على وقع الانتهاكات المروعة بحق المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية لليوم السادس على التوالي، ومقتل 70 مدنيا بقصف للنظام السوري على الغوطة الشرقية خلال 24 ساعة، ووسط تعامي الأمم المتحدة ودول العالم عن الجرائم التي ترتكبها موسكو والنظام، لم يتمكن أعضاء مجلس الأمن الدولي من التصويت خلال جلستهم، أمس، التي امتدت لأكثر من ساعتين، على مشروع قرار بشأن فرض هدنة إنسانية في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، حيث اشترط وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لدعم بلاده مشروع القرار، وجود ضمانات، وذلك في مؤتمر صحافي عقده عقب لقائه نظيره الأوزبكي، عبد العزيز كاملوف، في العاصمة موسكو، أمس.
وتأجل التصويت على مشروع القرار بسبب التعنت الروسي. وكان لافروف تطرق إلى مشروع القرار الذي تقدمت به الكويت والسويد، ويدعو لفرض هدنة إنسانية لمدة شهر في الغوطة الشرقية في ريف دمشق. وقال: «ندعم المشروع»، مستدركاً «لكن ليس هناك ما يضمن التزام المسلحين (المعارضين) به وعدم مهاجمتهم دمشق». وأشار إلى أن روسيا على استعداد للتشاور حول صيغة يقترحونها (في مجلس الأمن) لتسوية الوضع في الغوطة بشكل حقيقي. وتابع لافروف: «اقتراحنا يستند إلى وقف إطلاق النار من خلال ضمانات من داخل الغوطة الشرقية والجهات الفاعلة الخارجية (لم يسمها)». وأضاف «من أجل تطبيق مشروع القرار، يجب تقديم ضمانات من الجهات التي لها نفوذ على المسلحين»، دون مزيد من التوضيح.
وتطرق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الجمعة، إلى حملة القصف الكثيفة التي يشنها النظام السوري على معارضيه في الغوطة الشرقية قرب دمشق، معتبرا ان موقف روسيا وايران في سوريا هو «عار».
وقال ترامب في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض «ما قامت به روسيا وايران وسوريا اخيرا هو عار على الإنسانية»، مضيفا «ما قامت به هذه الدول الثلاث لهؤلاء الناس (سكان الغوطة الشرقية) (…) هو عار».
وفي سياق متصل، اعتبر وزير الخارجية الروسي أن «مباحثات أستانة تفشل خطط الولايات المتحدة لتقسيم سوريا». وتابع «ولهذا السبب، يقوم الأمريكيون بكل شيء للتقليل من شأنها (مباحثات أستانة)».
وكانت قوات النظام وحلفاؤه استهدفت الغوطة الشرقية لليوم السادس بالقذائف والصواريخ والغارات الجوية، وحصدت أرواح العشرات من المدنيين، في أعنف هجمة ضد المدنيين. كما استهدفت 24 مركزاً طبيا خلال 5 أيام، الأمر الذي حد بشكل كبير من قدرة الكوادر الطبية على الاستجابة، فيما خرج عدد من هذه المنشآت المستهدفة عن الخدمة، والبعض الآخر اضطر لتخفيض استجابته.
وذكر الطبيب محمد كتوب من مدينة دوما، أن نحو 40 في المئة من القدرة على الاستجابة الطبيبة حالياً مفقودة، بالإضافة إلى عدم القدرة على الحركة بسبب سياسية الأرض المحروقة التي يتبعها النظام السوري وحلفاؤه، فسيارات الإسعاف لا تملك القدرة على التنقل او نقل المصابين من موقع الاستهداف إلى النقاط الطبية.
الناشطة الإعلامية ميمونة العمار من أهالي الغوطة الشرقية المحاصرين، دونت على صفحتها الشخصية على «فيسبوك»: «رسالتان ربما تكونان الأخيرتين لهذا العالم، واحدة عاجلة والثانية استراتيجية لكنها عاجلة أيضاً»، وكتبت «إلى دعاة اللاعنف والسلام الصادقين المؤمنين من ذوي الدماء الزرقاء وأبناء الدول الكبرى ولا أقصد هنا الإساءة وإنما أصف واقعاً أن هناك حلاً لوقف شلال الدماء في الغوطة وغيرها. إذا وجد فدائيون منكم كما كانت راشيل كوري التي وقفت أمام تجريف بيوت الفلسطينيين واستطاعت منع ذلك حينها أو تأجيله على الأقل والحد منه إلى أمد، لا يمكننا سوى تصور أن أنهار دمائنا ربما من ماء، عندما ننظر إلى ردة الفعل المختلفة فيما لو كان أحد منكم عرضة للخطر أو سالت قطرة من دمه».
الثانية وهي الأهم، بحسب الرسالة «عملكم أيها الدعاة في كل حين وبلا مناسبات لإلغاء باطل (حق) الفيتو من مجلس الأمن، الذي يسمح لقليل من البشر بالتحكم بمصير غالبية البشر. وهو ما منع في كثير من الحالات ردع المجرمين من ارتكاب جرائمهم على مر التاريخ منذ إعلانه، ربما لا تتمكنون من إنقاذ الإنسان في الغوطة أو في سوريا اليوم لكن ذلك سينقذ حتماً ملايين من المستضعفين مستقبلاً، ويجعلنا أهلاً لتكريم الله للإنسان، إخوتي في المبدأ لا أقصد من كلماتي تحميلكم المسؤولية أو لومكم أو المزاودة عليكم، إلا إنني طرحت ما رأيت أنه يمكن أن يحدث فرقًا في مأساة الإنسانية، ولمن يرغب منكم بالمساعدة».
وأجمعت آراء ناشطين ومعارضين على لوم الأمم المتحدة بسبب عجزها عن إيجاد حل جدي رادع للنظام السوري وحلفائه الذين يتعمدون قتل 400 ألف مدني محاصر وتعذيبهم ومنع أبسط الحقوق عنهم، حيث يجمع المعارضون للنظام السوري على تعامي الأمم المتحدة ودول أصدقاء الشعب السوري عن هذه الجرائم وأهمها استهداف الجرحى والمرافق الطبية وقتل الأطفال بشكل متعمد.
ناشطون من محافظة اللاذقية الساحلية أعلنوا بياناً بعنوان «أهل مكة أدرى بشعابها»، مطالبين فصائل المعارضة المسلحة العاملة في ريف اللاذقية، باستهداف مراكز النظام الأمنية نصرة لريف دمشق. من جهته كرر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أمس الجمعة، دعوته لوقف إطلاق النار في ريف دمشق، وذلك قبيل ساعات من انعقاد جلسة لمجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار لفرض هدنه إنسانية لمدة شهر واحد.
الخارجية الأمريكية حمّلت موسكو مسؤولية جرائم الغوطة الشرقية، حيث قالت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر ناورت، إن «روسيا هي المسؤولة عما يحدث في الغوطة الشرقية من مأساة إنسانية».
من جهتها حثت أنقرة، أمس الجمعة، كلاً من روسيا وإيران على وقف الغارات التي يشنها النظام السوري منذ يوم الأحد على الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 400 مدني. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو إن «على روسيا وإيران وقف النظام السوري»، معتبراً أن الهجوم على الغوطة ومحافظة إدلب الخاضعة كذلك لسيطرة المعارضة يتعارض مع الاتفاقات التي توصلت إليها أنقرة وموسكو وطهران في إطار المحادثات التي جرت في أستانة.
القدس العربي ووكالات