فجأة بثت وسائل الإعلام السعودية الرسمية أوامر ملكية بإقالة عدد من أبرز المسؤولين العسكريين في البلاد من بينهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة وقائد قوات الدفاع الجوي، دون توضيح أسباب هذه التغييرات المفاجئة في المؤسسة العسكرية.
وشملت هذه التغييرات إنهاء خدمات رئيس هيئة الأركان الفريق أول عبد الرحمن بن صالح البنيان الذي حل محله الفريق الركن فياض بن حامد الرويلي بعد ترقيته، وتضمنت أيضا إحالة قائد قوات الدفاع الجوي الفريق الركن محمد بن عوض سحيم إلى التقاعد، في حين عين الفريق الركن جار الله بن محمد العلوي قائدا لقوة الصواريخ الإستراتيجية.
وبموجبها أيضا عين الفريق الركن تركي بن بندر بن عبد العزيز قائدا للقوات الجوية، وعين الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز قائدا للقوات المشتركة (وكان قائدا للقوات البرية)، وعين شقيقه فيصل بن تركي مستشارا في الديوان الملكي برتبة وزير.
وشملت الأوامر الملكية عدة تغييرات في أمراء المناطق ونوابهم، حيث تم إعفاء الأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز من منصبه بصفته أميرا لمنطقة الجوف (بناء على طلبه)، وتعيين الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز خلفا له بمرتبة وزير، في حين تم تعيين فيصل بن مقرن بن عبد العزيز نائبا لأمير منطقة حائل.
ورغم أن هذه التعديلات جاءت “مرسلة” دون توضيح أسبابها وخلفياتها فإن قراءة السياقات السياسية والعسكرية والأمنية ربما تعين على كشف جزء من مستورها، وتوضح بعضا من مكنونها.
ارتدادات الحرب اليمنية
لا يستبعد بعض المراقبين أن تكون لهذه التغييرات العسكرية علاقة بالأوضاع في اليمن بعد سنوات من التعثرغرد النص عبر تويتر والارتباك وعدم القدرة على الحسم، سواء في ظل عاصفة الحزم أو تحت يافطة “إعادة الأمل”.
وقد باتت هذه الحرب المستعرة وتداعياتها الإنسانية والاجتماعية كابوسا يطارد المسؤولين السعودية في أروقة الهيئات الأممية والمحافل الدولية.
وبالنظر إلى أن هذه التعديلات جاءت عشية زيارة ينوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القيام بها إلى بريطانيا وفرنسا وأميركا، وهي أول زيارة خارجية له منذ توليه منصب ولي العهد فلا يستبعد أن تكون التعديلات جاءت خطوة استباقية ضمن الترتيبات التي يقوم القصر الملكي السعودي في وجه زيارة تزداد الخشية داخل الأروقة السعودية من تعرضه فيها لضغوط ومساءلات وربما احتجاجات ومظاهرات على خلفية حرب اليمن وما تركته من مآس إنسانية وجروح غائرة في الضمير العالمي.
ترتيبات داخلية
ومع وجاهة الطرح القائل إن هذه التغييرات تمثل جزءا طبيعيا من ارتدادات الحرب العسكرية في اليمن يبدو في الأفق سيناريو آخر يرجح أصحابه أنها تمثل في المقام الأول محطة من محطات تهيئة الأرضية السياسية والعسكرية والأمنية أمام تولي ابن سلمان زمام الأمور بالبلاد.
وتقول صحيفة التايمز في تقرير لمراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر إن تلك التغييرات وما تضمنته من عزل لقادة عسكريين كبار تمثل محاولة لتعزيز وتقوية موقع الأمير محمد بن سلمان في الداخل، وهو الذي شعر بالتهديد منذ اعتقاله عددا من الأمراء ورجال الأعمال بتهم تتعلق بالفساد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويشير سبنسر إلى أن التعيينات الجديدة في مواقع حساسة داخل القوات المسلحة قد تمنح الأمير ابن سلمان ثقة إضافية قبل مغادرته البلاد في أول زيارة خارجية منذ تسلمه منصب ولي العهد.
وطالما تساءل معارضون ومغردون عن أسباب إحجام ابن سلمان عن القيام بزيارات خارجية وحضور قمم ومناسبات مهمة نظمت خلال الشهور الماضية، وتغيب عنها الملك السعودي وولي عهده معا.
وبينما يرفض الموالون للسلطة في السعودية تفسير ذلك بتخوف أو خشية داخلية ذات صلة بآليات الحكم وطرق الوصول إليه في البلاد يرى معارضون أن الخلافات داخل الأسرة الحاكمة التي وصلت مرحلة غير مسبوقة في الشهور الماضية تشيع مستوى من عدم “الاطمئنان” داخل القصر الملكي، خصوصا بعد إقالة محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله وقبلهما مقرن بن عبد العزيز، واعتقال مئات من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال.
ورغم ما ظلت تتسم به المناصب العليا العسكرية والسياسية في السعودية من ثبات واستقرار فقد عصفت بها موجات التغيير والتعديل منذ بدء مسلسل تولي ابن سلمان السلطة، حيث استدعى ذلك إزاحة اثنين من ولاة العهد هما مقرن بن عبد العزيز، ومحمد بن نايف الذي كان ينظر إليه على أنه من أقوى رجال الأسرة الحاكمة، هذا فضلا عن إقالة وتجريد عدد من الأمراء والقادة العسكريين الآخرين من مناصبهم.
تطوير وتحديث
بالنسبة إلى المقربين من السلطات السعودية فيرون أن هذه التغييرات تأتي في إطار مساعي المملكة لتطوير وزارة الدفاع ضمن إستراتيجية ورؤية جديدة.
ونقلت وكالة رويترز عن المحلل السياسي السعودي أحمد الطويان قوله للتلفزيون السعودي الرسمي إن التعيينات الجديدة تضخ دماء جديدة في الحكومة المحلية، كما تضع قادة شبانا بمناصب عسكرية كبيرة.
وبغض النظر عن الخلفيات والدوافع الحقيقية لهذه التغييرات وما سبقها من تغييرات مشابهة فالظاهر أنها أكثر من مجرد ضخ لدماء جديدة وأعمق من كونها مجرد تغييرات روتينية، والواضح أنها تمثل في حدها الأدنى تعزيزا للسلطات وتقوية للتحالفات داخل البيت الحاكم في ظل التحولات العميقة التي تشهدها البلاد منذ عدة شهور.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية