بعد مرور أيام على انطلاق المظاهرات والاحتجاجات ووقوع ضحايا مدنيين نتيجة الاشتباكات مع قوات الأمن، أصدر الاتحاد الأوروبي (من خلال المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني) بيانات تحثّ على “ضبط النفس”، معلنًا أنه “يقوم برصد الوضع” بعد المحادثات التي أجراها مع السلطات الإيرانية” و”يأمل بضمان الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير “.
وأعرب وزيرا الخارجية البريطاني بوريس جونسون والألماني سيغمار غابرييل عن أملهما بأن يتمتع المتظاهرون بالحق في الاحتجاج سلميًا وضرورة احترام الحكومة الإيرانية هذه الحقوق.
ويمكن النظر إلى هذه التصاريح في الأوساط الرفيعة للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بأنها تعكس بدقة المعضلة التي يواجهها أعضاء الاتحاد الأوروبي نتيجة الاضطرابات الحالية في إيران. فبعد استثمار رأس المال الدبلوماسي بقدر كبير في اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة قبل عامين (ومذّاك بيع السلع إلى إيران بقيمة 10 مليارات دولار في عام 2016 وحده)، إلى جانب محاولة تخطّي صدمة وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أثار ارتباكات في الاتفاقات السياسية حول العالم، فإنّ أقلّ ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي حاليًا هو عرقلة محتملة أخرى لمصالحه في الشرق الأوسط.
ويجوز أيضًا مقارنة نهج الاحتجاجات هذه في إيران مع أزمات أخرى اتخذ فيها الاتحاد الأوروبي موقفًا معينًا. ولا وجود لسياسة مشتركة (أو نهج مشترك) في ما يختص بهذه الأحداث، باستثناء تكرار سياسات الاتحاد الأوروبي الأساسية المعنية بحقوق الإنسان على سبيل المثال. بخلاف ذلك، يتم النظر في كل حالة على حدة، أو على الأقل هكذا يجب أن يكون الاجراء المتّبع. وبالمقارنة، يأتي النهج الحذر إزاء الأحداث في إيران نتيجة الاستثمارات الاقتصادية والسياسية الرئيسية بعد الاتفاق النووي. في الواقع، يحاول الاتحاد الأوروبي الحصول على كل شيء في الوقت عينه، وهو نهج نادرًا ما يكون ناجحًا.
وعلاوة على ذلك، مع توخّي كل من المملكة المتحدة وألمانيا ودائرة العمل الخارجي الحذر في تصريحاتها لتجنّب إثارة غضب النظام في طهران (مثلاً مطالبة “جميع الأطراف المعنية بالامتناع عن العنف” وكأن الأسلحة موزعة بالتساوي لدى جميع الأطراف)، فقد اقتربت أكبر كتلة ديمقراطية من الدول في العالم من الانصياع للأوامر التي وُضعت في موسكو ودمشق وأنقرة، حيث أوضح فحوى الرسائل أن هذه هي إمّا “مسائل داخلية” (موسكو) أو نتائج “التدخلات الأمريكية والصهيونية (حماس وتركيا).
لم تتحقق المكاسب الاقتصادية المتوقعة بعد اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، وحتى لو تمّ الاعتقاد في بروكسل بأن الصفقة ستغيّر فعلاً السياسة الإقليمية الإيرانية، ينبغي الآن تجاهل هذا الاعتقاد. مقارنة بالرئيس السابق أحمدي نجاد، قد ينظر البعض إلى الرئيس روحاني على أنه “معتدل”، ولكن يبقى مجال المناورة لديه محدوداً للغاية، لا سيّما وأنّ الحرس الثوري الإسلامي الإيراني – بدعم من الخامنئي والمتشددين في النظام – متجذّر في الاقتصاد. إنّ تاريخ الأنظمة الاستبدادية في الإصلاح الذاتي هو محبطٌ نوعًا ما، ولا دلائل حقيقية حتى الآن على أن أفكار الرئيس روحاني الخاصة بالإصلاحات الاقتصادية ستبصر النور.
وبالرغم من الاستثمار بشكل هائل في الاتفاق النووي والتحدّيات الكثيرة التي تلوح في الأفق، يصعب على الاتحاد الأوروبي (وقد أظهرت موغيريني بشكل خاص حرصها على المضي قدمًا في علاقات أكثر سلاسة مع طهران) التراجع والضغط على إيران للامتناع عن استخدام العنف.
والمضحك المبكي هو أنّ هذا ما يستطيع الاتحاد الأوروبي القيام به، إذا أراد. ولولا الضغوطات والعقوبات الخارجية، لما دخلت إيران أبداً المحادثات النووية أساسًا، إذ أنّها تعتمد بشدة على أوروبا للتجارة والاستثمارات. ولكن حتى الآن، سيطغى الاقتصاد على أيّ تعدٍّ على حقوق الإنسان في إيران، لأنّ النظام (كما هو متوقع) سيضيّق الخناق على المتظاهرين أكثر وأكثر. ونظرًا إلى أنّ إمكانية النفاذ إلى ما يجري محدود (على الرغم من امتلاك الكثير من الإيرانيين اليوم الهواتف الذكية أكثر من عام 2009)، سيحافظ الاتحاد الأوروبي على مسافة معينة حتى انتهاء الأزمة الأخيرة.
ويبقى أمام الاتحاد الأوروبي بديل وحيد آخر وهو اعتماد موقف أمريكي أكثر حزماً. ولكن بالنظر إلى العلاقات المتوترة بين واشنطن وبروكسل، فإنّ ذلك لن يحدث الآن على الأقل. وحتى لو حدث أمر مماثل، فإنّ نوع الضغط الذي يمكن تطبيقه سيكون بشكل عقوبات جديدة، إنما تبقى المشكلة في تحديد نوع العقوبات التي يجب فرضها. لا فرصة أمام الاتحاد الأوروبي للمسّ باتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة وإيجاد أدوات لإلحاق الضرر بالنظام (وبشكل خاص الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وأصوله الاقتصادية)، من دون التعرّض للشعب الإيراني.
يتألّف الاتحاد من 28 بلدًا (وربما 27 في القريب العاجل) ولم يسبق أن اتخذ موقفًا متماسكًا ومتزامنًا بشأن قضايا السياسة الخارجية الكبيرة والهامة، باستثناء المواقف التي يقررها قاسم مشترك أقل شأنًا. وليس بالضرورة من شيء غريب أو خطأ في هذه المسألة، بل على العكس، فهي تعكس الحقيقة الواضحة الكامنة في أنّ الاتحاد الأوروبي وبالرغم من أفكاره المشتركة بشأن الديمقراطية وسيادة القانون والمسائل الاجتماعية المتعلقة بحرية التعبير والرعاية الصحية وما إلى ذلك، إلّا أنّ الآراء تبقى متباينة بشأن مسائل السياسة الخارجية.
ينطبق ذلك بشكلٍ خاص على الشرق الأوسط، وهذا أمر معلوم. وبالتالي، وبحسب البلد والمنطقة، كانت بعض بلدان الاتحاد الأوروبي المحددة (مثل فرنسا أو المملكة المتحدة) تصدر القرارات وإمّا تتماشى معها الدول الأخرى أو لا.
وتعكس التصرفات المتأنية مع إيران حتى الآن هذا الواقع، وقد يكون من الأفضل أن يعترف الاتحاد بهذا الواقع والتصرف على أساسه، بدلاً من محاولة الظهور بمظهر ممثل السياسة الخارجية الجاد و”الوسيط النزيه” (الآن بعد أن باتت هذه الوظيفة متاحة!)، وفي فعل ذلك عزل الدول الصديقة التي تبذل مجهودًا ضئيلاً، والفشل في استرضاء المناهضين من خلال “التدخل” المستمر في القضايا المحلية.
لن يكون الاتحاد الأوروبي قادراً على دعم المتظاهرين في إيران بمصداقية، والحفاظ في الوقت عينه على علاقات ثابتة مع النظام. فالفكرة المتمثّلة بأنّ اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة سيفتح إيران اقتصاديًا ويخفف من النظام القمعي، تشوبها العيوب منذ البداية. ويبقى الأمل في أن تساعد الاحتجاجات الأخيرة على التوصل إلى نظرة أكثر واقعية في بروكسل.
ماغنوس نوريل
معهد واشنطن