تسليح المعارضة السورية بين الوعود الأمريكية والواقع

تسليح المعارضة السورية بين الوعود الأمريكية والواقع

بدأ برنامج تدريب وتجهيز من وصفوا بمعارضين سوريين معتدلين أوائل مارس/آذار 2015، بناءً على قرار أجازه مجلس النواب الأميركي في شهر سبتمبر 2014،لخطة الرئيس باراك أوباما لدعم وتسليح “المعارضة السورية المعتدلة” بتمويل تبلغ قيمته خمسمائة مليون دولار. والحقيقة هذا القرار ليس الأول بل سبقه أكثر من قرار بالاضافة إلى التلويح بعمل عسكري ضد نظام الاسد عقب مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق، وهي التي “الولايات المتحدة” كانت ترفض تقديم أيّ دعمٍ عسكري لقوّات المعارضة السوريّة في بداية الثورة السورية، ومتحفظة على نوعية السلاح المقدم من قبل الدول الداعمة للثورة،رغم تصريحات ساستها بأنهم يدعمون الشعب السوري في ثورته ضد نظام الأسد الاستبدادي.

فما الجديد في هذا القرار وما الهدف منه ؟ وهل أوفت الولايات المتحدة بوعودها في القرارات السابقة ؟ وإذا كانت أوفت بوعودها، هل كان السلاح كافياً لمواجهة نظام الأسد وحلفائه ؟ وما هي العوامل المؤثرة في الموقف الأمريكي وتطوره من قضية تسليح المعارضة ومن الثورة السورية بشكل عام ؟

دعم الثورة ورفض التسليح

يساهم عدد من الدول مثل السعودية وقطر وتركيا، في تسليح المعارضة السورية منذ ربيع العام (2012)، وعدد آخر، مثل بريطانيا وفرنسا، أعلنت عزمها على تقديم السلاح للثوار السوريين، بدون أن تتخذ خطوات عملية. كان الموقف الأميركي هو العقدة دائماً، ليس في تعطيل الخطوات البريطانية والفرنسية وحسب، ولكن أيضا في وضع سقف لنوعية السلاح المقدم للثوار من الدول المشاركة في تسليحهم . فالمملكة العربية السعودية وقطر زودت المعارضة السورية بالأسلحة الخفيفة، لكنهما رفضتا تقديم أسلحة ثقيلة على غرار الصواريخ التي تطلق من على الكتف والتي قد تمكن المقاتلين من إسقاط طائرات حكومية وتدمير مدرعات، وتكمن أسباب ذلك في تحذير وجهتهُ الولايات المتحدة التي تخشى من أن تقع الأسلحة في ايدي الإرهابيين[1].

ظلت مواقف الولايات المتحدة الأمريكية هلامية ومبهمة وسبب ذلك راجع إلى الحسابات الإستراتيجية الأمريكية للموقع السوري وأهميته الإستراتيجية إقليمياً ودولياً، وفي الواقع، إن ما يعني أميركا من الأزمة السورية ليس تحقيق الديمقراطية والحرية، أو وقف إراقة الدماء السورية التي تسال يومياً، وإنما مصالحها بالدرجة الأولى، وكيفية الحفاظ على أمن إسرائيل، حيث أعلن البيت الأبيض في (الثامن من فبراير/ شباط 2013) أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رفض العام الماضي تسليح المعارضين السوريين بهدف حماية المدنيين السوريين وإسرائيل وضمان أمن الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إن الأولوية بالنسبة لواشنطن هي ضمان عدم وقوع السلاح في أيدي من يمكن أن يهددوا أمن “الولايات المتحدة وسوريا أو إسرائيل” [2] .

هذا هو البُعد الأهم المتعلق بحماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة، وإبقاء الصراع محصورًا داخل الحدود الجغرافية السورية، والتركيز على حماية أمن إسرائيل أكثر منه حماية الشعب السوري من المجازر والتدمير.

فحجة منع تسليح الثوار لحماية المدنيين، سقطت بسقوط الكم الهائل من الضحايا على يد النظام السوري بأسلحته الفتاكة، ولو كانت الولايات المتحدة تريد حماية المدنيين السوريين، ما كانت وضعت سقف أو خط أحمر لنوعية السلاح الذي يستخدمه النظام السوري في قتل الشعب السوري، فقد حذر أوباما النظام من استخدام الأسلحة الكيماوية واعتبره “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه. وقد بدا أنه بمثابة إجازة لكل ما دون هذه الأسلحة.

وعلى خلفية التطورات الميدانية والاستمرار في تدهور الأوضاع في سورية تزايدت الضغوط على إدارة الرئيس أوباما داخليًا وخارجيًا لتبنّي سياسة أكثر وضوحًا وفاعلية، فاتخذت الإدارة الأمريكية خطوة للظهور بمظهر أنها تفعل شيئاً حيال سوريا.

وجاءت هذه الخطوة حين أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الخميس (28 فبراير/ شباط 2013) إن بلاده تعتزم لأول مرة تقديم مساعدات غير فتاكة لمقاتلي المعارضة السورية وإنها ستزيد مساعداتها لها لأكثر من الضعف[3]، وكانت هذه المساعدات عبارة عن أجهزة رؤية و اتصال ومناظير وهوائيات وسترات ضد الرصاص، مبقية على معارضتها الشديدة بتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية، من خلال اشرافها على تزويدهم بالسلاح الخفيف الذي كان يأتي من قطر والسعودية عبر تركيا.

ونظرًا لغياب بديل ذي توجهات قريبة بالنسبة إلى الأميركيين ليحل محل نظام الأسد، كانت تنظر الولايات المتحدة بريبة إلى واقع الثورة السوريّة ومسارها المسلّح، وما قد يخلفه الحسم العسكريّ لقوات المعارضة من نتائج محتملة تأثر سلباً على مصالحها وعلى أمن المنطقة وبخاصة على إسرائيل، نجد أنّ واشنطن تقترب أكثر من الموقف الروسي الهادف إلى إيجاد حل سياسي يضمن الحفاظ على النظام وفق بنيته الحالية ومؤسساته، ولا سيما اجهزة الأمن والجيش. لذلك نهجت الإدارة الأميركية سياسة التظاهر بأنّها تفعل شيئًا أو تريد أن تفعل شيئًا لوقف نزيف الدم السوري من دون أن تسعفها الظروف والأدوات وتعقيدات المشهد المحلي والإقليمي والدولي، وكان رفض البيت الأبيض توصيات وزاراتي الخارجية والدفاع وكذلك الاستخبارات بتسليح مقاتلي المعارضة السوريّة وتدريبهم، دليل آخر على رفض أوباما ترجيح كفة المعارضة السوريّة بما يؤدي إلى حسم الصراع عسكريًا[4] .

تجاوز الخطوط الحمراء

اعتبر الرئيس أوباما في شهر تمّوز / يوليو 2012، أنّ استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية يشكل خطًا أحمر سوف يستتبع بالضرورة تغيرًا في قواعد اللعبة؛ ما فسّره الكثيرون على أنّه تهديد بعمل عسكري أميركي ضد النظام، لكن استخدام النظام السلاح الكيماوي في اكثر من مكان في سورية لوقف تقدّم قوى المعارضة سبَّب حرجًا كبيرًا للإدارة الأمريكية، وعلى الرغم من أنّ واشنطن حاولت التملّص من التزاماتها بسبب خرق النظام “خط أوباما الأحمر” عبر التشكيك في صحة التقارير التي تحدثت عن استخدامه السلاح الكيماوي، فإنّ الأمر غدا بالغ الصعوبة مع تزايد الأدلة على حصول ذلك، إلى أن اضطرت الخارجية الأميركية والرئيس أوباما نفسه للاعتراف باستخدام السلاح الكيماوي.

ومما زاد من حدة الضغوط على إدارة أوباما دخول إيران وحزب الله بشكل مباشر في الأزمة السوريّة؛ فعلى الرغم من أنّ دعم إيران وحزب الله للنظام السوري لم يكن خافيًا على أحد منذ بداية الثورة، فإنّ خروج هذا الدعم إلى العلن وبطريقة مباشرة (المتمثل بإرسال حزب الله مئات من عناصره للمشاركة مع قوات النظام في استعادة منطقة القصير في حمص، كما زادت إيران من وجودها العسكري في سورية بعد أن أعلنت أنّها لن تسمح بسقوط النظام)، شكّل تحديًا كبيرًا لحلفاء الثورة للقيام بفعل ما.

ينذر هذا التدخل من حلفاء النظام بدخول قوى إقليمية أخرى لها مصالح كبيرة على خط الأزمة في سورية، ما ينبئ بأنّ الصراع ربما بدأ يخرج عن نطاق السيطرة، ويتحول إلى مواجهة إقليمية كبرى تقلب الحسابات الأميركية[5].

فاستخدام النظام السوريّ السلاح الكيماوي واختلال الوضع الميداني لمصلحة النظام، وما نجم عنه من ضغوطٍ خارجية (سعوديّة – فرنسيّة تحديدًا) على إدارة أوباما لمنع انهيار المعارضة، فضلًا عن ضغوطٍ داخلية مارسها الجمهوريون وعلى رأسهم السيناتور جون ماكين الذي دعا أوباما إلى القيام بشيءٍ ما لإنقاذ هيبة الرئاسة الأميركيّة، وتنامي الشكوك في إمكانية عقد مؤتمر جنيف2، ومع بروز مؤشّراتٍ قويّة على احتمال أن تحقّق إيران وحلفاؤها نصرًا في سورية، إذا استمرّ الموقف العربيّ والدولي على سلبيّته، كلّ ذلك دعا إلى تغيير الموقف الأميركيّ الذي ظل يرفض تزويد المعارضة السوريّة بالسلاح، ويضغط على حلفاء الثورة الإقليميين لمنع تزويد مقاتلين المعارضة بالسلاح النوعي.

لقد دفعت هذه التطورات الإدارة الأمريكية إلى الإعلان أنّها بصدد تزويد المعارضة السوريّة بأسلحة تؤدي إلى تغيير ميداني يجبر الأسد وحلفاؤه على إعادة النظر بخيار الحل العسكري للأزمة.

وكانت المرة الأولى التي يعلن فيها البيت الأبيض عزم واشنطن تسليح المعارضة السورية بشكل مباشر في 14 يونيو /حزيران 2013، في بيان حمل توكيداً أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعتزم البدء في تسليح المعارضة السورية، وأوضحت الإدارة الامريكية أنه بالرغم من تأكيدها أن الأسد تجاوز “خطا أحمر” رسمه أوباما فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية فإنها تعتزم أن تتحرك بحذر وبالتنسيق مع حلفائها فيما يتعلق بالخطوات التي يجب اتخاذها[6[ .

لكن حجم التسليح هذا كان محدودًا، بما أدى فقط إلى تصحيح الخلل الذي نشأ بعد معركة القصير في موازين القوى بين النظام ومعارضيه. فقد استبعدت واشنطن حينها إمكانية فرض منطقة حظرٍ جوّي. كما استبعدت تزويد قوّات المعارضة بصواريخ أرض – جوّ محمولة على الكتف لتحييد سلاح الطيران الذي يستخدمه النظام، واكتفت بتقديم أسلحة آليّة خفيفة، وقذائف المورتر الخفيفة، والقذائف الصاروخية المضادّة للدروع. وقد وصل بعض هذه الصواريخ فعلًا إلى فصائلَ من المعارضة، واستُخدمت في معارك حلب  والغوطة الشرقيّة بريف دمشق في منتصف عام 2013. يبدو واضحًا أنّ إدارة أوباما كانت متمّسكة بسياسة عدم السماح بأن يحقّق أيّ طرفٍ انتصارًا عسكريًّا على الآخر، والعودة إلى ممارسة الضغوط للتوصّل إلى تسوية سياسيّة[7].

وظهر ذلك جلياً في تعامل الإدارة الأميريكي البراغماتي اتجاه  مجزرة القصف بالسلاح الكيماوي في غوطتَي دمشق في 21 آب/ أغسطس 2013 من قبل نظام الأسد عندما تخلت عن تهديدها بمعاقبة النظام السوري لتجاوزه خطوط أوباما الحمراء التي حددها بوصفها عتبة ضرورية لتغيير تعاطيها مع الأزمة السوريّة، مقابل المبادرة الروسية التي نصّت على وضع السلاح الكيماوي السوري تحت الإشراف الدولي، وعلى تدميره لاحقًا، بعد انضمام سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية.

لقد جاءت المبادرة الروسية لتحقّق أهداف الإدارة الأميركية من “الضربة العقابية، وبخاصة تدمير المخزون الكيماوي السوري بوصفه أحد أهمّ أهداف الأمن الإسرائيلي .

وحتى لو لم تأتِ المبادرة الروسية، لم تكن واشنطن تهدف من الضربة العسكرية اسقاط نظام الأسد وحماية المدنيين السوريين، بل كان هدفها :

– تدمير القدرات الكيماوية السورية وبهذا تحقق إحدى أولويات الأمن الإسرائيلي.

– معاقبة النظام السوري لتجاوزه “الخطوط الحمراء” المحددة، بما يؤدي إلى إخراج أوباما من الحرج ويظهره رئيسًا حازمًا وإنه فعل شيئاً حيال الأزمة السورية .

وهو ما حرصت إدارة أوباما على طمأنة الداخل والخارج، وبخاصة حلفاء النظام السوري بأنّ الضربة المحتملة ستكون محدودة، ولا تهدف إلى إسقاط النظام، أو تغيير موازين القوى على الأرض.

الحرب على الارهاب

أدت سياسة واشنطن هذه، بعدم تسليح المعارضة المعتدلة، سواء أكانت ممثلة بالجيش الحر أم غيره من التشكيلات العسكرية المعروفة باعتدالها إلى إضعاف وتراجع وجودها وتأثيرها، وكثرة انقساماتها، وهو ما سهل صعود الفصائل الإسلامية الأكثر تشدداً كتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وهي حقيقة أكدها في أكثر من مناسبة السفير الأميركي السابق لدى سورية روبرت فورد الذي أكد أن استقالته ومغادرته لمنصبه بسبب كونه قد وصل إلى حال لا يستطيع معها الدفاع عن سياسية الولايات المتحدة المتعلقة بالأزمة السورية.

كل ذلك التردد والتحفظ في تسليح المعارضة المعتدلة لم يكن إلا حينما كان الأمر متعلقاً بثنائية المعارضة والنظام السوري، ولكن سرعان ما تغيرت تلك المعادلة، وتبدلت الحسابات[8]، وانقلب ذلك التردد والتحفظ الذي دام أعواماً ثلاثة إلى اتخاذ قرار في فترة وجيزة بدعم المعارضة المعتدلة ورسم واعتماد خطة مفصلة لذلك الدعم وبكلفة نصف بليون دولار، حينما أصبح الأمر متعلقاً بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية[9] !.

جاء التحول في الموقف الأميركي بعد سنوات من اللامبالاة والمماطلة لأسباب عديدة، لا تختصر على مشاهد قتل الصحفيين الأميركيين من طرف عناصر تنظيم الدولة، ومدى تأثير ذلك على الرأي العام الأميركي، بل تتعداها إلى أن الأعداد الكبيرة من المقاتلين الأجانب الذين استقطبهم تنظيم الدولة الإسلامية والفوضى التي يخلقها في المنطقة، بات يهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة، خاصة مع سيطرته على مناطق واسعة في العراق وسوريا، إضافة إلى عملياته في لبنان، وهي التي ركزت استراتيجيتها – الولايات المتحدة – طوال الفترة السابقة في محاصرة تداعيات الأزمة السورية وعدم تمددها إلى المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة بالنسبة لها.

يذكر أن الأولوية، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ليست سوريا، بل « تنظيم الدولة أولاً» و «العراق أولاً»، وبالتالي يبدو مؤجلا التحرك الأميركي الفاعل لحل الأزمة في سوريا إلى حين حدوث تطور ما[10] . فاستراتيجية أوباما للحرب على داعش في سوريا ليس تدميرها كما هو في العراق بل الانهاك والاحتواء للتنظيم في سوريا،حيث اشار مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة في لجنة مجلس الشيوخ  الامريكى إلى أن الضربات الجوية في سوريا لن تكون ساحقة مثل الهجمات الجوية في حرب العراق، ولكنها ستكون حملة “متكررة ومتواصلة[11] “. ومن الواضح أن هذا التحالف بني أساساً على حصر عملياته في سوريا بالقصف الجوي المحدد وغير مؤدي إلى حدوث تغيرات في الاوضاع القائمة، وكأن الهدف الاساسي لهذا التحالف هو الحفاظ على ثبات حالة الفوضى في سوريا وترسيخ التوازنات القائمة على الارض بغطاء جوي.

فإدارة أوباما التي رفضت مراراً التدخل في سورية معللة ذلك بعدم وجود ” شركاء يعتمد عليهم  على الارض في سوريا “، كما شكك أوباما بالأمس القريب في قدرة المعارضة المعتدلة على هزيمة نظام الأسد ولو توفر لهم التدريب والتسليح الفعال، وها هو الآن يقر برنامج دعم ” المعارضة السورية المعتدلة ” الذي اقتصر على تدريب وتسليح العناصر بعد فحصهم بشكل مناسب ودقيق، والذي سيستغرق سنوات قبل تشكيل قوة سورية قادرة على مجابهة تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة المناطق التي سيطر عليها شرق سوريا .

أي أن الهدف من برنامج الدعم هذا هو ايجاد قوة حليفة على الأرض تعمل بالوكالة على تنفيذ سياسات الولايات المتحدة وحماية مصالحها في سوريا – حسب مبدأ أوباما القائل بالاعتماد على وكلاء محليين لحماية مصالح أمريكا بدلاً من التدخل مباشرة – وليس لحماية السوريين من القتل والإرهاب، فالنظام السوري مارس القتل والإرهاب طيلة سنوات الثورة ولم يتم دعم السوريين لحماية أنفسهم، بل مازالت الولايات المتحدة ترفض تسليح المعارضة السورية بأسلحة متطورة، خصوصا صواريخ أرض – جو،وذلك عكس العراق، كما رفضت اقامة منطقة حظر جوي فوق الأراضي المسيطر عليها من قبل المعارضة السورية.

وهو ما دفع تركيا إلى رفض المشاركة في التحالف ضد محاربة داعش، حيث ترى تركيا أن اقتصار الجهد العسكري للتحالف الذي شكلته واشنطن على ضرب تنظيم الدولة وإضعافه يصب في خدمة نظام الأسد الذي تعده تركيا أساس المشكلة في الأزمة الطاحنة في سورية، لذلك طالبت تركيا باستراتيجية واضحة وشاملة للتعامل مع الأزمة السورية قبل المساهمة عسكرياً في مواجهة تنظيم الدولة[12].

لقد وضعت تركيا شروطاً للالتحاق بالتحالف الدولي ” لمحاربة الإرهاب” أهمها : اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية و وضع نظام الأسد على لائحة أهداف التحالف وتسليح المعارضة السورية بأسلحة متطورة لتغيير في موازيين القوى على الأرض تجبر الأسد على الرضوخ لشروط التسوية التي أقرها بيان جنيف1 [13]، والحقيقة أن تركيا اقترحت هذه المطالب منذ نحو عامين . لكن واشنطن رفضت الاقتراح،لأنها كانت حريصة على عدم التدخل، على أساس أن ما يجري في سوريا هو حرب أهلية، ليس لها مصلحة في دخولها وليس لديها طرف مفضل فيها. فضلا عن ذلك، كانت واشنطن حريصة على عدم إثارة الإيرانيين بإستهداف نظام حليفهم في سوريا في الوقت الذي يطمح فيه أوباما إلى إتفاق ينهي أزمة الملف النووي الإيراني، لذلك رأى الاميركيون أن اسقاط نظام الأسد هو أمر لا يدخل في نطاق حربهم على تنظيم الدولة “الإرهاب[14]“، ولكن نتيجة فشل استراتيجية أوباما في الحرب على تنظيم الدولة حتى الآن، وتصاعد الانتقادات داخلياً وخارجاً لإدارته، ونتيجة لضغوط تركيا وحلفاء آخرين على الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد منطقةٍ عازلة على الجانب السوري من الحدود التركية وتسليح المعارضة السورية في حربها ضد الأسد، بالإضافة إلى إدراك واشنطن لدور أنقرة في الحرب ضد تنظيم الدولة حتى تنجح العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها، وأن تحقيق هدف Destruction and Degradation  بالنسبة لـ”داعش”، كما أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما[15]، لن يحدث دون مشاركة فعلية من جانب أنقرة، خاصة أن قوات التحالف لا تستطيع التدخل بريًا دون مساندة من تركيا، كما أن تدريب المعارضة “المعتدلة” يحتاج إلى مساعدة تركية، لذلك ظهرت بوادر تقارب أمريكي – تركي، وربما صفقة غير معلنة حول تدريب وتسليح “المعارضة السورية المعتدلة ” قدمت فيها الولايات المتحدة بعض التنازلات كتدريب وتجهيز قوات المعارضة السورية لقتال كلاً من تنظيم الدولة ونظام الأسد وهوما أكده وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو[16]، لكن تبقى المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا في نظر واشنطن قيد البحث.

خلاصة

في الحقيقة، إن ما يهم الولايات المتحدة من الثورة السورية، هو حماية مصالحها بالدرجة الأولى، وكيفية الحفاظ على أمن إسرائيل، لذا فقد اتسم الموقف الأمريكي بالتردد والحذر، وسبب ذلك راجع إلى الحسابات الإستراتيجية الأمريكية للموقع السوري وأهميته الإستراتيجية إقليمياً ودولياً، وعليه؛ فإن أي حسم عسكريّ لقوات المعارضة يؤدي إلى تغيير النظام يعد أمراً غير مرغوب خاصة في غياب البديل ذي التوجهات المناسبة للأميركيين ليحل محل النظام الحالي .

– اتبعت واشنطن في البداية سياسة الحذر وعدم التدخل المباشر، واكتفت بالضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية ضد النظام، ولم تمتنع الولايات المتحدة عن تقديم أي عون عسكري للمعارضة السورية المسلحة فقط، بل انها فرضت ” فيتو” على تسليح المعارضة السورية بأسلحة متقدمة.

– عدم اعتبار الأزمة السوريّة تهديدًا للأمن القومي الأميركي والمصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة، ما دامت تستطيع مع حلفائها في المنطقة إبقاء الصراع محصورًا داخل الحدود الجغرافية لسورية[17]، وهو ما صرح به كيري في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره الروسي: “أنّ ما هو محوري الآن هو أنّنا – أي واشنطن وموسكو – سنتعاون على تطبيق إعلان جنيف، والنظر إلى مصالحنا الإستراتيجية التي تشمل مكافحة التطرف والإرهاب وتفادي تفكك سورية”[18].

– اعتبار الصراع في سورية على أنه “حرب أهلية”، ما يفرض ابتعاد الولايات المتحدة عن الانخراط المباشر، وخاصة أن ما يجري – حسب وجهة نظرها – هو حرب بين “قوى الشر” لا مصلحة لواشنطن في وقفها أو في دعم أحد أطرافها. لذا اتبعت واشنطن مقاربة في سورية تقوم على السماح للأطراف المتصارعة بأن تتقاتل مع بعضها وأن توازن قوة بعضها، بحيث لا ينتصر طرف على الآخر، وفقاً لسياسة أدارة الصراع وضبطه[19] . فالولايات المتحدة وعلى الرغم من رغبتها في رحيل الأسد، فإنها لم تخف يومًا أنّها لا تريد انهيار نظامه، أو وصول قوى إسلامية متشددة إلى السلطة في دمشق.

 – تحوّل موضوعَا التسليح والتدخل العسكري المباشر لحماية المدنيين إلى وسيلتَي ضغط على نظام الأسد لتقديم التنازلات المطلوبة كما حدث في صفقة الكيماوي.

 – إنّ حجم التسليح الذي قدم للمعارضة السورية كان محدودًا، بما أدى فقط إلى تصحيح الخلل الذي نشأ على الارض، وسيكون كذلك في المستقبل، وللفصائل التي تحوز ثقة الأميركيين فقط. فتسليح المعارضة السورية هو وسيلة لضغط على نظام الأسد للقبول بتسوية سياسية وليس الغاية منه الحسم، وهو ما تردد مراراً من خلال تصريحات الإدارة الأمريكية بأن لا حلاً عسكرياً في سوريا وإنهم سيواصلون الضغط لدفع بشار الأسد إلى تغيير حساباته.

– حسب ” مبدأ أوباما “، يمكن للولايات المتحدة حماية مصالحها في المنطقة وإدارتها بأقل قدر من التدخل المباشر والاعتماد على دعم وكلاء محليين من خلال تدريبهم وتجهيزهم، لذا  حاولت واشنطن الضغط على المعارضة السوريّة ووضع شروط سياسية عليها من دون أن تقدم أي شيء فعلي في المقابل، فهي لم تتحرر من نزعتها للبحث عن عملاء بدل التعامل بندّية معها.

 – يبقى؛ أنّ الذي أثر وسيؤثر في صنع المواقف الأمريكية تجاه الأزمة السورية، الضغوط الممارسة عليها من قبل حلفائها وخاصة الإقليميين ( تركيا والسعودية ) من جهة، وتطورات الوضع على الأرض من جهة أخرى، فالموقف الأميركيّ سوف يخضع للتعديل باستمرار؛ وفقًا لتطوّر الأوضاع الميدانية وتأثيراتها في مجمل الوضع في المنطقة، والمصالح الأميركيّة فيها.

مراجع:

[1] “مخاوف أمريكية منعت السعودية وقطر من مد المعارضين السوريين بأسلحة ثقيلة”، france24،7/10/2012، انظر :

http://www.france24.com/ar/20121007-صحيفة-مخاوف-أمريكية-منع-السعودية-قطر-مد-المعارضين-السوريين-أسلحة-ثقيلة

[2] “أوباما يرفض تسليح معارضي سوريا حرصا على المدنيين وأمن بلاده وإسرائيل”، مركز DW الإعلامي، 8/2/2013، انظر :

http://www.dw.de/أوباما-يرفض-تسليح-معارضي-سوريا-حرصا-على-المدنيين-وأمن-بلاده-وإسرائيل/a-16587810

[3] “مؤتمر روما: تعهدات بمزيد من الدعم للمعارضة السورية لا يشمل التسليح”، مركز DW الإعلامي، 28/2/2013، انظر :

http://www.dw.de/مؤتمر-روما-تعهدات-بمزيد-من-الدعم-للمعارضة-السورية-لا-يشمل-التسليح/a-16635771

[4] ” تطورات الموقف الأميركي من الثورة السوريّة”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 27 فبراير،2013، انظر :

http://www.dohainstitute.org/release/dbc39132-41bd-48c1-852c-3d2e394e5c4b

[5] “اتفاق موسكو … بداية الحل أم انقلاب أميركي على الثورة؟ “، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،11 مايو،2013، انظر :

http://www.dohainstitute.org/release/1152f725-30ca-441c-82e8-a1edde4b2230

[6] “أمريكا تبدأ تسليح المعارضة السورية لكنها تتحرك بحذر” رويترز، 2013، Jun، 14، انظر:

http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE9B2TK020130614

[7] ” في أسباب تغيّر الموقف الأميركيّ من تسليح المعارضة السوريّة”، العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 20 يونيو،2013، انظر : المركز

http://www.dohainstitute.org/release/727d1855-1e21-47a3-8c87-ba80d1f60be6

[8] حسن بن سالم،” أميركا وتسليح المعارضة المعتدلة.. هل فات الأوان؟ “، الحياة اللندنية، ٢٣ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤، انظر :

http://www.alhayat.com/Opinion/Hassen-Bin-Salam/4723033/أميركا-وتسليح-المعارضة-المعتدلة—هل-فات-الأوان؟

[9] “النواب الأميركي يقر تسليح المعارضة السورية “المعتدلة”، الجزيرة، 18/9/2014، انظر:

http://www.aljazeera.net/news/international/2014/9/17/النواب-الأميركي-يقر-تسليح-المعارضة-السورية-المعتدلة

[10] البيت الأبيض مكتب السكرتير الصحفي، واشنطن، العاصمة، 10 أيلول/سبتمبر، 2014، انظر:

http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140912308270.html#ixzz3DBKOhmwA

[11] “ديمبسي: ضربات “متكررة ومتواصلة” ضد “داعش” في سوريا..وربما أوصي بارسال قوات برية للعراق”، وكالة الاناضول، 17/9/2014، انظر :

http://www.aa.com.tr/ar/news/390371

[12] مروان قبلان، “صعود تنظيم الدولة الإسلامية وتحوّلات النظام الإقليمي في المشرق العربي”،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 15 فبرايل 2015، انظر:

http://www.dohainstitute.org/release/e6be405e-2840-405f-b3f0-99c7332e3226

[13] “هذه هي شروط أردوغان للمشاركة في تحالف محاربة داعش”، قناة الحرة، 19/10/2014، انظر:

http://www.alhurra.com/content/turkey-sets-conditions-to-participate-in-campaign-against-isis/260077.html

[14] مروان قبلان، “صعود تنظيم الدولة الإسلامية وتحوّلات النظام الإقليمي في المشرق العربي”،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 15 فبرايل 2015، انظر:

http://www.dohainstitute.org/release/e6be405e-2840-405f-b3f0-99c7332e3226

[15] البيت الأبيض مكتب السكرتير الصحفي، واشنطن، العاصمة، 10 أيلول/سبتمبر، 2014، انظر:

http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140912308270.html#ixzz3DBKOhmwA

[16] “تركيا تؤكد بدء تدريب المعارضة السورية الشهر المقبل”، الجزيرة، 20/2/2015، انظر:

http://www.aljazeera.net/news/international/2015/2/20/تركيا-تؤكد-بدء-تدريب-المعارضة-السورية-الشهر-المقبل 

 [17] ” صفقة الكيماوي: المخرج الذي يحتاجه أوباما “، العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 15 سبتمبر 2013، انظر :

http://www.dohainstitute.org/release/04ab0be2-4249-46c7-9830-904b7b13560e

 [18] “تمهيد لتعاون أميركي – روسي في مجلس الأمن بشأن سورية”، الحياة اللندنية، 8 ايار 2013، انظر :

http://www.alhayat.com/OpinionsDetails/511604

[19] مروان قبلان، “صعود تنظيم الدولة الإسلامية وتحوّلات النظام الإقليمي في المشرق العربي”،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 15 فبرايل 2015، انظر:

http://www.dohainstitute.org/release/e6be405e-2840-405f-b3f0-99c7332e3226

 عبد القادر الشهبائي

مركز امية للبحوث والدراسات الاستراتيجية