“أعداء الشعب الإيراني اللدودون، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وعملاؤها، يدعمون ويشجعون مثيري الاضطرابات والأعمال العنيفة، ما يثبت الخداع الكبير لأولئك الذين يدّعون الدفاع عن الديمقراطية والشعب الإيراني”. جاءت هذه الكلمات في بيان أصدره ساسة إصلاحيون إيرانيون بشأن الاحتجاجات الشعبية هناك. وتناول البيان مختلف جوانب الأزمة الجارية، وطالب بإطلاق عشرات الشباب المعتقلين، وتلبية مطالب المحتجين، خصوصاً ما يتعلق بالوضع الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة.
غير أن الجزء المتعلق بالمواقف الخارجية (الأميركية خصوصاً) من الاحتجاجات، يعكس تعقيد المشهد الراهن، وتركيبة الشخصية الإيرانية. التركيبة التي أثبت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جهله بها، وهو يغرّد مرحباً بالتظاهرات ومظاهر الاحتجاج ومحرّضاً على المزيد منها.
لم يدرك ترامب أن موقفه المؤيد للاحتجاجات ومطالبته السلطات الإيرانية بالاستجابة للمواطنين ليست الوسيلة المثلى لدعم الشعب الإيراني. وأنه بذلك قدّم للسلطات الإيرانية هدية مجانية، استغلها المسؤولون الإيرانيون، وتلقفتها وسائل الإعلام المحسوبة على الأصوليين. وجرى تشويه التظاهرات، واتهام المحتجين بالعمالة لحساب واشنطن وحلفائها.
وعلى الرغم من أن السلطات الإيرانية، شأن معظم حكومات العالم الثالث، لجأت، منذ اليوم الأول، إلى فزّاعة العمالة والأجندات الخارجية، إلا أن الوضع يختلف عندما يبادر طرف خارجي، يصنف داخلياً عدوا، إلى التطوّع بدعم معنوي وسياسي لحالة الاحتجاج. لقد أكسب ترامب ادّعاءات السلطة في إيران صدقية، لم تكن لتحظى بها، لولا عشوائيته وبدائيته في السياسة.
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية تدرك تعقيدات الحالة الإيرانية، إلا أنها انساقت وراء ترامب في تأييد الاحتجاجات علناً، ثم تطوير الموقف واستدعاء مجلس الأمن لمناقشة الوضع في إيران. ولم تستفد واشنطن شيئاً من الخطوة، بل ظهرت أمام العالم كما لو كانت تحاول افتعال ثورة، وإجبار المجتمع الدولي على تبنّيها. ووصل الاعتراض على هذه الرعونة الأميركية إلى حلفاء واشنطن، حيث أعلنت فرنسا أن الوضع في إيران لا يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. في انتقاد ضمني لفتح الموضوع في مجلس الأمن.
وبعد المؤتمر الصحافي الذي عقدته مريم رجوي (زعيمة منظمة مجاهدي خلق المعارضة في الخارج)، بات من السهل على الدوائر الرسمية الإيرانية تصوير المواقف الخارجية الداعمة لاحتجاجات الإيرانيين مؤامرة مكتملة الأركان. ولم يفُت صقور الأصوليين في طهران استدعاء تصريح لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قبل أشهر، هدّدَ فيه بنقل الصراع مع طهران إلى الداخل الإيراني.
في هذه الأجواء، أدرك رموز الإصلاحيين الإيرانيين أن مُماهاة المواقف مع الغرب تعد انتحاراً، فاختاروا النأي بالنفس عن مواقف واشنطن وحلفائها. وعلى الرغم من أنهم وجهوا انتقاداً صريحاً للسياسات التي أفضت إلى اندلاع الاحتجاجات، إلا أن الوضع كان سيختلف كثيراً، لو لم يضطر محمد خاتمي ورفاقه من دعاة الإصلاح إلى ذلك الحذر الشديد، والخشية من الوقوف مع الغرب في خندق واحد.
كذلك الأمر بالنسبة للمواطنين المحتجين أنفسهم، فالإيرانيون شديدو الحساسية تجاه أي تدخل خارجي، خصوصا إن كان أميركياً. حتى لو كان لدعم مطالب شعبية وتظاهرات احتجاجية عفوية من مواطنين يشعرون بالغبن، وسوء إدارة حكومتهم في الاقتصاد والسياسة أيضاً.
لذا تراجعت أعداد المتظاهرين سريعاً، بعد تحول المسيرات السلمية إلى أعمال عنف، وصفتها السلطات بالتخريب المدبر من عملاء للخارج. فانقسم المحتجون على أنفسهم مختلفين على الخطوة التالية، والسقف الذي ينبغي الوقوف عنده.
بالتأكيد هناك أسباب أخرى، أسهمت في مرور الاحتجاجات برداً وسلاماً على السلطة في إيران، لكن المؤكد أيضاً أن لو ترك ترامب ورجوي وغيرهم الاحتجاجات الإيرانية لحالها، أو حاولوا دعمها سراً من دون ضجة جوفاء، لكانت أكثر استمرارية وقابلية للتطور والتصاعد. ولواجهت حكومة طهران ومؤيدوها من الأصوليين مأزقاً حقيقيا أمام احتجاجات بدأت تلقائية. وربما كانت ستستمر وتتطور أيضاً بتلقائية، من دون حاجة لدعم أو ترحيب خارجي، أضرّها كثيراً ولم ينفعها ولو قليلاً.
غير أن الجزء المتعلق بالمواقف الخارجية (الأميركية خصوصاً) من الاحتجاجات، يعكس تعقيد المشهد الراهن، وتركيبة الشخصية الإيرانية. التركيبة التي أثبت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جهله بها، وهو يغرّد مرحباً بالتظاهرات ومظاهر الاحتجاج ومحرّضاً على المزيد منها.
لم يدرك ترامب أن موقفه المؤيد للاحتجاجات ومطالبته السلطات الإيرانية بالاستجابة للمواطنين ليست الوسيلة المثلى لدعم الشعب الإيراني. وأنه بذلك قدّم للسلطات الإيرانية هدية مجانية، استغلها المسؤولون الإيرانيون، وتلقفتها وسائل الإعلام المحسوبة على الأصوليين. وجرى تشويه التظاهرات، واتهام المحتجين بالعمالة لحساب واشنطن وحلفائها.
وعلى الرغم من أن السلطات الإيرانية، شأن معظم حكومات العالم الثالث، لجأت، منذ اليوم الأول، إلى فزّاعة العمالة والأجندات الخارجية، إلا أن الوضع يختلف عندما يبادر طرف خارجي، يصنف داخلياً عدوا، إلى التطوّع بدعم معنوي وسياسي لحالة الاحتجاج. لقد أكسب ترامب ادّعاءات السلطة في إيران صدقية، لم تكن لتحظى بها، لولا عشوائيته وبدائيته في السياسة.
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية تدرك تعقيدات الحالة الإيرانية، إلا أنها انساقت وراء ترامب في تأييد الاحتجاجات علناً، ثم تطوير الموقف واستدعاء مجلس الأمن لمناقشة الوضع في إيران. ولم تستفد واشنطن شيئاً من الخطوة، بل ظهرت أمام العالم كما لو كانت تحاول افتعال ثورة، وإجبار المجتمع الدولي على تبنّيها. ووصل الاعتراض على هذه الرعونة الأميركية إلى حلفاء واشنطن، حيث أعلنت فرنسا أن الوضع في إيران لا يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. في انتقاد ضمني لفتح الموضوع في مجلس الأمن.
وبعد المؤتمر الصحافي الذي عقدته مريم رجوي (زعيمة منظمة مجاهدي خلق المعارضة في الخارج)، بات من السهل على الدوائر الرسمية الإيرانية تصوير المواقف الخارجية الداعمة لاحتجاجات الإيرانيين مؤامرة مكتملة الأركان. ولم يفُت صقور الأصوليين في طهران استدعاء تصريح لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قبل أشهر، هدّدَ فيه بنقل الصراع مع طهران إلى الداخل الإيراني.
في هذه الأجواء، أدرك رموز الإصلاحيين الإيرانيين أن مُماهاة المواقف مع الغرب تعد انتحاراً، فاختاروا النأي بالنفس عن مواقف واشنطن وحلفائها. وعلى الرغم من أنهم وجهوا انتقاداً صريحاً للسياسات التي أفضت إلى اندلاع الاحتجاجات، إلا أن الوضع كان سيختلف كثيراً، لو لم يضطر محمد خاتمي ورفاقه من دعاة الإصلاح إلى ذلك الحذر الشديد، والخشية من الوقوف مع الغرب في خندق واحد.
كذلك الأمر بالنسبة للمواطنين المحتجين أنفسهم، فالإيرانيون شديدو الحساسية تجاه أي تدخل خارجي، خصوصا إن كان أميركياً. حتى لو كان لدعم مطالب شعبية وتظاهرات احتجاجية عفوية من مواطنين يشعرون بالغبن، وسوء إدارة حكومتهم في الاقتصاد والسياسة أيضاً.
لذا تراجعت أعداد المتظاهرين سريعاً، بعد تحول المسيرات السلمية إلى أعمال عنف، وصفتها السلطات بالتخريب المدبر من عملاء للخارج. فانقسم المحتجون على أنفسهم مختلفين على الخطوة التالية، والسقف الذي ينبغي الوقوف عنده.
بالتأكيد هناك أسباب أخرى، أسهمت في مرور الاحتجاجات برداً وسلاماً على السلطة في إيران، لكن المؤكد أيضاً أن لو ترك ترامب ورجوي وغيرهم الاحتجاجات الإيرانية لحالها، أو حاولوا دعمها سراً من دون ضجة جوفاء، لكانت أكثر استمرارية وقابلية للتطور والتصاعد. ولواجهت حكومة طهران ومؤيدوها من الأصوليين مأزقاً حقيقيا أمام احتجاجات بدأت تلقائية. وربما كانت ستستمر وتتطور أيضاً بتلقائية، من دون حاجة لدعم أو ترحيب خارجي، أضرّها كثيراً ولم ينفعها ولو قليلاً.
سامح راشد
صحيفة العربي الجديد