لوم الخارج لن يفيد القيادة الإيرانية

لوم الخارج لن يفيد القيادة الإيرانية

أسبوعان والتظاهرات مستمرة في إيران، من تبريز إلى أصفهان إلى بندر عباس ومدن أخرى في أرجاء البلاد، والاعتقالات تخطّت الألف، فيما عدد الضحايا الرسمي هو ٢١. وتعكس التظاهرات، بمحيطها الجغرافي وشعاراتها، حالاً أعمق من التي يريد النظام الاعتراف بها، وأكثر تعقيداً من الكلام المبسّط لجواد ظريف الذي يلوم الخارج، سواء الدول العربية أو الغربية أو إسرائيل أو تنظيم «داعش».

أفضل ما في كلام ظريف أنه يسهل على المراقب الخارجي فهم الأزمة بتأكيد وجود هذا الشرخ الرهيب بين القيادة، خصوصاً المعتدلين، وما يحصل في الشارع الإيراني. فعلى المستوى الداخلي، يبدو انفصال ظريف عن الواقع معبّراً عن أزمة المعتدلين في إيران اليوم الذين أمضوا السنوات الفائتة في مفاوضات بين لوزان وفيينا حول الاتفاق النووي، وتناسوا أسعار البيض والدجاج والحمّص، والتي كانت أكثر مصيرية في الشارع الإيراني من أي بند في الاتفاق.

وهنا يأتي رفض ظريف الإقرار بهذه المعطيات وركوبه نظريات المؤامرة واتهام العرب والغرب، ليؤكد الأزمة الثقافية والسياسية لنخبة المعتدلين في إيران وتناسيهم الورقة الاقتصادية التي هي تقليدياً أمّ الثورات. وحتى لو أخذنا على محمل الجد اتهام ظريف ترامب والسعودية وإسرائيل و «داعش» بأنهم وراء التظاهرات، فهذه الفرضية تسقط حين يتم التمعُّن بأدوات ونفوذ هذه القوى في إيران. فهل الاستخبارات الأميركية غير القادرة على إيصال رسالة مكتوبة إلى قاسم سليماني، أو التصدّي له في العراق وسورية واليمن، قادرة على دفع متظاهرين إلى الشارع في مدن وأرياف ذات ميول محافظة مثل مشهد؟ أو هل «داعش» أو «البعث العراقي» الذي اتهمه المرشد الأعلى علي خامنئي ضمن لائحة «الأعداء»، قادر على تسيير مئات الآلاف في أصفهان وإيلام وطهران، وهو عاد إلى جحوره بعد خسارات متلاحقة في الموصل والرقة والرمادي والفلوجة وكوباني والحسكة؟

لا شك في طموح أميركا إلى تغيير النظام في إيران، لكنها تدرك تماماً تعذر هذا الأمر ومحدودية أوراقها في الداخل الإيراني. تغريدات دونالد ترامب لن تُسقط النظام الإيراني، والرسائل الإذاعية لراديو «فاردا» و «صوت أميركا» والضغوط على الشركات التكنولوجية لإتاحة حرية الإنترنت والتعبير لا تصنع ثورات وتغييرات جذرية. إنها أدوات تساعد في الدفع باتجاه التغيير وإعطاء زخم معنوي وتقني للمتظاهرين.

التغيير في إيران هو أولاً وأخيراً في يد الإيرانيين وليس لدى أي طرف آخر. وما بدأ في ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) قد يستمر شهوراً أو سنوات قبل إحداث تغيير متكامل، إنما مسيرة التغيير بدأت وتحفّزها عوامل داخلية وإقليمية عدة. أولاً، لم يعد المواطن الإيراني يحتمل أن يخسر تعويضه ولقمة عيشه فيما المقاتل الأفغاني يصله المال شهرياً من الحكومة الإيرانية للقتال في حلب. ولم يعد المواطن الإيراني أيضاً يكتفي بالبقاء على الهامش تكنولوجياً واقتصادياً واجتماعياً في بلاد غنية بثرواتها وتاريخها وحضارتها، فيما محيطه الخليجي يستضيف شركات غوغل ومايكروسوفت وآبل وغيرها من القطاعات الرائدة تكنولوجياً.

الاتفاق النووي كان كافياً ليتذوّق المواطن الإيراني طعم الانفتاح على الغرب قبل أن يكتشف أن معظم مكاسب هذا الاتفاق امتصّها الحرس الثوري. هذه المعادلة، مع تجاهل حكومة روحاني حاجات المواطن العادي، على رغم تحسينها الصورة الاقتصادية الأكبر، أوصلت إلى الاحتجاجات اليوم. ومن الصعب تصوُّر أن القيادة الإيرانية سيمكنها الاستمرار والتأقلم من دون تغييرات تواكب حاجات المتظاهرين وتغيُّر في التوجّه الخارجي لإيران، وهي إذا لم تفعل فنحن نشهد بداية النهاية للنظام في إيران ولو أخذت العملية سنوات.

ومثل الصين الشيوعية والاتحاد السوفياتي، فقد وصلت إيران الثورة الإسلامية إلى المنعطف، فهل تجد خلاصها في بوريس يلتسين إيراني أو تهدر فرصتها بالإصغاء إلى جواد ظريف؟

جويس كرم

صحيفة الحياة اللندنية