ما السبب وراء سوء تقدير “حكومة إقليم كردستان” للاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق؟

ما السبب وراء سوء تقدير “حكومة إقليم كردستان” للاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق؟

أجرت “حكومة إقليم كردستان” الاستفتاء حول الاستقلال في 25 أيلول/ سبتمبر 2017. ومن بين 72.16 بالمائة من الناخبين المؤهلين في إقليم كردستان والأراضي المتنازع عليها الذين أدلوا بأصواتهم، فضّل 92.73 بالمائة الانفصال عن العراق على الرغم من المعارضة الشديدة على الصعيدَين الداخلي والخارجي. وقد خطّطت “حكومة إقليم كردستان” للبدء بمفاوضات مع الحكومة العراقية لتسوية ظروف الاستقلال بعد الاستفتاء، مستخدمةً التأييد الساحق للانفصال كورقة مساومة. ولكن بعد انتهاء الاستفتاء، فرضت الحكومة العراقية إلى جانب تركيا وإيران عقوباتٍ اقتصادية على كردستان. بالإضافة إلى ذلك، تقدّم الجيش العراقي وقوات “الحشد الشعبي” لاستعادة الأراضي المتنازع عليها التي سيطرت عليها قوات “البشمركة” بصورة منفردة عام 2014 وسط الارتباك حيال استيلاء تنظيم “داعش” على الموصل. فخسر الأكراد قسمًا كبيرًا من الأراضي والموارد النفطية التي كانوا يسيطرون عليها سابقًا، ما حطّم الحلم بالاستقلال في المستقبل المنظور.

وتوقعت القيادة الكردية في العراق معارضةً قوية من قبل إيران وتركيا، وهما القوتان الإقليميتان اللتان كانتا قلقتان حيال آثار الاستفتاء على الأكراد في بلديهما. ولكن ردًا بهذه القساوة من الحكومة العراقية لم يكن في الحسبان، إضافةً إلى الانقسامات الكردية الداخلية التي مكّنت التقدم العسكري العراقي فضلًا عن الغياب الكلي لدعم المجتمع الدولي للأكراد.

ويكمن الخطأ الأول في تقديرات “حكومة إقليم كردستان” أو بالأحرى في تقديرات “الحزب الديمقراطي الكردستاني” الذي قاد الاستفتاء بقوة، هو أنهما توقعا من العراق العربي أن يفهم رغبتهم في الاستقلال. أولًا، لم يكن هناك أي دعم يذكر في صفوف الأكراد في كردستان للبقاء داخل الدولة العراقية في المستقبل. ولدى كردستان ذاكرة جماعية بالقمع في ظلّ نظام صدام، وخبرة لأكثر من خمس وعشرين سنةً من الحكم الذاتي، ما قلّص ارتباطهم الجسدي والعاطفي بالعراق. بيد أنّ العراق العربي يحافظ على القومية العراقية القوية التي تدعم التعايش السلمي لجميع العراقيين بصرف النظر عن الخلفيات الدينية أو العرقية. وقد تعززت هذه المشاعر بشكلٍ خاص الآن على ضوء الانتصار على تنظيم “داعش” الإرهابي الذي كان يحتلّ أجزاءً من العراق في الآونة الأخيرة. وهناك ميل إلى التقليل من شأن الطبيعة الفريدة لكردستان والقومية الكردية في السياق الأوسع للقومية العراقية. وحتى لو كان السياسيون العرب على درايةٍ بتطلعات نظرائهم الأكراد بالاستقلال، لم يكن لديهم أي محفّز لإقناع جمهورهم العربي بدعم الانفصال الكردي. وفي المجتمع العربي، كان هناك إحباط إزاء القيادة السياسية الكردية التي استغلت هشاشة العراق بعد عام 2003، وتصرفّت كدولة ذات دبلوماسية أحادية الجانب أو ذات سيطرة على صادرات النفط. وبلغ هذا الغضب المكبوت ذروته في الاعتداء العسكري غير المسبوق في كركوك. فلا يتشارك إقليم كردستان والعراق العربي المشاعر أو الآراء العامة على الإطلاق. وكان للقيادة الكردية التي فشلت في التوصل إلى فهمٍ حقيقي للمجتمع العربي نظرةً غير واقعية لاحتمال الاستقلال.

ولكن ربما لما عملية كركوك ممكنةً لولا الانقسامات الكردية الداخلية. فقد استخفّ “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بالمعارضة الكردية للاستفتاء، بما في ذلك معارضة “الاتحاد الوطني الكردستاني”. وعلى الرغم من أنّه غالبًا ما يُشار إلى أنّ “الحزب الديمقراطي الكردستاني” تسرّع في الاستفتاء لتحويل الانتقادات حول حالة الجمود في سياسات كردستان أو الصعوبات الاقتصادية، فبالنسبة إلى قيادة “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، ولا سيما أولئك من الجيل الأكبر سنًا الذين قاتلوا في حروب العصابات الطويلة وتمكنوا من بناء دولة الأمر الواقع، كان لقضية الاستقلال الأولوية على أي أمر آخر. بالإضافة إلى ذلك، كان من المتوقع أن يقودوا الطريق بما أنّ “الحزب الديمقراطي الكردستاني” هو الذي يمثّل كردستان من وجهة نظرهم. وقد أغفلت طريقة التفكير هذه المعضلة التي يواجهها الأكراد الذين يريدون كردستان مستقلة ولكن ليس أسرة بارزاني الحاكمة. ويُقال إنه في السليمانية، وهي معقل “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”حركة التغيير الكردية”، بلغت نسبة إقبال الناخبين 50 بالمائة فقط، وبلغت نسبة الذين صوّتوا لصالح الاستقلال 80 بالمائة فقط من مجموع أصوات الناخبين. وفي منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، رضخ فصيل “طالباني” في “الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي يواجه ضغوطًا من حكومتَي العراق وإيران، وأمر قوات “البشمركة” بالانسحاب من خط المواجهة في كركوك. وأدّى فشل “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في تحقيق توافق الآراء بدقة في كردستان إلى خسارة ’ قلب كردستان‘.

وكان الخطأ الأخير الذي ارتكبه “الحزب الديمقراطي الكردستاني” سوء تقديره لردّ فعل المجتمع الدولي. وبسبب المعايير الدولية التي تحترم الحدود الوطنية القائمة، لن تدعم أي دولة الانفصال. وفي الوقت عينه، بما أنّه لا يمكن إنكار حق تقرير المصير، مالت المعارضة للانفصال إلى اتخاذ الموقف المتمثل في أنه ’ ليس الوقت المناسب، كما كرّر الكثير من مسؤولي الدول. ولذلك، كان على “حكومة إقليم كردستان” أن تقرأ المشاعر الدولية بحذر. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة وأوروبا لم تدعما أبدًا الاستقلال بشكلٍ صريح، عاملا كردستان كدولة أمر واقع تعكس الوضع على الأرض منذ عام 2003، ما أدّى إلى توقعات غير واقعية لـ “حكومة إقليم كردستان” بالدعم. فعلى سبيل المثال، كانت المكاتب القنصلية في إربيل نظيرةً دبلوماسية لـ “حكومة إقليم كردستان”، واستثمرت شركات النفط الكبرى في كردستان بموافقة ضمنية من حكومتها الخاصة على الرغم من المعارضة القوية من بغداد. وتمّ توسيع نطاق الدعم العسكري إلى العراق ليشمل قوات “البشمركة” عندما اعتدى تنظيم “داعش” على الموصل ومدن أخرى. وأعطى هذا الواقع “حكومة إقليم كردستان” انطباعًا خاطئًا بأنّ الولايات المتحدة وأوروبا ستحتضنان كردستان المستقلة في نهاية المطاف. وربما كان هذا هو الحال لو قبلت الحكومة العراقية بالاستقلال، ولكن هذا لا يعني ذلك الولايات المتحدة وأوروبا ستعاملان كردستان على قدم المساواة مع دولة العراق السيادية عندما ترتفع حدّة التوترات بين الحكومة العراقية و”حكومة إقليم كردستان”. وبدت الاحتمالات ضدّ كردستان عندما أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن ” قلقه” إزاء الاستفتاء قبل عدة أيام من إجراء التصويت. ونتيجةً لذلك، نأت الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية بنفسها عن الأكراد عندما تقدم الجيش العراقي إلى كركوك بدلًا من التدخل لنزع فتيل التوترات. وقد يُعزى هذا الخطأ في التقدير جزئيًا إلى نشاط الضغط التي كانت تمارسه “حكومة إقليم كردستان” بقوة منذ وقتٍ طويل. وبالتأكيد، أثّر نشاط الضغط هذا على الرأي العام الدولي لكسب التعاطف مع الأكراد. ولكن ربما كانت “حكومة إقليم كردستان”، المحاطة بجماعات الضغط التابعة لها، غير قادرة على تقدير دعم واشنطن الحقيقي للاستقلال أو غياب هذا الدعم.

وإنّ هذه الأخطاء الثلاثة في تقديرات “حكومة إقليم كردستان” كلها عوامل مهمة أدّت إلى فشل الاستفتاء حول الاستقلال. ويمكن أن يتغير الرأي العام للعراق العربي وموقف المجتمع الدولي مع الوقت. ولكن سيكون من مسؤولية القيادة الكردية أن تصلح الانقسامات الداخلية وتعيد بناء المؤسسات خارج سياسة الحزب المحدودة، لأن هذه ليست المرة الأولى التي تستغل فيها الجهات الخارجية الفوضى داخل الأحزاب السياسية. وإن تعزيز جهود بناء الدولة في كردستان، مثل توحيد قوات “البشمركة” أو اتّخاذ القرارات بتوافق الآراء من خلال السياسات البرلمانية الديمقراطية هو ضرورة مطلقة للأكراد حتى ولو بقي وضعهم كمنطقة تتمتّع بالحكم الذاتي في المستقبل المنظور، وذلك من أجل ضمان وضعهم في العراق. كما أنّ إضفاء الطابع المؤسسي على هيكلية الحوكمة في كردستان سيشكّل وسيلةً للمساعدة في الوصول إلى المجتمع الدولي بصوتٍ واحد، وهو أمر ضروري لإقناع العالم بأن كردستان المستقلة لن تتسبّب بالمزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

أكيكو يوشيوكا

معهد واشنطن