القاهرة – أعلنت زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون للقاهرة ضمن جولة إقليمية، انتهاء حقبة تراجع حاد في العلاقات المصرية الأميركية، وأظهرت استعداد الولايات المتحدة لتقديم تنازلات لحليفها الذي تسيطر عليه نزعة استقلال أزعجت واشنطن في بادئ الأمر.
وبدا من تصريحات تيلرسون تراجع عن نهج أميركي تقليدي تجاه وضع حقوق الإنسان المتراجع في مصر، كما أكد الوزير الأميركي، خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره المصري سامح شكري، أن الولايات المتحدة تتحول إلى مبدأ “عدم إملاء طريقة الحكم على أحد” الذي تبناه الرئيس دونالد ترامب منذ أن كان مرشحا.
وقالت مصادر في القاهرة لـ”العرب” إن المسؤولين الأميركيين ركزوا، في محادثاتهم مع نظرائهم المصريين، على مكافحة الإرهاب، الذي تحول إلى المحور الأساسي للنقاش الدائم بين الجانبين، وهو نهج تدفع القاهرة باتجاهه منذ صعود ترامب إلى الحكم.
والتقى تيلرسون بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الاثنين في قصر الاتحادية قبيل مغادرته القاهرة متوجها إلى الكويت. وتأتي الزيارة قبل بضعة أسابيع على الانتخابات الرئاسية المقررة في 26 مارس المقبل والتي من المرجح أن يفوز فيها السيسي بولاية جديدة.
وقال تيلرسون إن “الشعب المصري يعرف كيف يدافع عن حقوقه” في معرض الرد عن سؤال حول موقف واشنطن من اعتقال المرشح الرئاسي ورئيس الأركان السابق سامي عنان، إلى جانب انسحاب آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك الفريق أحمد شفيق، والمحامي الحقوقي البارز خالد علي.
وأكد على دعم بلاده للعملية العسكرية التي تقودها قوات الأمن المصرية في سيناء والدلتا والصحراء الغربية ضد تنظيمات إرهابية، لافتا إلى أن “مصر تواجه هذا المستوى من التطرف على مدار سنوات طويلة، وأن الولايات المتحدة شريكة لها في استجابتها وتعاملها مع هذه الهجمات”.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي في وقت أعلن فيه الجيش المصري القضاء على 12 فردا من العناصر الإرهابية خلال تبادل إطلاق نار، وإلقاء القبض على 92 آخرين، وتدمير العشرات من أهداف المتشددين في سيناء. ووفقا للبيانات العسكرية قتل نحو 28 إرهابيا منذ انطلاق العمليات الجمعة الماضية.
وزير الخارجية الأميركي يؤكد على دعم بلاده للعملية العسكرية التي تقودها قوات الأمن المصرية في سيناء والدلتا والصحراء الغربية ضد تنظيمات إرهابية
وحملت تصريحات الوزير الأميركي في باطنها تأييدا للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يستعد لخوض الانتخابات أمام مرشح حزبي فرصه معدومة، وسط اتهامات من المعارضة بقمع الحريات وتحويل الانتخابات إلى مسرحية.
وفي المقابل، قال شكري إن الولايات المتحدة هي الحليف الأهم بالنسبة لمصر، وأن “مصر تعطي أولوية لعلاقتها مع الولايات المتحدة، وترى أنها لا غنى عنها؛ لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وأظهر موقف مصر، التي قادت العام الماضي مشروعا في مجلس الأمن لمواجهة قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، اتساعا في الفجوة بين البلدين، كما ساور واشنطن قلق متزايد بعد إعلان موسكو عن قرب التوصل إلى اتفاق مع القاهرة يسمح بالاستغلال المتبادل للقواعد الجوية في البلدين.
وتحتاج الولايات المتحدة للنفوذ المصري على السلطة والفصائل الفلسطينية من أجل إقناعها بعودة الدور الأميركي كوسيط وحيد في عملية السلام، بينما يسعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس للبحث عن بديل للدور الأميركي.
وقال السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن الزيارة “تستهدف إقناع القاهرة بالضغط على عباس لتغيير موقفه من رعاية واشنطن لعملية السلام، لأن الولايات المتحدة ترى أن الحوار المباشر مع الأطراف العربية هو السبيل الأكثر جدية من أجل استئناف المفاوضات مرة أخرى”.
ويقول دبلوماسيون إن زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، التي قام بها الشهر الماضي إلى كل من مصر وإسرائيل والأردن فشلت في تغيير المواقف العربية إزاء قضية القدس خصوصا، كما أظهرت حجم التغيرات والقضايا التي لم يعد للولايات المتحدة دور مؤثر فيها.
وقالت مصادر في القاهرة لـ”العرب” إن المسؤولين المصريين ضغطوا على نظرائهم الأميركيين لإعادة النظر في تقليص حجم المساعدات الأميركية التي تتلقاها مصر كل عام.
ويتوجه تيلرسون بعد القاهرة إلى الكويت حيث يشارك في اجتماع وزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، وسيجري مباحثات مع مسؤولين كويتيين حول إعادة إعمار العراق.
كما سيزور عمان حيث يلتقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وبيروت للقاء الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري.
وسيزور بعدها أنقرة حيث سيجري محادثات من المتوقع أن تكون “صعبة” مع حليفة بلاده في حلف شمال الأطلسي خصوصا حول النزاع في سوريا.
العرب اللندنية