بروكسل – كشفت مصادر مقرّبة من أروقة المفوّضية الأوروبية في بروكسل أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى إطلاق خطة تستهدف إعادة قراءة للعلاقات الأوروبية تستند على قاعدتين، الأولى تنهل من قرار الاتحاد التمسك بالاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 بين طهران ومجموعة 1+5، والثانية تضع في الاعتبار مهلة الـ120 يوما التي منحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأوروبيين لإيجاد مداخل لتصحيح هذا الاتفاق الذي يعتبره الأخير الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة.
واتهم وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان إيران، الاثنين، بعدم احترام جزء من قرار للأمم المتحدة يدعو طهران إلى الامتناع عن أيّ عمل على الصواريخ الباليستية المصمّمة لحمل رؤوس حربية نووية.
وفي كلمة أمام اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل قال لو دريان إن وزراء التكتّل وعددهم 28 سيجدّدون بواعث قلقهم بشأن أنشطة إيران في اليمن ولبنان وسوريا التي وصفها بأنها تزعزع الاستقرار.
وفي ظل تحذير الرئيس الأميركي ترامب بأن هذه آخر فرصة “لأسوأ اتفاق تم التفاوض عليه على الإطلاق” يتداول الأوروبيون الموقف بعد أن بدأت بريطانيا وفرنسا محادثات بشأن خطة لإرضائه بتناول تجارب إيران الصاروخية الباليستية ونفوذها في المنطقة مع الحفاظ على الاتفاق النووي.
وطالب الرئيس الأميركي في 12 يناير باتفاق مع الأوروبيين “لسد الثغرات الفظيعة” في النص المخصّص لمنع إيران من حيازة السلاح الذري، ويرى ترامب أنه لا يحل المسألة على المدى الطويل.
وفي حال عدم تشديد الاتفاق، ستعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي الإيراني، ما يوازي انسحابا بحكم الواقع من الاتفاق المُبرم في فيينا في 2015 إلى جانب القوى الكبرى الأخرى (الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) مع إيران، يهدّد بإعلان بموته.
جان إيف لو دريان: إيران لا تحترم قرار الأمم المتحدة للامتناع عن تطوير الصواريخ الباليستية
ورأت مصادر دبلوماسية أوروبية في العاصمة البلجيكية أن الأوروبيين عبّروا عن حرصهم على استمرار الاتفاق وهذا بحدّ ذاته يجب أن يُشكّل رسالة إيجابية أوروبية باتجاه إيران.
وأضافت المصادر أنّ على طهران ألاّ تنسى أن التحالف الأوروبي الأميركي هو أصيل وتاريخي وهو أهم من أي مصالح أوروبية مفترضة مع إيران، وأنّ على النظام الإيراني أن يتفهم أنّ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لن يُبقي أوروبا جزءا منه.
وقال وزير الخارجية الفرنسي في خطابه إنه “ستتاح لنا الفرصة أيضا لتأكيد موقفنا الصارم من التزام إيران بقرار الأمم المتحدة رقم 2231 الذي يفرض قيودا على تطوير القدرات الباليستية والذي لا تحترمه إيران”.
وقالت دوائر قريبة من وزارة الخارجية الفرنسية إن باريس عازمة على المضيّ في فتح باب الحوار مع طهران على الرغم من تباعد مواقف البلدين في ملفات عديدة أهمها برنامج الصواريخ الباليستية والسلوك الإيراني غير الإيجابي في الشرق الأوسط.
وأضافت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقود في أوروبا دبلوماسية جديدة يريدها مستقلة تمنح الاتحاد الأوروبي دينامية خاصة منفصلة عن حلفائه لا سيما الولايات المتحدة.
ولفتت هذه الدوائر أن المقاربة الفرنسية لملف العلاقة مع إيران يستند أيضا على علاقة جيدة ما بين ماكرون وترامب، وأن هذه العلاقة قد تكون مفيدة لإيران لإعادة تصويب علاقاتها مع أوروبا والعالم. وقال لو دريان، الأحد، إنه يريد السفر إلى إيران في مارس المقبل وإن فرنسا بدأت محادثات مع طهران لمناقشة برنامجها الصاروخي وأنشطتها في المنطقة، فيما رفض بهرام قاسمي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الاثنين، التلميحات بإجراء محادثات بشأن أيّ من القضيتين.
ونسبت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء إلى قاسمي قوله “إذا كان هناك مثل هذا التصريح (من وزير الخارجية الفرنسي) بأننا أجرينا محادثات فإننا ننفي ذلك. لم نُجر مفاوضات بشأن قدراتنا الصاروخية والدفاعية ولن نتحدث عن هاتين القضيتين مع آخرين”.
وأكد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الاثنين، في خطاب ألقاه أمام البرلمان الإسرائيلي أن الولايات المتحدة “لن تسمح أبدا” لإيران بحيازة سلاح نووي. وأشار بنس الاثنين في خطابه إلى أن “الاتفاق النووي مع إيران هو كارثة والولايات المتحدة الأميركية لن تصادق بعد الآن على هذا الاتفاق الخاطئ”.
وتابع “ما لم يتم تصحيح الاتفاق النووي الإيراني، قال الرئيس ترامب إن الولايات المتحدة ستنسحب فورا من الاتفاق النووي الإيراني”.
وتستبعد مصادر أميركية في واشنطن وجود تنسيق في إطلاق تصريحات نائب الرئيس الأميركي في إسرائيل وتلك التي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي في
بروكسل. إلا أن هذه المصادر رأت في ذلك دليلا على تطابق وجهات النظر الأوروبية الأميركية بشأن الأخطار التي تسبّبها إيران على أمن المنطقة وإن كان الخلاف بين الطرفين يدور حول الأسلوب والمقاربة الواجب اعتمادهما.
ويؤكد خبراء في الشؤون الإيرانية أن النظام الإيراني مضطر لعدم تغيير خطابه المتشدد إزاء أي تغيير يطال الاتفاق النووي، خصوصا بعد موجة المظاهرات التي اجتاحت المدن الإيرانية مؤخرا.
ويقول هؤلاء إن طهران تسعى إلى عدم إظهار أيّ مرونة قد يمكن فهمها في الداخل على أنها ضعف وتراجع.
ويضيف الخبراء أن طهران لا تملك إلا هذه اليد الأوروبية الممدودة منذ اللقاء الذي جمع في 11 يناير الجاري في بروكسل منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني وبعض وزراء خارجية إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا من جهة ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والذي أعلن من خلاله تمسك الاتحاد بالاتفاق، وأن إهمال إيران للخيار الأوروبي يقطع أيّ أمل بإعادة ربط الأوردة الاقتصادية الإيرانية مع بقية العالم.
العرب اللندنية