الانتخابات العراقية المقبلة : وجوه جديدة ام تكرار للقديمة

الانتخابات العراقية المقبلة : وجوه جديدة ام تكرار للقديمة

 

شذى خليل*
ظهرت على الساحة العراقية بعد الغزو الأمريكي عام 2003، عشرات التحالفات والكتل السياسية، ومئات الأحزاب التي تنوعت خلفياتها السياسية بين الإسلامية والليبرالية والعلمانية والشيوعية واليسارية وتنوعت ايضا توجهات بعض الأحزاب القومية بين العربية والكردية والتركمانية.
ومع قرب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية ، المقرر إجراؤها في 12 مايو/ أيار المقبل، تسود حالة من الاستياء الشعبي لعدم وضوح الرؤية لدى البرامج الانتخابية في العراق ، وخيبة الامل للمواطن البسيط الذي سئم تكرار الوجوه والشعارات.
وهنا نسأل: هل سيوصل الناخب العراقي وجوها جديدة ضمن القوائم الكبيرة التي تترأسها رموز ، مثل حيدر العبادي ، ونوري المالكي ، واياد علاوي ، وهادي العامري ،عن بغداد ، واسامة النجيفي، عن الموصل، كما حدث في انتخابات 2010 ، اذ حصلت الاسماء الكبيرة ” نوري المالكي ، واياد علاوي ، واسامة النجيفي ” على اكثر من نصف مليون صوت، والتي وصل بواسطتها الى البرلمان مرشحون جدد في تلك القوائم وغيرها.

ويرى مختصون ان عدد المترشحين الكبير، لا يتناسب مع عدد سكان العراق ومساحته مقارنة مع العديد من بلدان العالم التي يتجاوز عدد سكانها عدد سكان العراق بعشرات المرات، لكنّ الانتخابات فيها لا تُثير طمع الجماعات والاشخاص بمثل ما تُثيره الانتخابات العراقية، اما يحققه بعض النواب من مكاسب شخصية.
ويقول مراقبون إن أكثر من 90%من شعارات الأحزاب والشخصيات السياسية، السنية والشيعية والكردية والمسيحية، وباقي طوائف العراق، تكرر نفسها منذ عام 2005 وإلى غاية اليوم، ما يعني “تكرار الفشل”، وعدم تحقيق ما يصبو اليه الجمهور من الانتخابات.

وتبلغ التحالفات المترشحة للانتخابات المقبلة 2018 حوالي 30 تحالفاً أو ائتلافاً ، من 304 أحزاب وحركات وجماعات سياسية، ستخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة.
وكشفت قوائم المرشحين للانتخابات المقبلة عن تكرار أسماء نحو 300 شخصية برلمانية وسياسية منذ 2003 فازت في الانتخابات الماضية بين عام 2005 و2014 المحلية والتشريعية، أو أنها حصلت على مناصب تنفيذية.
واكد مصدر مقرب من الهيئة المشرفة على الانتخابات ان أكثر من 30 تحالفا وكتلة سياسية تكرر الشعارات والوعود نفسها التي رفعتها في انتخابات 2005 الخاصة بالجمعية الوطنية التي انتخب فيها 275 عضوا، وفي الانتخابات التشريعية للأعوام 2010 و2014 .
وقال ان الشعارات التي تكرر منذ عام 2005، لم تحقق للمواطن الأمن والسكن والقضاء على الفقر والبطالة، وإنهاء الطائفية والتمييز، وتوظيف الكفاءات والخريجين الجامعيين، وبناء المستشفيات والاهتمام بالشباب والرياضة، وتأهيل المدارس، وأضيف لها في هذه الانتخابات إعادة النازحين لمناطقهم واعمارها .
ويوضع المراقبون أن “الزعامات والشخصيات ثابتة، والنواب الذين باتوا كقطع الشطرنج يتم تحريكهم وفقا لرأي زعمائهم”، وان “الانتخابات المقبلة لا تختلف في شيء عن سابقاتها، لأنه حتى لو تغيرت بعض الوجوه تبقى سياسة الحزب واحدة لا تتغير، ما يسبب الخراب والدمار والتخلف للعراق”.

وقال الخبير بالشأن السياسي العراقي، إياد الدليمي: ان الوجوه الكبيرة راسخة في الانتخابات العراقية، لان كياناتها السياسية والحزبية تقوم بالأساس على هذه الوجوه الحزبية والسياسية .
وأضاف الدليمي، ان الناخب العراقي تم تعويده على انتخاب وجوه لا برامج انتخابية، كما أن هذا الناخب العراقي ناخب موجه لم يتخلص إلى الآن من تبعيته الطائفية والعرقية، وبالتالي فإن الانتخابات المقبلة ستكون نسخة مكررة لما سبق من انتخابات.
وكان لتشجيع الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر التعددية الحزبية في الانتخابات بتشريع القوانين والتشريعات التي نظمت العملية السياسية في العراق بعد عام 2003 تعزيز ظاهرة تزايد عدد الأحزاب ومنها قانون إدارة الدولة وقانون الأحزاب والكيانات السياسية رقم 97 عام 2004 وقانون الانتخابات رقم 96 عام 2004، فالمادة «سادسًا» من الفقرة «ثالثًا» من الجزء الثاني لإجراءات تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية، الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عام 2016، تنص هذه المادة على وجوب توافر “قائمة ورقية بأسماء أعضاء الحزب، والتي تضم ما لا يقل عن ألفي عضو من مختلف المحافظات (على أن لا تقل عن محافظتين)، مع مراعاة تمثيل النساء، وفقًا للنموذج المعد من قبل الدائرة بالإضافة إلى تقديم جدول إلكتروني للأسماء ذاتها”، وبالتالي باستطاعة أي مجموعة من ألفي شخص تكوين حزب سياسي جديد، وفق الإجراءات الجديدة، وتعد الإجراءات متساهلة جدا في تكوين أحزاب جديدة منذ بدء العملية السياسية العراقية بعد 2003
وأعطى قانون الأحزاب الحق لكل فرد بأن يكوِّن كيانًا سياسيًا مؤهلًا للتنافس في العملية الانتخابية إذا قدم تأييدًا وتوقيعًا من (500) ناخب مؤهل، وهذا يعني أن أي شخص بإمكانه أن يترشح للانتخابات منفردًا كان أو ضمن تكتل يحمل عنوانًا سياسيًّا” .
وشجعت هذه التسهيلات التشريعية التي رعتها وأيدتها سلطة الائتلاف المؤقت والحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر على تأسيس الأحزاب وتزايد أعدادها، إلا أن المعطيات التي أفرزتها الانتخابات الأولى وخروج أعداد كبيرة من الأحزاب دون أي مكاسب ، شجعت بدورها التعددية في الاحزاب ( الذي فسح المجال امام النخب الضعيفة والبعيد عن تحقيق الوحدة الوطنية لبناء الوطن، وعدم التركيز على تحقيق البرامج واهداف للحفاظ على ثروات البلد، مما يشير إلى ضعف قانوني وتساهل كبير في الإجراءات التي تحكم تأسيس الأحزاب.
وقال الدكتور فالح عبد الجبار ان دور الإدارة الأمريكية في تشجيع هذه الظاهرة والحاكم المدني في العراق بول بريمر مما ادى الى ظهور عناوين سياسية شخصيات وكتل عديدة لا خبرة لهم في العمل السياسي، في تشكيل تكتلات وأحزاب سياسية مقابل وعود بمكاسب مهمة في الدولة العراقية الجديدة .
ويرى بعض المراقبين، ان من دوافع بول بريمر الحاكم المدني في العراق من وراء تشجيع قيام هذا الكم الواسع من التنظيمات السياسية، رغبة أمريكا في تفكيك الجبهة الداخلية للقوى السياسية، ومنع قيام جبهة واحدة متحدة تتعامل وتتعاطى معهم من خلال إيجاد أحزاب متعددة، وبالتالي، قناعات ومصالح متعددة ومتضاربة ، يمكن أن تخلقها التعددية الحزبية وبذلك فإن فكرة التعدد الواسع للأحزاب وفي العراق لا يخلق جبهة موحدة لخدمة البلد .
يؤكد الباحثون ان «كثرة عدد الأحزاب في أي بلد ليس دليلًا على ديمقراطيته مطلقًا، فمثلا الولايات المتحدة فيها ثمانية أحزاب فقط شاركت في الانتخابات التشريعية، والحزبان الفاعلان على الساحة السياسية الأمريكية هما الجمهوري والديمقراطي ، فيما عدد الاحزاب في العراق تجاوز 300 حزب مقارنة بحجم سكانه 35 مليون نسمة ، يجعل منه يتصدر قائمة غينيس في عدد الأحزاب، اذ تجاوز عدد الأحزاب في العراق ما هو عليه في الهند، حتى دون الأخذ بنظر الاعتبار مساحة البلد نسبة لعدد السكان، فالهند التي يزيد عدد سكانها على المليار ليس فيها إلا 1851 حزبًا، سبعة منها رئيسة و49 منها إقليمية، في حين أن الدولة لا تعترف ببقية الأحزاب كونها لم تحصل على النسبة الواجبة لها في مجلس الشعب الهندي والتي تقدر 4% من نسبة المقاعد في مجلس الشعب، أو 3.33% من أعضاء الجمعية التشريعية التابعة للدولة، فيما لا يتجاوز عدد الأحزاب في أكبر الديمقراطيات عدد أصابع اليد.
يقول الكاتب والباحث مجاهد الطائي «ان تعدد الأحزاب ظاهرة صحية في المجتمع والدولة، إذا كانت هناك ركائز سليمة في بناء العملية السياسية التي من المفترض أن يكون التنافس الديمقراطي فيها قائمًا على أساس البرامج السياسية التي ستطبق على ارض الواقع ، وليس بالشعارات فقط، او الاساس التنافس الطائفي والميليشيات والمشاريع والبرامج غير التنموية .
واضاف الطائي: لو قارنا العراق مع الديمقراطيات الناشئة لاتضح ان سبب الفوضى في العراق ليس تعدد الأحزاب فقط، وإنما الأحزاب المسيطرة التي تحمل مشروعًا فرعيًا غير وطني بثوب الدولة الوطنية، إضافة إلى غياب الأسس الدستورية الصارمة والعقدين الاجتماعي والسياسي؛ وهذه الأسس تنظم التنافس السياسي غير العنيف وتؤدي إلى مخرجات إيجابية بدل الفوضى المسيطرة الآن التي أدخلت العراق في عسر التحول الديمقراطي.
تمويل الاحزاب العراقية من اين ؟
كشف الكاتب العراقي “عمار وجيه” ان أغلب الأحزاب كانت تحصل على التمويل عبر السنوات الماضية من عدة مصادر، بعضها هبات داخلية أو خارجية مع وجود تفاوت كبير بين تلك الأحزاب، في حين قانونيا من المفترض أن يكون للأحزاب مستقبلا تمويل داخلي فقط يعتمد على الاشتراكات والهبات والمشاريع التي يقوم بها الأفراد.
وتصاعدت الاتهامات ضد الأحزاب السياسية باستخدامها القوة المسلحة في تمويل نشاطها، عن طريق عمليات تهريب النفط وبيعه في الموانئ الإقليمية، وعمليات السطو المسلح والخطف والابتزاز.
وهذا ما اكده النائب عن كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني “ريزان شيخ دلير” من أن معظم حالات الاختطاف التي تجري في بغداد وغيرها من المحافظات باتت مصدرًا لتمويل الأحزاب.
واضاف شيخ دلير ان “الدليل على ذلك هو أن الجهات الأمنية المكلفة بحماية أمن المواطن لا تستطيع السيطرة أو القبض على هؤلاء المجرمين، نظرًا لوجود جهات حزبية تساند عملهم وتشجعهم عليه، حسب المعطيات”.
واوضح أن البرلمان العراقي الذي يضم الأحزاب السياسية الفاعلة في البلد، يتهم الأحزاب ذاتها بسرقة الأموال المخصصة لمساعدة النازحين وتحويلها لحسابها الخاص، حيث اتهمت لجنة الهجرة والمهجرين النيابية، أحزابًا سياسية لم تسمها، بالاستحواذ على الأموال المخصصة للنازحين.
واكد النائب حنين القدو؛ ان منظمات المجتمع المدني تخضع بصورة كبيرة لهيمنة الأحزاب السياسية التي تبحث عن مصادر تمويل لحملاتها الانتخابية المقبلة. وأضاف القدو «ان مئات الملايين من الدولارات تضيع في غرف مظلمة ولا تستطيع اللجنة تتبع حركة هذه الأموال أو محاسبة المنظمات لعدم قدرتها على الوصول إلى آلية صرفها.

ويجب على القضاء العراقي ان يأخذ دوره بضرب الفساد والفاسدين ، باثر رجعي لاعادة اموال العراق المسروقة، وضمان تحقيق الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي فيه ، وعادة ثقة المواطنين بالقضاء، اذ ما تزال الأجندات السياسية، تؤثر على السلطة القضائية، التي يجب ان تتعامل بحيادية مع الملفات، إذ إنّ ملف الاجتثاث هو الملف الوحيد الذي يطبّق في كل دورة انتخابية في البلاد، فالسلطة القضائية تتجاوز ملفات الفساد والجرائم وسرقة قوت الشعب، بينما تتابع ملفات الاجتثاث، وتمنع ترشّح كل من يثبت انتماؤه إلى “حزب البعث”.
كما يجب على القضاء وهو اعلى سلطة في البلد ان يضرب بيد من حديد كل الفاسدين ولا يميز بين الفاسدين مهما كان منصبهم لان الفساد يغرق العراق وان لا يتقيد الا بتحقيق العدل ومكافحة الفساد ، وعلى القضاء العراقي محاسبة كل الفاسدين وعدم السماح لمرتكبي الجرائم او متورّط بملفات سرقة وفساد وجرائم، وعدم قبول ترشيحهم في الانتخابات ، وان السلطة القضائية هي الجهة الوحيدة التي يمكنها منع الفاسدين من التسلط على رقاب الشعب في الدورة البرلمانية وهي المسؤولة عن وصولهم إلى المناصب الرفيعة القيادية
ويؤكد قانونيون، أنّ الملفات القضائية لكل المرشحين، موجودة لدى السلطة القضائية، وأنّ القانون هو صاحب السلطة في منع الفاسدين وصولهم إلى البرلمان.
وعلى القضاء تفعيل مبدأ من اين لك هذا؟ لتتكشف الاوراق ويكون الشعب على بينة ودراية ، بكيفية وصول اعضاء مجلس النواب الى البرلمان باعتبارهم يمثلون الشعب اذ يجب أن يتمتع بصفات وشروط وضحها الدستور العراقي في المادة 61 فإنّ البرلماني سيتولّى مهام الرقابة والاستجواب والاستيضاح وتوجيه الأسئلة إلى المتهمين بالفساد من المسؤولين”.

ولكون وصول الفاسدين الى الحكم يهدم البلد، لذا فإنّ السلطة القضائية مطالبة بمنع وصولهم إلى البرلمان، وفقاً للقانون”، اذ انّ أغلب الملفات القضائية للمرشحين للانتخابات العراقية المقبلة، لم تتم متابعتها من قبل الجهات القضائية، الأمر الذي أوصل مرشحين متورطين بملفات قضائية إلى الانتخابات، وفتح باب إمكانية وصولهم إلى سدّة الحكم بالبلاد.
وتعد مراكز السلطة في العراق منذ 2003 أكبر سبب للفساد الإداري والمالي، فالمال العام العراقي مال سائب، ومعلوم أن المال السائب يعلّم السرقة. والفساد في العراق تجاوز المال العام الى المال الخاص، فكثيرون ممّن امتلكوا النفوذ والسلطة والسلاح لم يتردّدوا في التعدّي على أملاك الناس الشخصية، وبخاصة ما يُعرف بالأقليات، الدينية والقومية.
ومن دون تردّد يُمكن القول إنّ 90 في المئة من الأحزاب والمجموعات التي شكّلت نفسها كيانات سياسية لخوض الانتخابات المقبلة دافعها الوحيد هو الطمع في الوصول الى السلطة للحصول على النفوذ والتمتّع بالمال الذي تتيحه السلطة، في مجلس النواب أو في الحكومة أو في مجالس المحافظات والحكومات المحلية.
ولو كانت الرواتب والمخصصات الممنوحة لأعضاء مجلس النواب والوزراء والوكلاء وأعضاء الهيئات “المستلقة والمحافظين وأعضاء مجالس المحافظات بنصف ما هي عليه الآن لتراجع عدد الاحزاب والكيانات والتحالفات الانتخابية الى أقل من نصف عددها الحالي، ولو كانت بربع قيمة الرواتب والمخصصات الحالية لتراجعت الى أقل من ربع العدد الحالي. أما لو كانت هناك سياسة حقيقية لمكافحة الفساد الإداري والمالي لتراجع العدد الى نحو عشرة في المئة.. وهذا بالضبط ما يحتاجه العراق من الأحزاب والائتلافات السياسية لبناء دولة ديمقراطية مستقرة ونامية.

 

وحدة  الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية