بين تكسير الأثاث لتحويله خشبا للتدفئة والخروج من الأقبية تحت الأرض لالتقاط الأنفاس بعيدا عن رائحة المجاري والرطوبة يقضي المحاصرون في الغوطة الشرقية الساعات الخمس التي اختزلت روسيا بها هدنة الثلاثين يوما التي قررها مجلس الأمن الدولي السبت الماضي.
وفيما شكت الأمم المتحدة ذاتها يوم أمس خلال جلسة في مجلس الأمن الدولي من عدم كفاية هدنة الساعات الخمس لإدخال المساعدات للغوطة يحاول السوريون قدر المستطاع الاستفادة منها.
في اليوم الـ11 لهم تحت الأرض بدأ السوريون في مدن وبلدات الغوطة يعتادون على نمط جديد من الحياة، فبعد أن ألفوا الحياة تحت الحصار المستمر منذ خمسة أعوام باتت حياة آلاف العائلات في الأقبية تحت الأرض نمطا جديدا في حياتهم.
وتصف شهادات سكان في الغوطة عبر منصات التواصل -على قلتها- ما يفعله المدنيون المحاصرون خلال ساعات “الهدنة الروسية”، وتولت مهمة الكتابة ناشطات اعتدن أن ينقلن صور الحياة هناك بما يتوفر لهن من تغطية إنترنت محدودة وشحن بطاريات هواتفهن.
قصة الهدنة
بكلمات لا تخلو من السخرية تكتب الناشطة نيفين حوتري -التي باتت واحدة من أهم الأصوات التي تخرج من الغوطة- تصورها لكيفية توصل الروس لهدنة الساعات الخمس.
وتقول في منشور بحسابها على فيسبوك قبل يومين إن الطيارين الروس الذين يقصفون الغوطة اشتكوا من عدم توقفهم ليلا أو نهارا فطالبوا قيادتهم بإجازة ليرتاحوا قليلا.
وتتابع أن رئيس الطيارين حاول رفض طلبهم لكنهم أصروا، وتضيف “مالكن بطول السيرة.. بعتوا ورا طيار بديل يجي يستلم هل سما، دلوهن على واحد.. بس عيبه انو ملتزم بشغل تاني من الساعة 9 لـ 2، قالوا له تع استلم سما الغوطة ولا تترك حجرا على حجر، خبرهن إنو موافق بشرط يفرغوله الساعات يلي ملتزم فيهن بعمله الثاني”.
وتضيف “فكروا كتير شلون بدهن يبررو الغياب.. طلع معهن أفضل طريق لقوها إنو يعلنوا هدنة بنفس التوقيت..”.
وطالبت حوتري أول أمس الثلاثاء بأن يسأل أحد ما الطيار الروسي الذي يواصل القصف على أي توقيت تبدأ الهدنة عنده، وقالت إن الطيار مستمر بالقصف على الرغم من مرور ساعتين ونصف على موعد الهدنة الذي أعلنته موسكو، والذي يبدأ يوميا الساعة التاسعة صباحا.
خشب الأثاث
وكتبت حوتري أمس الأربعاء كيف استغلت هدنة الساعات الخمس التي لا يهدأ فيها القصف كثيرا لتكسير أثاث بيتها لاستخدام الخشب في التدفئة والطهي.
”
ليلى بكري: بهالخمس ساعات الناس بتطلع للشوارع، وبتشم ريحة الهوا النظيف اللي ما في ريحة مجاري، صحيح ريحة الموت معبقة بالجو بس بتظل أحسن من المجاري، بيأمنوا اللي بيقدروا عليه ليقدروا يعيشوا كمالة اليوم وينطروا الخمس ساعات تبع اليوم الي بعدو، عم يحقلنا نعيش حياة ربع طبيعية بخمس ساعات بس!
”
وقالت “اليوم اضطريت حوّل الطاولات ببيتي لخشب حتى نشغل الصوبيا ونطبخ، يعني عم احرق أثاث بيتي، الطاولة بتتعوض.. وكل شي بيتعوض، بس كرامة وضمير ومصداقية يلي خذلونا بحياتها ما رح تتعوض”.
وشرحت “معلومة مفيدة للناس يلي لسا ما بتعرف: النظام من خمس سنين محاصر الغوطة وما بسمح للوقود وغيره يفوت عالغوطة، لذلك نحنا بنتدفا ونطبخ على الحطب”.
فيما اختارت الناشطة ليلى بكري الحديث عن كيفية استغلال سكان في الغوطة الهدنة للخروج من القبو الذي باتوا يقيمون فيه بشكل متواصل، فتقول “كل يوم خمس ساعات بيهدى القصف شوي، صحيح هالهدوء يتضمن طيران استطلاع وحربي وراجمات وقذائف بس انو الشهادة لله هدوء”.
هواء نظيف
وتقول “بهالخمس ساعات الناس بتطلع للشوارع، وبتشم ريحة الهوا النظيف، اللي ما في ريحة مجاري، صحيح ريحة الموت معبقة بالجو، بس بتظل أحسن من المجاري، بيأمنوا اللي بيقدروا عليه ليقدروا يعيشوا كمالة اليوم وينطروا الخمس ساعات تبع اليوم الي بعدو، عم يحقلنا نعيش حياة ربع طبيعية بخمس ساعات بس!”.
وقبل أيام كتبت بكري عن اليوم الأول للهدنة التي كان يجب أن يبدأ تطبيقها في الغوطة، وعما كانت تخططه لهذا اليوم الذي لم يهدأ فيه القصف.
فكتبت “اليوم كان المفروض يكون هدنة!!!، فقت الصبح بكير وأنا لسا قاعدة بالقبو بفرشتي عم اتخيل بالحيطان كيف رح قوم ضب أغراضي كلها، واحملهم وارجع على بيتي، ضب ونضف وأمسح وأجلي وأغسل غسيل”.
وتصف بكري كيف خططت لعمل حفلة صغيرة تحتفل فيها بعيد ميلاد صغيرتها “إيلينا” التي صادف عيد ميلادها في 21 يناير/كانون ثاني الماضي وحالت الظروف في الغوطة من عملها سابقا.
حفلة إيلينا
وكتبت “بدي أعمل ولو حفلة صغيرة، أعزم عليها كم حدا بس، ونعمل كاتو (حلوى) ع الصوبيا (المدفأة) ونغير جو القصف والخوف وعلق الزينة يلي جهزتلا ياها من تلت (ثلاثة) أشهر”.
وتصف الناشطتان صورا من حياة الناس في الأقبية تحت الأرض خلال الساعات الـ19 الأخرى قبل وبعد “الهدنة الروسية”.
فتكتب نيفين عن طفلتها مايا وانشغالها بالطبخ بألعابها البلاستيكية لدميتيها، كما تكتب ليلى عن الأطفال الذين يستخدمون الدرج الواصل بين القبو والشارع للهو واللعب، ثم الهرب عند سماع صوت القصف.
وتروي قصصا مما يدور في القبو الذي تسكن فيه عشرات العائلات، فتشير إلى زاوية فيه تجلس فيه “صبايا صغار بعمر الورد” يشغلن أوقاتهن بتعلم حياكة الصوف، ويتنافسن من ستنهي أولا، وسط ضحكات مليئة بالتفاؤل.
في زاوية ثانية تجلس سيدات كبيرات في السن منشغلات بتلاوة القرآن الكريم والتسبيح، في حين تحاول الأمهات ضم صغارهن وتأمين كل ما يحتاجونه من ماء وطعام ومساعدتهم في الذهاب للحمام.
وتحكي ليلى بكري قصة طفل يبكي أثناء انشغاله بحك رجليه، ولا تعرف أمه ماذا تفعل له سوى أن تساعده في الحك، ودهن الرجلين بنوع من الفازلين المتوفر لديها.
وتبدو قصة الحمام الوحيد في القبو واحدة من هموم القاطنين فيما تصفه بـ”السجن”، فتقول إن الماء مقطوع عن الحمام، مما أدى لانتشار رائحة المجاري في أرجاء القبو، وتضيف “الأبشع منها ريحة الخوف والموت اللي ما عم تفارق المكان أبدا”.
المصدر : مواقع التواصل الإجتماعي