استغرب الرأي العام العربي الاتفاق الأخير لتزويد مصر بالغاز الإسرائيلي، وقبله الاتفاق لتزويد الأردن بالتزامن مع حملة عالمية للمقاطعة. وما زاد الدهشة، توقيع اتفاق التصدير إلى مصر بالتزامن مع النزاع اللبناني- الإسرائيلي حول أجزاء من القطع اللبنانية البحرية 8 و9 و10، على رغم إصرار لبنان، المعزز بالوثائق والخرائط، على أن القطع تلك ملكه، وكذلك على رغم إعلان السلطات المصرية بعد بدء الإنتاج من حقل «ظهر»، أن الإنتاج المصري أصبح كافياً للطلب المحلي على الغاز، ما يعني أن لا حاجة الى استيراده. وتم توقيع الاتفاق مع الأردن في الفترة ذاتها التي تصاعدت معها الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل. تطرح الاتفاقات الحالية وتلك المتوقعة لاحقاً، أسئلة عدة حول دور العلاقات «الغازية» بين إسرائيل والدول العربية.
فهل نحن في صدد مرحلة جيوسياسية كانت محظورة أم تجربة ينمو خلالها التبادل التجاري مع إسرائيل ببلايين الدولارات؟ واضح أن الاتفاقات عُقدت مع دول عربية لديها معاهدات سلام مع إسرائيل، إضافة الى اتفاق غُضّ النظر عنه مع السلطة الفلسطينية لتزويد محطة كهرباء جنين المزمع تشييدها، غازاً إسرائيلياً.
وستكون هذه المحطة الكهربائية الوحيدة في الضفة الغربية. واستغلت الولايات المتحدة الفرص لدعم اتفاقات السلام العربية – الإسرائيلية وتمتينها، من خلال تصدير الغاز الإسرائيلي الى الدول الموقعة على اتفاقات السلام. ومعلوم أن الموارد الهيدروكربونية في الأردن ضئيلة، ولحقت أضرار جسيمة بالاقتصاد الأردني نتيجة توقف صادرات الغاز المصرية إثر التفجيرات المتعددة لمحطة الضخ في العريش. أما مصر، فاضطرت بسبب اضطرابات 2011 وعدم التمكن من تسديد التزاماتها المالية للشركات النفطية، الى التوقف أو التأخر عن التطوير والإنتاج، ما أدى الى وقف كل الصادرات الغازية. ولم تستقر صناعة الغاز المصرية حتى آب (أغسطس) 2015، عند اكتشاف حقل «ظهر» العملاق الذي أحدث تغيراً مفصلياً في صناعة الغاز المصرية.
وبدأ الإنتاج من «ظهر» في النصف الثاني من كانون الأول (ديسمبر) 2017. وتبلغ احتياطاته نحو 30 تريليون قدم مكعبة، ويستطيع أن يغطي وحده الحاجات المصرية حتى 2027، كما تشير مصادر أخرى الى قدرة الحقل على إنتاج 2.9 بليون قدم مكعبة يومياً لمدة 15 سنة. فلماذا الاستيراد من إسرائيل اذاً؟ أدى وقف مصر منشآتها الغازية التصديرية، الى إخلال بالعقود لتسليم الغاز إلى محطات التسييل التي تصدّر الغاز المسال إلى أوروبا. واتفاق تصدير الغاز بين «نوبل أينرجي» و «مجموعة ديليك» لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى شركة «دولفينوس» المصرية الخاصة، هو لتزويد إحدى محطتي التسييل بإمدادات الغاز.
والمحطة تستلم الغاز الإسرائيلي لتسييله وتصديره، من دون استهلاكه محلياً. ويتم تصدير الغاز من إسرائيل عبر خط عسقلان – العريش المتوقف عن العمل منذ العام 2012.
ما يعني أن مصر ستستطيع إعادة تشغيل منشآت بترولية حيوية بعد سنوات من توقفها. ووفقاً لمسؤولين مصريين في القطاع، فإن اتفاق التصدير يتضمن إعفاء مصر من المستحقات المالية المترتبة عليها نتيجة وقف الضخ خلال السنوات الماضية، ما يعني تفادي خسائر ببلايين الدولارات. وعلى رغم أن الأمر لا يزال في حاجة إلى تدقيق، فإن إعادة تشغيل هذه المنشآت بالغاز الإسرائيلي المستورد، تُعتبر جزءاً من الجهود لجعل مصر مركز صناعة الغاز الشرق أوسطية.
وتستفيد إسرائيل من توقيع عقود «البيع والشراء» تلك، كونها أخفقت في التعاقد مع شركة أوروبية لشراء الغاز الإسرائيلي. ومن دون العقود مع الأطراف العربية، لا تستطيع الشركات النفطية العاملة في إسرائيل اقتراض بلايين الدولارات الضرورية لتطوير الحقول الضخمة (كلفة تطوير حقل «لفايتان» 12 بليون دولار وحقل «تامار» 6 بلايين). والشركتان «نوبل أينرجي» و «مجموعة ديليك» هما المسؤولتان عن تطوير الحقلين في الفترة الزمنية ذاتها. والشركتان في حاجة الى سيولة مالية لتنفيذ التزاماتهما. ومن دون العقود التي تعتبر الضمانات اللازمة للحصول على الديون، لا يمكن تطوير الحقول. بمعنى آخر، لولا العقود العربية لما كان من الممكن تطوير الحقول الإسرائيلية في موعدها.
في الوقت ذاته، لإسرائيل أطماع في الموارد العربية أدت إلى خلافات، مثل التجربة مع السلطة الفلسطينية في بحر غزة، حيث اكتشف حقل «غزة مارين» عام 2000 وإسرائيل تعارض تطويره وتمنعه، كما تحاول ضم أجزاء من القطع اللبنانية البحرية الجنوبية 8 و9 و10.
وليد خدوري
صحيفة الحياة اللندنية