لم يلق قانون الموازنة الايراني لعام 2018 ترحيبا من افراد الشعب ، لاستبعاد قرابة 30 مليون فرد من الدعم، ورفع أسعار الطاقة (البنزين على وجه الخصوص)، بنسب تصل إلى 50%، وارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية مثل “الكهرباء والوقود”، والتي يدخل الوقود في عناصر إنتاجها، والمحروقات المستخدمة في خدمات النقل والمواصلات، مما ينعكس سلبا على الطبقة المتوسطة ويهبط بالاقتصاد إلى أدنى مستوياته، حيث سيتحول الفقر النسبي إلى فقر مدقع.
وكشفت منظمة التخطيط الإيرانية، ان موازنة عام 2018، بلغت 104 مليارات دولار ،معتمدة سعر برميل النفط عند 55 دولار. مشيرة الى اتهامات محلية للحكومة بتوفير إيراداتها ونفقاتها على تدخلاتها العسكرية الخارجية على حساب قوت الشعب الايراني، الذي بلغ في نهاية عام 2017 بحسب مركز الإحصاءات الإيراني نحو 80 مليون نسمة، 40.5 مليون من الذكور و 39.5 مليون من الاناث.
واشار المركز الى ان عدد اسر الشعب الايراني بلغ 24 مليون اسرة ، متوسط عدد افرادها3.3 فرد ، و 1.24 متوسط النمو السكاني في السنوات الخمسة الاخيرة ، وتبلغ حالات الطلاق 50%.
واوضحت صحيفة “كيهان” التابعة لتيار مرشد إيران علي خامنئي، أوردت أن موازنة 2018، تمهد الطريق للفقر والركود والبطالة وتضع الشعب تحت ضائقة مالية شديدة، اذ يعيش أكثر من 50% من الشعب الإيراني تحت خط الفقر.
وبسبب التخبط في السياسات الاقتصادية الايرانية ارتفعت معدلات البطالة عام 2017إلى مستويات كبيرة، وحسب أرقام رسمية فانها تبلغ 12.5% ، كما ارتفعت مخصصات الحرس الثوري إلى 7.6 مليار دولار، مقارنة بـ 4 مليارات دولار في الموازنة السابقة. ”
وتم قطع الدعم عن ملايين الأفراد (11 دولارا لكل فرد شهريا) إلى جانب رفع أسعار الطاقة، بهدف توفير السيولة المالية لموازنة 2018، بحسب رئيس البرلمان علي لاريجاني.
وقال لاريجاني ان الحكومة الايرانية عازمة على تقليص ميزانيات التعليم والصحة وبناء المشاريع الإنمائية، بسبب عجزها المالي وعدم تمكنها من تقليص ميزانيات المؤسسات الدينية وغيرها (العسكرية) .
وأعلن وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي، إن معدل البطالة الحالي في إيران بلغ اكثر من 12%، بينما وصلت النسبة في بعض المدن في محافظات كرمانشاه (الكردية)، والأهواز (العربية)، وبلوشستان إلى 60%.
وبررالمتحدث باسم الحكومة الإيرانية ورئيس منظمة التخطيط والميزانية محمد باقر نوبخت، رفع أسعار المحروقات بتوفير فرص عمل للمتعطلين.
و رغم الإنجازات الاقتصادية التي حققتها ايران مع الغرب بعد الاتفاق النووي ، اذ استعادت جزءا من حصتها بسوق النفط العالمي وارتفاع الإنتاج والصادرات ، الا ان هذه المنجزات واجهت تحديات الاقتصادية كثيرة فالبطالة تصل لـ 12.5% ، وتزيد معدلاتها لـ 26% للفئات العمرية 15 -29 عاما مما يدعو الى اجراء إلى إصلاحات هيكلية في الاقتصاد الإيراني، والنظام المصرفي، ومحاربة انتشار الفساد، وإزالة العقبات أمام الاستثمار الأجنبي خارجيا .
وحذرت الأمم المتحدة إيران بشأن تطوير برنامجها النووي، لكن الاخيرة لم تستجب وانتهت بفرض عقوبات اقتصادية على إيران ، مما ادى انخفاض الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الإيراني وامتناع كثير من المصارف العالمية عن التعاون معها، مما جعلت الاقتصاد الايراني يواجه صعوبات وخاصة الصناعة مما اوقع الاقتصاد في انكماش حاد بلغ 1.6 % .
واكد الخبراء والمحللون الاقتصاديون ان الاقتصاد الايراني هش وضعيف كونه يمول ويدعم تنظيمات خارجية ماليا وعسكريا، ومنها: الحوثيون في اليمن، وحزب الله اللبناني، والجماعات المسلحة التابعة لايران في العراق والبحرين، مثل الحرس الثوري الذي بلغت مخصصاته إلى 7.6 مليار دولار عام 2017.
وتتكتم الحكومة الايرانيين عن حجم التكلفة المالية الحقيقية التي تدعمها الميزانية الإيرانية لتنظيماتها خارج البلاد ، وحجم الخسائر الاقتصادية التي تتحملها إيران نتيجة استمراراها في دعم تلك التنظيمات، والتي تقتطع من حصة التنمية التي يمكن أن توجه للشباب الإيراني.
ويبين الواقع الفعلي في ايران استنزاف ثروات المجتمع الإيراني لمصلحة مشروع توسعي يقوم على استخدام ما يعرف بالطابور الخامس في قلب العالم العربي للهيمنة عليه، اضافة الى نشر قوات الحرس الثوري الإيراني الذي يُدرب ويُسلح ويُمول الميليشيات الطائفية داخل ايران وخارجه.
وحصلت إيران على فرصة قوية لإصلاح أوضاعها والعودة للاقتصاد العالمي في زمن الرئيس الامريكي بارك اوباما، لكنها لم تثبت سلم نواياها وتتوقف عنها تدخلاتها في شؤون الآخرين، وتهتم بالإصلاح والتنمية الاقتصادية الداخلية ، بل استمرت في التهديد والتدخل في الخارج وزيادة التسليح لجيشها وللميليشيات التابعة لها خارج حدودها، واستمرت في طموحات نووية غير معتدلة، الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترمب تعد الملف الإيراني تهديدا للأمن والسلم الإقليمي والعالمي.
وان عدم استغلال إيران للفرصة التي سنحت لها بما يخدم اقتصادها وشعبها، جعل العالم يعود إلى منطقة القلق بشأن وضع الاقتصاد الإيراني وقدرته على الاستمرار في النمو المتوقع 3.3 %.
وهذا القلق المتنامي الجديد ظهر جليا في تقرير صندوق النقد الدولي وتحذيره من حالة “عدم اليقين” الشديدة المحيطة بمستقبل وضع الاقتصاد الإيراني مع فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران نتيجة تطويرها صواريخ باليستية واستمرار تدخلها في دول الجوار.
واكد تقرير الصندوق الدولي، ان التوتر القائم بين إيران والولايات المتحدة وعدم وضوح نوايا إيران الحقيقية على الرغم من الفرصة التي منحت لها يقلل من فرصة نمو الاستثمار والتجارة مع إيران، وفي حال انهيار الاتفاق النووي ستعود إيران للعزلة عن النظام المالي العالمي، ويدخل الاقتصاد الإيراني في حالة ركود لا محالة، خاصة مع انخفاض الاستثمار الاجنبي المباشر وتدفق رؤوس الأموال وسوف.
انفاق ايران الخارجي
تنفق ايران مليارات الدولارات لدعم ميليشياتها الخارجية وفي الوقت نفسه تتجاهل فقراءها، من اجل بسط نفوذها والتوسع والسيطرة خارج حدودها ومحاولة نشر فكر ولاية الفقية الذي يسيطر على حكامها.
ومن اهم الأذرع الإيرانية التي لها النصيب الاكبر من أموال الشعب الايراني ، حزب الله اللبناني الذي تأسس في مطلع الثمانينات بدعم مالي وسياسي إيراني، رغم أن الحزب حاول أن يجد طرقا أخرى للتمويل كغسيل الأموال والمخدرات، لكن الدعم الإيراني له ظل العمود الفقري لعملياته ونشاطاته الداخلية، والخارجية.
واكد دينيس روس مساعد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن واشنطن ترصد بدقة التمويلات التي ترسلها “طهران” إلى عدد من مليشياتها المسلحة فى بلدان الوطن العربى، مشيرا الى ان فاتورة دعم إيران لميلشيا “حزب الله” اللبناني، تبلغ نحو 800 مليون دولار سنويا.
وتوكد تقارير أجنبية، أن حزب الله اللبناني يتلقى من ايران بالاضافة الى الدعم المالي الأسلحة، والتدريب، والدعم الاستخباراتي، والمساعدة اللوجيستي وغيرها، وإعادة بناء الطرق وترميم البنية التحتية فى لبنان عام 2007.
وهناك عشرات المليارات ذهبت للأسد من طريق أموال الخُمس المتوافرة عند الخامنئي.
ويتم نقل الأموال الايرانية عبر مسئولين مخصصين بنقل الدعم المالي فى فيلق قدس التابع للحرس الثوري الذارع الخارجية لطهران، فى تنفيذ العمليات الاستخباراتية خارج إيران عبر المؤسسات الخيرية التي تؤسسها طهران تحت ذريعة العمل الخيرى، كمؤسسة الخمينى للإغاثة بلبنان.
وادى تردي الاوضاع الاقتصادية في ايران الى تفجير ثورة الفقراء العارمة ، التي لاتزال مسيراتها تقمع في شوارع المدن الكبرى حتى لحظة كتابة المقال ، ثمنًا لدعم هذا البلد للطائفية والمليشيات في المنطقة، وضريبة دفع ثمنها الفقراء من الشعب، وتعالت أصوات المحتجين داعين مسئولي بلادهم للخروج من سوريا ولبنان، مرددين شعارات: “انسحبوا من سوريا وفكروا بنا”، و”لا للبنان ولا لغزة. روحى فداء إيران”.
ودعا المتظاهرون الى تحسين الاوضاع داخل ايران ، والتركيز على تحسين ظروف مواطنيها المعيشية، ووقف انفاق اموال الشعب الايراني ، على القضايا الإقليمية وبسط نفوذ النظام فى المنطقة، عبر التدخل في سوريا ودعم طهران لأذرعها فى المنطقة وعلى رأسها حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين والحوثيون في اليمن.
لماذا التمسك بحزب الله؟
يدعي النظام الايراني ان الأموال الضخمة والتكلفة العالية التى تتكبدها طهران، لدعم اذرعها في العالم في حين تحرم شعبها منها يعود الى انه يرى أنه سيحصد ثمار ما أنفق، عبر بسط نفوذه فى لبنان، وتقوية الحزب ليشكل دولة داخل الدولة يكون له الكلمة العليا فى كل الشئون السياسية، ويمكن طهران من أن تملى عليه سياساتها، الأمر الذى حدث بالفعل وتسبب في أزمات عدة مرات بها لبنان، بداية من أزمة الفراغ الرئاسى الذى عاشته لبنان ما يزيد على عامين ونصف العام حتى انتخاب الجنرال ميشال عون فى 2016 ، وصولا إلى أزمة استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريرى في نوفمبر الماضى، احتجاجا على ممارسات الحزب، وجر لبنان نحو التورط فى الحرب الدائرة فى سوريا بذريعة محاربة الإرهاب لتنفيذ أجندة طهران.
وبخلاف الداخل اللبنانى، استغلت طهران الحزب لصالح التمدد الإيراني، وتمكنت من خلاله التدخل فى اليمن، ودعم المليشيا الحوثية الموالية لها.
وأصبح الحزب ورقة ضغط لايران ضد خصومها فى المنطقة، فهي قادرة على تحريكه لإشعال الجبهة مع إسرائيل، لممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى الشرق الأوسط، ممن يقعون في مرمى نيران الحزب، من خلال تجنيد خلايا نائمة له فى البلدن العربية.
ورأى رئيس الاركان الاسرائيلي اللفتنانت جنرال غادي أيزنكوت ، إن إيران تنفق مئات الملايين من الدولارات سنوياً على مساعدة حلفاء لها يقاتلون في الشرق الأوسط وأن هذا الانفاق يزيد كما يبدو
وتزامنت تصريحات أيزنكوت مع مسيرات مستمرة منذ نحو أسبوع في الشوارع الإيرانية، تركزت في بادئ الأمر على الصعوبات الاقتصادية، لكنها تحولت احتجاجات سياسية صريحة.
واتهم وأيزنكوت إيران بالعمل على تشكيل “هلال شيعي” لنشر نفوذها، ويمتد عبر العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وقطاع غزة.
واضاف وأيزنكوت ان ايران تسعى الى تحقيق الهيمنة الإقليمية، اذ يصل التمويل الايراني السنوي لـ “حزب الله” بين 700 ألف دولار ومليار دولار كل سنة”. واضاف: “في الأشهر الأخيرة، تنامى كذلك الاستثمار الايراني في الساحة الفلسطينية بدافع رغبة في بسط النفوذ، بزيادة في التمويل (السنوي) في قطاع غزة لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى 100 مليون دولار”.
اين تتجه الاحتجاجات الايرانية؟
انتقدت رئيسة مجمع مدافعي حقوق الإنسان في إيران، الحائزة على جائزة «نوبل للسلام» عام 2003، شيرين عبادي، ما تنفقه إيران على تدخلاتها العسكرية في المنطقة، قائلة :إن الإنفاق العسكري في سوريا واليمن ولبنان أدى إلى ضعف الميزانية وانتشار الفقر في إيران، وحثت الإيرانيين، على العصيان المدني ضد النظام.
ودعت عبادي الإيرانيين «للبقاء في الشارع»، والالتزام بالطابع المدني وتجنب العنف، مشيرة الى ان ذلك «حق يعترف به الدستور الإيراني». كما دعتهم لعدم دفع فواتير المياه والغاز والكهرباء والضرائب، وسحب الأموال والأرصدة من البنوك الحكومية لممارسة الضغط الاقتصادي على الحكومة وإجبارها على الكف عن العنف والتجاوب مع مطالبهم.
وبينت عبادي أن الفقر سبب سخطاً شعبياً أدى إلى خروج المظاهرات التي كانت ذات طابع اقتصادي بحت في البداية قبل أن تنتقل الشعارات إلى استهداف طبيعة النظام.
واشار الخبير في الاقتصاد الإيراني البروفيسور إسماعيل حسين زاده الى عدم القدرة على تحديد رقم بعينه بشأن إجمالي تكلفة دعم الاقتصاد الإيراني للتنظيمات الخارجية أو لكل تنظيم بمفرده في العالم العربي.
وتعود صعوبة تحديد حجم الانفاق ايران على المليشيات التابعة لها، كما يرى زاده: “الى ما يلي:
– ان عملية الدعم المالي لا تتم بشكل رسمي مسجل في الأوراق الرسمية، ويظهر كبند واضح ومفصل في الميزانية العامة.
– هناك أكثر من جهة في الدولة تسهم في عملية تمويل تلك التنظيمات بنسب مختلفة.
– عملية الإسناد المالي لا تدخل ضمن الطرق التقليدية مثل تقديم أموال بشكل مباشر لقادة تلك التنظيمات، صحيح أنه أحيانا يحدث هذا.
– القلق الدولي من بعض التنظيمات الموازية للمؤسسات الرسمية للدولة. لكل ما سنجد أن إسناد ايران المالي للمليشيات التابعة لها يتم بطرائق ملتوية منها على سبيل المثال شراء الحكومة الإيرانية صفقات ضخمة من السجاد من التجار الإيرانيين، ثم بيعها لبعض التجار اللبنانيين الداعمين لحزب الله بأسعار زهيدة للغاية، على أن يقوم هؤلاء بتصريفها في الأسواق المحلية وحتى الإقليمية أو الدولية وتمويل الحزب عبر الأرباح المتحققة من عملية البيع، وفي بلدان مثل اليمن ولبنان وسوريا لا توجد حكومات مركزية قوية، و النظام ضريبي أو مصرفي بالمعنى الحقيقي، حيث توجد رقابة صارمة من السلطات الحكومية على الإيداعات والتحويلات المالية، وفي كثير من الأحيان تقوم إيران بتمويل تلك التنظيمات بشكل غير مباشر عن طريق صفقات تجارية مع الأجنحة المالية لتلك التنظيمات المسلحة، التي اكتسبت خبرة كبيرة في أساليب التحايل المالي، ثم يتم إدخال الأموال الإيرانية إلى مصارف الدول بشكل مباشر ولكن تحت أسماء وعناوين وهمية”.
ويضيف زاده ” إن إيران تمول تلك التنظيمات بالسلاح، أو تقوم بسداد فواتير صفقات السلاح التي تعقدها تلك التنظيمات مع مافيا السلاح الدولية في أوروبا الشرقية وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، وهذا كله يجعل من شبه المستحيل وضع رقم محدد بقيمة تمويل طهران لتلك التنظيمات “.
ويشير زاده إلى أنه على الرغم من ذلك فإنه يمكن القول إن إجمالي التمويل الإيراني للتنظيمات سيراوح بين خمسة وسبعة مليارات دولار سنويا في الظروف الاعتيادية وفي فترات الهدوء النسبي، وهذا يمكن حسابه من العدد الإجمالي لأعضاء تلك التنظيمات حيث تدفع لهم إيران مخصصات مالية شهرية، وكذلك من حجم التوسع في الأنشطة التي تقوم بها تلك التنظيمات اجتماعيا لتجنيد المزيد من الأعضاء،
إذ يمكن أن تصل القيمة الإجمالية لعملية الإسناد المالي للحوثيين وحزب الله ومليشياتها إلى ما يتجاوز عشرة مليارات دولار سنويا، وهذا لا يتضمن تكلفة التمويل بالأسلحة الثقيلة مثل الصواريخ الإيرانية التي استهدفت المملكة العربية السعودية أخيرا”.
شذى خليل
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية