تيارات الإسلام السياسي في اليمن و”عاصفة الحزم”.. المواقف والتداعيات

تيارات الإسلام السياسي في اليمن و”عاصفة الحزم”.. المواقف والتداعيات

أثارت عملية “عاصفة الحزم” التى تقودها المملكة العربية السعودية، إلى جانب عدد من الدول العربية والإقليمية ضد الحوثين فى اليمن، الكثير من التساؤلات حول تداعيات تلك الضربة على التيارات الإسلامية السنية الموجودة في اليمن، خاصة أن تلك التيارات لعبت دوراً واضحا فى مواجهة التمدد الحوثى منذ بداية الأزمة فى البلاد، نظراً للعداء العقائدي والمذهبى مع الحوثيين.

 كما أن جماعة الإخوان المسلمين، التى تعد من أكبر التيارات الإسلامية فى البلاد، لديها خلافات سياسية كبيرة مع الحوثيين وحليفهم، الرئيس السابق على عبد الله صالح، بسبب الصراع على سلطة، مما أدى إلى صدام مبكر بين تلك التيارات والحوثيين، تفوق فيه الحوثيون بشكل عام. لذا، فإن عملية “عاصفة الحزم” تمثل أهمية خاصة لهذه التيارات، لأنها تستهدف بشكل مباشر العدو المشترك، كما أنها سوف تحدد بشكل كبير الدور الذى يمكن أن تلعبه تلك التيارات فى الفترة المقبلة على الساحة اليمنية، خاصة إذا ما أدت العملية إلى تراجع الحوثيين وانحسار نشاطهم.
أولاً- موقف التيارات الإسلامية من التمدد الحوثى:
التيارات الإسلامية فى اليمن، بشكل عام، كانت رافضة للتمدد الحوثى منذ بدايته، وحاولت مواجهته بشتى الطرق والوسائل، كل تيار حسب قدرته، ولكن القوة العسكرية للحوثيين فرضت على تلك التيارات خيارات صعبة، ومواجهات ربما لم يكن بعض تلك التيارات يريدها، لذا لم تستطع الصمود كثيراً فى المواجهات مع الحوثيين. ويمكن توضيح موقف التيارات الإسلامية فى اليمن من التمدد الحوثى فى الآتى:
– جماعة الإخوان المسلمين: وجدت نفسها فى مواجهة الحوثيين، وإن لم تكن ترغب فى تلك المواجهة، ولكنها فرضت عليها، حيث كان الحوثيون يرغبون فى التخلص من الجماعة وجناحها السياسى، حزب الإصلاح مبكراً، من خلال الانقضاض على معاقل الجماعة والقبائل المتحالفة معها، خاصة من تجمع قبائل حاشد، الذى يعد أكبر تجمّع قبلي باليمن، ويتمركز شمالاً بمحافظات صعدة، وحجة، وعمران، وصنعاء، ويقودهم آل الأحمر، كبرى قبائل اليمن وأعظمها نفوذاً عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً، وتعد محافظة عمران مركز ثقلهم الاستراتيجي. ثم بدأ الحوثيون فى التخلص من بعض قادة الجيش الذين يوالون الجماعة، ويملكون نفوذاً فى الجيش، وعلى راسهم اللواء على محسن الأحمر، قائد “الفرقة الأولى مدرّع”.
وقد اضطر الإخوان المسلمون مرغمين إلى الخروج من مواجهة الحوثيين، بعد أن أدركوا أنهم لا طاقة لهم بقتال الحوثيين، وأن الدخول فى مواجهة مسلحة معهم في ذلك التوقيت يعنى الانتحار، ومن هنا انسحبت من المواجهة تحت شعار “عدم الانجرار إلى معركة يفرضها العدو”، وهو ما أدى إلى انسحابها من معظم معاقلها تقريبا. لذا، فإن “الانسحاب من المواجهة” هو السمة الواضحة لموقف الإخوان المسلمين تجاه التمدد الحوثى.
وبالنسبة للتيار السلفى، فبرغم رفضه التام لما يقوم به الحوثيون فى البلاد، ومحاولة انقضاضهم على السلطة بالقوة، فإنه حاول تجنب الصدام معهم قدر المستطاع، وعدم الدخول فى مواجهات مسلحة، نظراً لضعف إمكانياته العسكرية والتنظيمية، ولكن اضطر فى النهاية إلى مواجهتهم، بعد أن هاجم الحوثيون معاقله فى منطقة “دماج” مع مطلع عام 2014، والتى استخدم الحوثيون فيها الأسلحة الثقيلة، من بينها الدبابات، وصواريخ كاتيوشا. لذا لم يتمكن من الصمود فى تلك المواجهات، مما أدى إلى تهجير آلاف السلفيين من معاقلهم، وبالتالي فإن “عدم القدرة” على مواجهة الحوثيين هى السمة البارزة لموقف التيار السلفي من مواجهة التمدد الحوثي.
أما بالنسبة للتيار الجهادي، وعلى رأسه تنظيم “القاعدة”، فقد أعلن المواجهة مبكراً مع الحوثيين، من خلال استهدافهم بشكل مباشر، بعدة عمليات، كان أشهرها التفجير الانتحاري فى 9 أكتوبر 2014، في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء، مما أدى إلى مقتل أكثر من 50 حوثيا. وكان قد سبق هذه العملية عدد من العمليات المشابهة في عدة مناطق مثل “صعدة”، و”عمران”، و”مأرب”، و”البيضاء”، وغيرها من المناطق فى اليمن، خاصة بعد أن بدأ الحوثيون يقدمون أنفسهم على أنهم يحملون لواء مواجهة “القاعدة”، من أجل القضاء عليها وعلى الذين يدعمونها في البلاد.
لذا، منذ أن بدأ التمدد الحوثى، والقاعدة تحاول جاهدة مواجهته عسكريا فى كل المناطق التى يوجد فيها، إضافة إلى دخولها فى تحالف مع بعض القبائل من أجل مواجهة الحوثيين. وقد نجحت فى ذلك، بعد أن أدركت القبائل أن القاعدة هى القوة المؤهلة بشكل كبير على مواجهة الحوثيين، نظراً لخبرتها العالية فى القتال، وقدرتها على إدراة المعارك بشكل جيد، لذا فإن السمة البارزة لموقف القاعدة من التمدد الحوثى هى “المواجهة المباشرة”.
ثانياً- موقع التيارات الإسلامية السنية فى “عاصفة الحزم”:
يبدو أن التيارات الإسلامية السنية فى اليمن قد بدأت بالتوجه الفعلي نحو قتال الحوثيين، مستغلة الزخم الذي أحدثته عملية “عاصفة الحزم”، نظراً لأن التمدد الحوثى أصبح يهدد  بقاءها على قيد الحياة، وبالتالي فإن المشاركة في القتال ضد الحوثيين أصبح من متطلبات البقاء على قيد الحياة، لذا سارع العديد من أبناء التيار السلفي للمشاركة فى المقاومة الشعبية ضد الميليشيات “أنصار الله”، وذلك أيضاً ما دفع جماعة الإخوان المسلمين إلى الدخول فى المعارك ضد الحوثيين، من خلال المشاركة مع المقاومة الشعبية، خاصة دعوة “حزب التجمع اليمني للإصلاح”، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين باليمن، جميع عناصره للقتال بكل قوة لدعم عملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين، وأنصار الرئيس المخلوع، على عبدلله صالح.
وأدى ذلك إلى تصاعدت وتيرة الاشتباكات أخيرا في الجوف شمال شرق العاصمة اليمنية، صنعاء، بين الحوثيين وقبائل موالية لحزب التجمع اليمنى من أجل الإصلاح (الإخوان المسلمين)، وقد نتج عن ذلك أعداد كبيرة من القتلى والجرحى سقطوا خلال تلك المواجهات، حيث توسعت الاشتباكات من منطقة “الغيل” إلى منطقة الصفراء، الخط الرئيسي بين محافظتي صنعاء والجوف، الأمر الذي حال دون تمكن العديد من المواطنين من التنقل بين المحافظتين.
ومن جانبه، يستمر التيار الجهادى فى تصعيد القتال ضد الحوثيين، متمثلاً فى الدور الذى تلعبه القاعدة فى مقاومتهم، فى أكثر من منطقة، ثم دخول “داعش” على خط المواجهة مع الحوثيين، حيث وقعت-  بعد بدء عملية “عاصفة الحزم”- مواجهات عنيفة بين مقاتلي “داعش” من جهة، والمقاتلين الحوثيين من جهة أخرى في محافظة لحج، سقط جراءها “أمير داعش في لحج” عباس اللحجي، والقائد العسكري جعفر اللحجي.
وبالرغم من الخسارة الكبيرة التي مني بها التنظيم، نتيجة هذه الاشتباكات، فإنها تؤكد جديته في القتال، وسعيه إلى السيطرة على الأرض في بعض المناطق، ومن الطبيعي أن تتضاعف هذه الجدية في ظل التسهيلات التي ستؤمنها عمليات القصف السعودية لجهة إضعاف الحوثيين، وإجبارهم على الانسحاب من بعض المناطق، بحيث تغدو لقمة سائغة أمام “داعش” المتأهب.
ثالثاً- تداعيات “عاصفة الحزم” على التيارات الإسلامية فى اليمن:
من المؤكد أن عملية “عاصفة الحزم” التى بدأتها بعض القوى الإقليمية ضد الحوثيين سيكون لها عدد من التداعيات المهمة على التيارات الإسلامية فى اليمن، كل تيار حسب نشاطه وتوجهاته.
بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فعلى مستوى الجماعة ككل “التنظيم الدولى”، فإن العملية يمكن أن تمثل إحدى وسائل تخفيف الضغط عنه، من خلال المطالبة  بتخفيف حالة العداء ضد التنظيم، مقابل استخدام فرع الجماعة فى اليمن للعب دور فى مقاومة الحوثيين فى الوقت الحاضر، خاصة أن هناك مصادر إعلامية تحدثت عن اتصالات أجرتها الرياض مع حزب “التجمع اليمني للإصلاح”، الفرع اليمني للإخوان المسلمين، قبل حملة “عاصفة الحزم”.
 وربما هذا ما دفع فروع تنظيم الإخوان لعدم اتخاذ موقف مواحد من عملية عاصفة الحزم، حيث أيد فرع الإخوان المسلمين فى الأردن، وتونس، وسوريا، والمغرب العملية، فى حين تحفظ إخوان اليمن فى البداية على تحديد موقفهم من العملية صراحة، ولكنهم تداركوا ذلك، وأعلنوا تأييدها، من خلال بيان “حزب التجمع اليمني”، الذي أعلن تأييده لعملية عاصفة الحزم، وشكره لدول التحالف التي شاركت في العملية، فى الوقت الذي التزم فيها الإخوان فى مصر الصمت.
 كما أن الإخوان فى اليمن سوف يستفيدون من العملية بشكل مباشر، من خلال تخفيف الضغط الذى فرضه عليهم الحوثيون فى الفترة الأخيرة، بما يتيح لهم استعادة جزء كبير من نشاطهم وقدرتهم التنظيمية. كما أن تلك العملية يمكن أن تعيدهم مرة أخرى إلى صدارة المشهد السياسى فى مرحلة ما بعد الحوثيين.
أما بالنسبة للتيار السلفى، فإن تلك العملية ربما تمثل إحدى سبل عودة السلفيين مرة أخرى إلى دعواتهم ومعاقلهم من جديد فى اليمن، مثل «دار الحديث» في بلدة «دماج» بمحافظة «صعدة»، وكذلك «جمعية الحكمة» بمحافظة «تعز»، و «جمعية الإحسان» بمحافظة «حضرموت»، وحزب «الرشاد»، لأنها غالباً ستؤدى إلى توقف التضييق الحوثى عليهم، بسب انشغال الحوثيين بالعملية، ومحاولة تجنب ضرباتها المؤلمة، مما سيتيح الفرصة أمام التيار السلفي للعودة مرة أخرى إلى الأحداث فى اليمن، ولكن بصورة أقوى مما كان عليها فى السابق، لأنه أيقن بعد تلك الأزمة أن معظم الأطراف فى اليمن لا تعرف غير لغة السلاح، وهذا ما دفع العديد من أبناء التيار السلفى إلى المشاركة فى القتال ضد الحوثيين كأفراد ضمن منظومة القبائل المقاتلة في الجوف، ومأرب، وغيرهما من المدن اليمنية.
ومن ناحية أخرى، فإن هناك احتمالية تحول أعداد من أبناء التيار السلفى إلى الانضمام للتيار الجهادى فى غمار عملية “عاصفة الحزم” من أجل الانتقام من الحوثيين لما فعلوه بهم وبأسرهم وقبائلهم، وهذا ما يمكن أن يؤثر بشكل ملحوظ فى توجهات التيار السلفي فى الفترة القادمة.
أما بالنسبة للتيار الجهادى، فهو غالباً مرحب بعملية “عاصفة الحزم”، ليس حباً فى أطرافها، وإنما لأنها ستؤدى إلى إضعاف الحوثيين، عدوه اللدود حالياً، مما سيتيح للقاعدة العودة إلى مشهد الأحداث من جديد فى اليمن بصورة أكثر نشاطا، خاصة بعد شبكة العلاقات القوية التى أقامها التنظيم مع القبائل فى مواجهة التمدد الحوثى، مما أخرج القاعدة من عزلتها، ومكنها من تجنيد العديد من المقاتلين، إضافة إلى حصولها على كميات كبيرة من الأسلحة فى الفترة الماضية، فى خضم فوضى السلاح التى تجتاح اليمن أخيرا.
وبالتالى، فإن العملية ربما تسهم فى عودة القاعدة أشد قوة وضراوة مما سبق. وقد ظهرت بوادر ذلك فى اجتياح القاعدة لمعظم مدينة “المكلا” أخيرا فى 4 أبريل2015. كما أن تلك العملية ستساعد القاعدة فى تجنيد العديد من الأفراد من خارج اليمن تحت شعار “الجهاد ضد الروافض”، كما أنها ستمنح القاعدة القدرة على استعادة  التوزان مع تنظيم “الدولة الإسلامية” الذى أخذ يتمدد فى الفترة الأخيرة، من خلال الدور الذى ستلعبه فى اليمن فى الفترة المقبلة.
ومن ناحية أخرى، فإن تلك العملية يمكن أن تسهم بشكل ما فى وجود موطئ قدم لتنظيم “داعش” فى اليمن، تحت شعار مقاومة “التمدد الشيعي”، حيث برز نجم التنظيم فى الفترة الأخيرة من خلال سلسلة تفجيرات استهدفت مسجدَين من مساجد العاصمة، صنعاء، وراح ضحيتها مئات القتلى والجرحى.
وأخيراً، فبرغم أن المواجهة مع الحوثيين تمثل فرصة لتمدد التيارات الجهادية، والحصول على الكثير من المكاسب التنظيمية والمادية، تحت شعار “الجهاد ضد الشيعة” فى اليمن، فإن ذلك العنصر يمكن أن يضعف أو يتلاشى مع مرور الوقت، إذا ما استتبت الأوضاع في اليمن، وتمكنت القوى اليمنية الأخرى من دحر الحوثيين، أو على الأقل مقاومة التمدد الحوثى، مما يعنى سحب الذريعة التى تنشط تحت شعارها هذه التيارات، وهى مقاومة التمدد الشيعي. وبالتالي، فإن تغير الواقع على الأرض، من خلال دور فعال للقبائل، أو عودة الدولة اليمنية، سيؤدى غالبا إلى انحسار نشاط تلك التيارات فى المستقبل.
علي بكر
مجلة السياسة الدولية