تطرح مسألة المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على المراقبين أسئلة عاجلة منذ حادثة اختراق طائرة درون إيرانية الأجواء الإسرائيلية وما تبع ذلك من غارات إسرائيلية مضادة دمرت أهدافا سورية وإيرانية داخل الأراضي السورية.
تدور تلك الأسئلة حول احتمال تحوّل الاحتكاكات إلى حرب شاملة يمتد مسرحها على ميادين وبلدان عديدة، خصوصا أن دخول العامل الإيراني على خط التوتر مع إسرائيل، كما مع الولايات المتحدة، يعطي أي حرب يمكن أن تتورط بها إسرائيل أبعادا ما فوق ثنائية تختلف عن تلك التي خيضت في السنوات الأخيرة ضد لبنان أو ضدّ قطاع غزة.
ورغم أن الفعل الإيراني ورد الفعل الإسرائيلي استغرق عدة ساعات، ورغم تدخل العواصم الكبرى، ولا سيما موسكو، لتهدئة الجبهات، إلا أن الحدث أظهر مقدار الانتشار الإيراني في الداخل السوري وحجم رهانات طهران على وجودها في ذلك البلد.
وتنشر إيران فوق الأراضي السورية ما تطلق عليهم بالمستشارين لدعم النظام السوري. ينتمي هؤلاء إلى الحرس الثوري ولا سيما فيلق القدس الذي يقوده اللواء قاسم سليماني الذي يجاهر بالظهور علنا متفقدا رجاله هناك. وعسكريا، تعمل إيران معتمدة على الآلاف من المقاتلين الذين ينتمون إلى ميليشيات محلية كما تلك القادمة من أفغانستان والعراق ولبنان.
ونشرت طهران أيضا أحدث التقنيات العسكرية وخصوصا تلك المتعلقة بالطائرات المسيّرة كتلك التي دخلت الأجواء الإسرائيلية.
ويتأسّس القلق من اشتعال حرب كبرى أو احتمال أن تحرك إيران ميليشياتها التابعة في بلدان عديدة بالمنطقة ضمن ما يعرف بـ”محور المقاومة” ودفعها داخل أي مواجهة مع إسرائيل. والأمر ليس احتمالا تهدد إيران به، بل هو جزء من المعطيات التي تضعها أيضا إسرائيل ذاتها في الحسبان.
ويعتبر كامل وزنة، مؤسس مركز دراسات الاستراتيجيات الأميركية، أنه “إذا ما نشبت الحرب فستكون إقليمية تشمل جبهة المقاومة ضد إسرائيل وداعميها”. على هذا يعتبر الباحث اللبناني أن الحرب لن تكون مع إسرائيل فقط، بل ستشمل كل الوجود “الممانع” في كل المنطقة.
وبغض النظر عن إنشائية الأمر من حقيقته، فإن ما استثمرته إيران من جهد عسكري في سوريا لا بد أنه جزء من معركة وجود بالنسبة لطهران، ما يعني أن تهديد نفوذ إيران في لبنان قد يتم الدفاع عنه في سوريا والعراق وبلدان أخرى.
وفيما بدأ التدخل الإيراني العسكري لدعم نظام بشار الأسد إثر اندلاع الأزمة عام 2011، فإن القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها كانت سندا على الجبهات ضد كافة الميليشيات المعارضة وتلك الجهادية التابعة لتنظيم داعش.
وتعتقد صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أنه بعد أن انقلبت الموازين العسكرية لصالح النظام، فإن القوى العسكرية الخاضعة لطهران حوّلت وجودها من رفدٍ للنظام ضد المعارضة إلى وجود بات يهدد إسرائيل. وتتابع الصحيفة أن إيران تستمر في دعم مقاتلين من سوريا والعراق ولبنان لتشكيل قوة رادعة في حال نشوب حرب جديدة مع إسرائيل.
ويقول سعيد أمير توماج، وهو باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، إن “الهدف الأسمى، في حال نشوب حرب أخرى، هو تحويل سوريا إلى جبهة جديدة في الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وأن الأمر لم يعد هدفا بل بات حقيقة”.
ولا يخفي زعماء إيران منذ سنوات عملهم على بناء “محور المقاومة” ضد إسرائيل والنفوذ الأميركي في المنطقة. ولا تعتمد الاستراتيجية الإيرانية على القوى العسكرية الكلاسيكية، بل على بناء شبكات مع قوى محلية تقدم لهم الدعم العسكري والمالي.
ويعترف المراقبون أن إيران ومن خلال استراتيجيتها هذه تمكنت من رفع مستوى التحديات ضد أعدائها ووسعت نفوذها داخل العالم العربي، فيما نجحت في المقابل في تقليل الأخطار ضد الأراضي الإيرانية نفسها.
ويقول خبراء أميركيون في شؤون الشرق الأوسط إن إيران نجحت في رفع مستوى الأخطار ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ومنطقة الخليج، ولا سيما السعودية، وهو أمر ترى نيويورك تايمز أنه يقف وراء الجهود التي تبذلها تلك الدول بالعمل كل من جهته على التصدي لإيران وسياستها المقلقة.
وبدأت مصادر إسرائيلية تتحدث عن احتمال نشوب أول حرب شمالية، بما يعني أن الحرب المقبلة ستشمل جبهتي سوريا ولبنان.
وتقول هذه المصادر إن الأخطار لا تأتي فقط من الميليشيات الجديدة التي تحركها طهران بل من قيامها بتزويد حزب الله بتقنيات عسكرية بإمكانها ضرب أهداف حساسة داخل إسرائيل، وإن إرسال الدرون الإيرانية مؤخرا لاختراق الأجواء الإسرائيلية هو نموذج مما تملكه إيران من تقنيات حديثة باتت تسبب قلقا لجنرالات الأمن الاستراتيجي في إسرائيل.
والقلق ليس إسرائيليا فقط، بل ينسحب على الولايات المتحدة. فمستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر اعتبر في تصريح له خلال مؤتمر الأمن في ميونيخ أن “ما هو مقلق في قيام هؤلاء الوكلاء هو أن إيران توزع ما تملكه من تقنيات أسلحة الدمار الشامل داخل هذه الشبكات”. قبل أن يضيف أن “الوقت قد حان ليس لكي نفكر بل لكي نتحرك ضد إيران”.
وتتطابق استراتيجية إيران في سوريا مع تلك التي اعتمدتها في لبنان. فقد أنشأت منذ ثمانينات القرن الماضي حزب الله الذي هيمن على البلد وأضحى قوة إقليمية كبرى منذ أن التحق بالحرب في سوريا والعراق واليمن.
ويأخذ الخبراء بالاعتبار أن الشبكة الإيرانية السورية اللبنانية تضاف إلى تلك التي بنتها في العراق من خلال أحزاب وميليشيات تابعة لها داخل النظامين السياسي والاقتصادي للبلد. ومكنت الحرب في سوريا إيران من ربط ميليشياتها في المشرق بعضها ببعض على نحو جعل من معاركها واحدة أيا كانت جغرافية الجبهات.
ويقول علي آلفونه، وهو باحث في المجلس الأطلسي، إن “الميليشيات التابعة لإيران لم تنسحب بعد أن مالت الكفة العسكرية للأسد بل بقيت وحولت مواقعها باتجاه إسرائيل”، فيما يؤكد علي رزق، وهو باحث لبناني في موقع المونيتور الأميركي، إن “وجود إيران جنوب سوريا يسير على منوال وجود حزب الله في جنوب لبنان”. بما يعني أن إيران تريد لها تواجدا عسكريا يكون على تماس مع الحدود السورية الإسرائيلية بما يجعلها رقما صعبا ليس فقط في أي تسويات تنتظر سوريا، بل أيضا في أي تسويات تطال مستقبل إسرائيل.
وفيما تتراوح التقديرات ما بين الآلاف ومئات الآلاف من المقاتلين التابعين لإيران في سوريا، تحدد إحصاءات موضوعية حجم الوجود العسكري الإيراني في سوريا بحوالي 20 ألف مقاتل بينهم 6 آلاف ينتمون إلى حزب الله.
وترى مراجع عسكرية أن جهود العواصم للتهدئة في الوقت الحالي لن يمنع انفجار حرب كبرى، خصوصا عندما ترى إسرائيل أنه لا بد منها للتخفيف من الخطر الإيراني أو تأجيله على الأقل شمال البلاد، وعندما ترى إيران أنها باتت ضرورية للدفاع عن حصتها الإقليمية المهددة بالتآكل من قبل كل العواصم الإقليمية كما الدولية (بما في ذلك موسكو) المعنية بمستقبل المشرق كما راهنه.
صحيفة العرب اللندنية