باختصار، الولايات المتحدة ليس لديها نية لتحقيق النصر. الحرب ستستمر طالما هناك أنّ أموالًا تُجنى من خلال الاستمرار في السياسات التي تؤجج المشاعر المعادية للولايات المتحدة.
شارك جون برينان، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، في جلسة سؤال وجواب في جامعة هارفارد الأسبوع الماضي. أهم شيء في هذا الحدث، هو أنّ المسؤول عن أكبر جهاز استخباراتي في البلاد لا يعتقد بأن الحرب على الإرهاب ستنتهي.
وكان مدير الاستخبارات المركزية صريحًا للغاية (بالنسبة لرجل يكذب من أجل لقمة العيش) عندما أجاب أسئلة بخصوص احتمال انتهاء الحرب الكارثية على الإرهاب. حاول الالتزام بالعبارات القديمة المبتذلة ونقاط الحوار، لكنه كان صريحًا وصادقًا بشأن حقيقة واحدة، أنّ: أبناء وبنات أمريكا سيستمرون في الموت تحت هذه السياسة الخارجية غير المدروسة “لآلاف السنين” القادمة. هناك الكثير من التصريحات عن وحشية الإرهابيين، وأنهم يكرهوننا بسبب حريتنا، وأنّ علينا أن نقاتلهم هناك وإلا سنجد أنفسنا نقاتلهم هنا، وأنه خطأ التكنولوجيا؛ ولكنّ المراقبين يدركون أنه حتى مدير الاستخبارات المركزية لا يؤمن بالخطابات المُفتعلة.
نشرت صحيفة “ديفينس وان”، صحيفة خاصة بالتجارة والصناعة العسكرية بالشراكة مع مجلس العلاقات الخارجية، بعض الاقتباسات الرائعة: “عندما أنظر نظرة شاملة في المنظمات الإرهابية منذ أحداث 9/11، وأتساءل إذا لم تتورط الولايات المتحدة في جميع أشكالها المختلفة، في المخابرات والجيش والأمن الداخلي، وإنفاذ القانون، والدبلوماسية، في عمليات ضد الإرهابيين، أعتقد أننا كنا سنواجه بيئة مُروّعة للغاية؛ لأنهم كانوا سيستفيدون بشكل كامل من الفرص التي أُتيحت لهم في جميع أنحاء المنطقة“.
إذا لم تختر الولايات المتحدة بعض الدول لغزوها عن طريق رمي السهام في خريطة الشرق الأوسط، وتسليح أعداء الولايات المتحدة، وزعزعة استقرار الحكومات، والتورط في التعذيب وضرب المدنيين بطائرات بدون طيار، وتأييد الطغاة، وخلق حالة من الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ لكانت هناك بيئة مُرَوّعة للغاية. يشبه مدير الاستخبارات المركزية، الممثل الكوميدي كريس فارلي، وهو يعمل بطريقة خرقاء في الشرق الأوسط، غير مدرك تمامًا بحقيقة الدمار الذي يتبعه أينما ذهب، وحقيقة أن “فرص” الإرهابيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط كانت سانحة بعد التدخل الأمريكي. يبدو الأمر وكأنه يرفض الاعتراف بحقيقة أن إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين أحدثت فراغًا في السُلطة في العراق، أو أنّ سياسة الولايات المتحدة بتسليح عناصر إسلامية متطرفة في سوريا أسفرت عن قوة جديدة تملأ فراغ السُلطة من خلال ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
ويستطرد برينان: “لقد عملنا بشكل جماعي كحكومة ومع شركائنا الدوليين، وكانت محاولات صعبة للغاية، لكننا نجحنا في القضاء على العديد من الجماعات الإرهابية. هل هذه الإجراءات بمثابة تحذير لمن يريد أن ينضم إلى صفوفهم؟ بالتأكيد، هذا محتمل. أعتقد أنّها قلّصت عدد الإرهابيين في ساحة المعركة“.
يدرك مدير الاستخبارات المركزية، أنّه إذا كانت محاولات اغتيال 41 رجلًا بطائرات بدون طيار أدت إلى مقتل 1147 شخصًا، فإنّ هناك احتمالًا أنّ هذه السياسة قد تؤجج نيران الحرب. كل شخص من هؤلاء الضحايا الذي يصل عددهم إلى 1106 أشخاص، لديه عائلة. وإذا انضم فرد واحد من أسر هؤلاء الضحايا إلى التمرد أو أصبح متطرفًا، فإن تقديرات مدير الاستخبارات المركزية بأن عدد الإرهابيين يتناقص في ساحة المعركة غير دقيقة تمامًا.
كان برنامج تعذيب وكالة الاستخبارات في العراق السبب الرئيس في زيادة أعداد المقاتلين الأجانب في ساحات القتال في العراق. ولم يحصل البرنامج على أي معلومات استخبارية حقيقية.
وعندما سُئل عن موعد انتهاء الحرب على الإرهاب، قال برينان: “إنها حرب طويلة، للأسف. لكنها حرب كانت قائمة منذ آلاف السنين، استخدمت، في الوقت نفسه، العنف لأغراض سياسية ضد الجماعات السلمية من قِبل جهات تابعة للدولة أو جماعات تمثل الأقلية“.
لقد اتخذ الإرهاب أشكالًا عديدة على مر السنين. الأمر الأكثر تحديًا الآن، هو التكنولوجيا المتوفرة للإرهابيين، والدمار الكبير الذي يمكن إحداثه من قِبل حفنة من الأشخاص، وكذلك وسائل الاتصال الجماهيري التي تنشر كل هذه الأعمال الإرهابية والتحريض والتشجيع على الإرهاب؛ لذلك فأنت تواجه بيئة تساعد هذا النوع من جهود الدعاية والتجنيد، وكذلك القدرة على الحصول على الأدوات التي تقتل البشر. وأعتقد أنّ هذا سيكون شيئًا يجب علينا توخي الحذر منه. هناك شر في هذا العالم، وبعض الناس يريدون القتل من أجل القتل فقط.. وهذا شيء، سواء كان من هذه الجماعة الحالية أو من جماعة أخرى، أعتقد أننا نمتلك القدرة على إحداث الضرر والعنف والقتل لسنوات عديدة قادمة.
يجب علينا فقط ألا نغلق طريق الخروج من هذا الأمر؛ لأن ذلك لن يعالج هذه القضية. نحن بحاجة لوقف هذه الهجمات الحالية، ولكن يجب أيضًا معالجة بعض العوامل والظروف الكامنة وراء هذه الهجمات. أنا لا أقول إن الفقر هو السبب في أن يصبح الشخص إرهابيًا، أو الافتقار إلى الحاكمية، ولكنها عوامل تسمح بالتأكيد لهذه المنظمات الإرهابية أن تنمو وتستفيد من هذه الفرص.
ويرفض مدير الاستخبارات المركزية الاعتراف بأية مخاوف مشروعة للمعارضة، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لحرب لا نهاية لها من خلال إزالة إمكانية تغيير المناخ السياسي. دون الترويج لفكرة التغيير السياسي، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو الحرب. وفي ظل وجود وسائل الاتصال الجماهيري واسمرار الولايات المتحدة في تزويد المنطقة بالأسلحة، فإن الحرب سوف تستمر.
باختصار، الولايات المتحدة ليس لديها نية لتحقيق النصر. الحرب ستستمر طالما أنّ هناك أموالًا تُجنى من خلال الاستمرار في السياسات التي تؤجج المشاعر المعادية للولايات المتحدة. اعترف مدير الاستخبارات المركزية دون قصد أنّ جنودنا لا يموتون من أجل أمهاتهم أو من أجل فطيرة التفاح. إنهم يموتون من أجل شركة إكسون، وبوينغ، وشركة هاليبرتون.
كتب جورج أورويل ذات مرة: “ليس المقصود من شن الحرب هو تحقيق الفوز؛ بل يجب أن تظل مستعرة ومستمرة. لا يمكن تحقيق تسلسل المجتمع الهرمي إلا على أساس الفقر والجهل. هذا الإصدار الجديد هو الماضي نفسه، ولا يمكن أن يحدث ماض يختلف عن أي وقت مضى. جهود الحرب -من حيث المبدأ- هي دائمًا لإبقاء المجتمع على حافة الموت جوعًا. وتشن الجماعة الحاكمة الحرب ضد رعاياها، وهدفها ليس الانتصار على أوراسيا أو شرق آسيا، ولكن الحفاظ على هيكيلة المجتمع“.
منت برس نيوز – التقرير