدة والفاعلة في الساحة، وحتى الآن لم تتكشف تفاصيل عن التحالفات المقبلة، لكن الواضح، وفق ما صرح به الجليل لوكالة الأنباء الألمانية، هو أن “هناك انقساما جليا داخل شبكة المؤتمر الشعبي العام؛ ظهر هذا الانقسام خلال الثلاث السنوات من الحرب والانقلاب، وزاد خلال الأيام الماضية، وبدا كما لو أن المؤتمر سيتحول إلى مجموعة أحزاب”.

ويعتقد الصحافي اليمني حسن الفقيه أن المؤتمر الشعبي العام بعد رحيل الرجل الذي كان يتزعمه سينقسم على الأقل إلى قسمين؛ قسم منه تعكف الجماعة الحوثية التي اغتالت حليفها على إنشاء وإخراج كيان من الحزب إلى النور في محاولة لإضفاء مشروعية سياسية جديدة لها بعد قتلها لعلي عبدالله صالح. والشق الثاني من حزب المؤتمر فسيكون معارضا للحوثيين، وفي نفس الوقت يضم أغلب الأصوات التي كانت تتسم بمعارضتها لجماعة الحوثي منذ وقت طويل وهي تقيم خارج البلاد. ويشير الفقيه إلى أن هذا الجناح سيحاول الدفع بنجل صالح الأكبر (العميد أحمد علي) إلى خلافة والده في رئاسة الحزب.

يمثل مقتل علي عبدالله صالح ضربة كبيرة لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان شبه منقسم في السابق، بين موال للرئيس السابق، وآخر يوالي الرئيس عبدربه منصور هادي، غير أن بعض القراءات تؤكد أن هناك شخصيات مؤثرة ربما ستتمكن خلال الأسابيع القادمة من جمع ولملمة بعض شتات المؤتمرين، وسيكون للعوامل القبلية كما لعائلة علي عبدالله صالح دور مهم في مستقبل أحد أجنحة المؤتمر، كما تبرز أسماء منضوية تحت لواء الشرعية يمكن أن تعيد لملمة شتات حزب المؤتمر الشعبي، أبرزها رئيس الحكومة أحمد بن دغر، والقيادي رشاد العليمي، وغيرهما.

وتحظـى توجهات إعادة هيكلة وتنشـيط المؤتمر المساند للشـرعية بتأييـد إقليمي لإنهاء الانقلاب وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتوحيد القوى اليمنية خلف الشرعية والجيش الوطني ولمواجهة تداعيات مقتل علي عبدالله صالح.

صحيفة العرب اللندنية