كيف نتعامل مع أكبر عقبة أمام إنهاء الحرب مع “داعش”؟

كيف نتعامل مع أكبر عقبة أمام إنهاء الحرب مع “داعش”؟

لكم من الغريب أن تكون أكبر عقبة أمام إنهاء الحرب ضد “الدولة الإسلامية” وبدء الاستقرار في سورية هي صديق أميركا المفترض وحليف الناتو: تركيا.
كان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، قد بذل آخر محاولة لتهدئة الرئيس التركي الغاضب رجب طيب أردوغان في اجتماع استمر لمدة ثلاث ساعات في أنقرة يوم الخميس. لكن النجاح في هذا المسعى قد يكون مهمة مستحيلة: فالاستجابة لمطالب تركيا ستجعل سورية أقل استقراراً وتطيل أمد خطر الإرهاب الإسلامي المتطرف هناك.
يقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن الهدف الأميركي الآن هو “الوصول إلى نعم” مع أردوغان. ولتحقيق هذه الغاية، وضعت الولايات المتحدة حزمة مبدئية تهدف إلى استرضاء الأتراك من خلال منحهم منطقة عازلة في جيب عفرين الكردستاني، وتسيير دوريات تركية أميركية مشتركة في منطقة منبج حيث هدد أردوغان بتوجيه “صفعة عثمانية” إذا لم تغادر القوات الأميركية المنطقة وتخفف تدريجياً من العلاقات الأميركية مع الميليشيات التي يقودها الأكراد والتي يزدريها أردوغان.
من أجل انتزاع اتفاق عن طريق التملق، أعد المبعوثون الأميركيون ما يرقى إلى “مخطط فين” من الدوائر المتقاطعة، والذي يوضح مدى تداخل المصالح الأميركية والتركية وكم هي متقاربة في المنطقة -فيما عدا القضية الكردية. ويشبه ذلك القول إن للزوجين مصلحة في البقاء متزوجين، سوى أن أحدهما يتهم الآخر بوجود علاقة. ومن المؤكد أن المصالح الأميركية والتركية يجب أن تتلاقى؛ ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تسجن تركيا مواطنين أميركيين، وتتهم واشنطن بإثارة انقلاب، وتنتهك العقوبات الأميركية ضد إيران؟
لا أحد يريد انفصالاً عنيفاً عن تركيا. ولكن، بعد مرور سبع سنوات من الحرب السورية الكارثية، يحتاج المراقبون إلى الاعتراف ببعض الحقائق الأساسية: لقد سمح الأتراك لآلاف الإسلاميين المتطرفين الأجانب بالتدفق إلى سورية وإقامة قواعد هددوا منها أوروبا والولايات المتحدة؛ وكان هؤلاء الإرهابيون سيظلون في عاصمتهم، الرقة، يخططون لمزيد من الهجمات، لو لم تعقد الولايات المتحدة شراكة مع ميليشيا قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي تكرهها تركيا كثيراً.
سوف تعني تلبية المطالب التركية التخلي عن قوات سورية الديمقراطية، التي خاضت القتال وواجهت الموت في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”. وحتى لو كانت الولايات المتحدة مستعدة لارتكاب هذا العمل اللاأخلاقي باسم السياسة الواقعية، فإن النتيجة ستكون قدراً أكبر من الفوضى في سورية، وليس أقل. وببساطة، ليس لدى الأتراك ما يكفي من القوة العسكرية المنضبطة والموثوقة لتحقيق الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية الآن. وكانت الولايات المتحدة لتخلق بالتخلي عن هذه القوات بلداً مستباحاً للجميع بطريقة تجعل لبنان يبدو مرتباً جداً بالمقارنة.
فيما يلي قائمة بالجنون السائد في ساحة المعركة السورية خلال الشهر الماضي: أسقطت إحدى المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة في سورية طائرة روسية باستخدام صاروخ صيني الصنع؛ وأسقطت القوات الكردية مروحية تركية باستخدام صاروخ إيراني الصنع. وأطلقت إيران طائرة من دون طيار إلى داخل إسرائيل، من خلال الأجواء السورية التي تقوم بمراقبتها روسيا؛ وقصفت إسرائيل 12 موقعاً في جميع أنحاء سورية انتقاماً. وربما أسفر رد الولايات المتحدة على هجوم مسلح مدعوم من روسيا على حقول النفط والغاز بالقرب من دير الزور عن مقتل العشرات من المرتزقة الروس، وأغرق بجثثهم المشرحة المحلية.
يحذر مسؤول كبير في البنتاغون من أن سورية تعصف بها الآن “قوى متقاربة ذات مصالح متباينة”. وقال ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة يوم الأربعاء إن هذه لحظة “عنيفة، ومقلقة، وخطيرة” مثل كل لحظة أخرى منذ أن تولى منصبه قبل أربعة أعوام.
فما هي الإجابة الممكنة لهذا المزيج السام؟ عدم تمكين تدخل تركي أعمق، بالتأكيد. وينبغي أن يمر الطريق إلى الأمام عبر تقدم مطرد وصبور للمفاوضات المتعثرة في جنيف، بهدف توسيع سلطة ونفوذ دولة سورية وجيش خضعا لعملية إصلاح. وبالنسبة للولايات المتحدة، سوف يعني ذلك أن تتحامل على نفسها وتعمل مع روسيا والنظام السوري -وهما شريكان غير جديرين بالثقة، لكنهما ضروريان.
من جانبها، اتخذت روسيا بالفعل خطوة إلى الأمام هذا الشهر من خلال صياغة دستور سوري جديد سيكون من شأنه أن يمنح الحكم الذاتي المحدود للمناطق الكردية في دولة سورية حديثة لامركزية. ومن شأن مسودة الدستور الروسية أن توفق بين المطالب الكردية والعربية، وينظر بعض المسؤولين الأميركيين إليها كأساس لإجراء محادثات جادة. لكن مسؤولين آخرين في الإدارة الأميركية ينظرون إلى روسيا بوصفها هادماً يستخدم تكتيكات “الطعم والتبديل” لتعزيز مصالحها ومصالح إيران على حساب الولايات المتحدة وحلفائها. أما ما يفضله الرئيس ترامب، فهو ما لا يعرفه أحد على وجه التحديد.
تبدو المشكلة الأساسية في هذه المرحلة الراهنة من الفوضى السورية مماثلة لما جلبنا إلى هنا في الأساس: الولايات المتحدة تمتلك أقوى قوة عسكرية، ولكنها لا تعرف ماذا تريد، سياسياً. وتركيا تنفجر وتشجب وتطالب بالدعم الأميركي، لكنها تفتقر إلى القدرة على تحقيق الاستقرار في المناطق التي تسعى إلى السيطرة عليها. وتمسك روسيا بعجلة القيادة، دبلوماسياً، لكنها لا تحظى بثقة ركابها وليس هناك بنزين يكفي في خزان الوقود المجازي.
إليكم هذه التجربة الفكرية: هل يجب حل قوات سورية الديمقراطية ذات القيادة الكردية، كما تريد تركيا؟ كلا! فمن شأن ذلك أن يخلق فراغاً في السلطة والمزيد من عدم الاستقرار. بدلاً من ذلك، يجب أن تصبح قوات سورية الديمقراطية جزءاً من جيش وطني سوري جديد -يعمل مع دمشق وواشنطن وموسكو، ونعم، حتى مع أنقرة.

ديفيد إغناتيوس

صحيفة الغد