دبي/لندن/واشنطن – رويترز: قد تساهم زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا والولايات المتحدة في تشكيل القرار بخصوص موقع إدراج شركة النفط العملاقة «أرامكو السعودية»، في وقت تقول فيه مصادر ان فرص الطرح العام الأولي للشركة في لندن ونيويورك يبدو أنها تنحسر.
ولفترة طويلة ظل المركزان الماليان الكبيران هما الأوفر حظا للفوز بالإدراج الخارجي لأسهم «أرامكو» في الطرح العام الأولي إلى جانب الإدراج في بورصة الرياض.
لكن الحال لم يعد كذلك في الوقت الذي تزداد فيه فرص فوز هون كون بالإدراج، لأن الرياض تريد مساعدة الدول الآسيوية المتوقع أن تصبح من المستثمرين «الرئيسيين» بما في ذلك الصين واليابان، وفقا لما ذكره مصدران مطلعان.
وبالتأكيد فإن لندن ونيويورك لا تزالان في المنافسة، لكن المصادر قالت ان بعض المسؤولين والمستشارين السعوديين يعتبرون أن اشتراط البورصتين الإفصاح عن قدر من المعلومات الحساسة بخصوص «أرامكو»، أكبر مما تطلبه بورصة هون كونغ، بمثابة عقبة أمام الإدراج فيهما.
وذكر المصدران أن الأمير محمد بن سلمان، الذي يشرف على السياسات الاقتصادية والنفطية للمملكة، لم يتخذ قرارا نهائيا حتى الآن. وأضافوا أن الهيكل المعقد لعملية الإدراج وبعض المخاوف القانونية وتضارب توصيات المستشارين المختلفين كلها عوامل تسببت في تأخير القرار. وقالت «أرامكو» أنها ما زالت تدرس خيارات إدراجها الخارجي، ولم يتم اتخاذ أي قرار، لكنها أحجمت عن الإدلاء بمزيد من التعليقات. وقالت شركة هونغ كونغ للبورصات والمقاصة التي تدير البورصة هناك «تتمتع هونغ كونغ بوضع جيد يؤهلها لإدراج أرامكو. لم نتلق أي إشارة توضح السبيل المرجح أن تمضي فيه الشركة قدما في خطة إدراجها الخارجي».
وامتنعت بورصة لندن عن التعقيب، بينما لم ترد بورصة نيويورك حتى الآن على طلب للتعليق. وتوجه الأمير محمد بن سلمان إلى لندن أمس الثلاثاء في زيارة يجري خلالها محادثات مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وعدد من كبار الوزراء، وهي أول زيارة له إلى بريطانيا منذ تولى ولاية العهد في الصيف الماضي. ومن المتوقع أن يتجه ولي العهد إلى الولايات المتحدة في زيارة تبدأ في 19 مارس/آذار وحتى الأسبوع الأول من أبريل/نيسان، يلتقي خلالها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويزور فيها نيويورك وبوسطن وهيوستون وسان فرانسيسكو وبعض المدن الأخرى.
الأكبر في التاريخ
وتريد ماي وترامب جذب الطرح العام الأولي لـ»أرامكو»، الذي قد يكون الأكبر في التاريخ. ومن المرجح أن يصاحب ولي العهد في جولته الخارجية عدد من كبار المسؤولين السعوديين من بينهم وزير الطاقة خالد الفالح والرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر.
وكانت بريطانيا اقترحت تخفيف القواعد المتعلقة بإدراج الشركات الحكومية من خلال استحداث فئة جديدة لتلك الشركات من أجل إدراج «أرامكو». وقال مصدر ثالث مطلع على جولة ولي العهد «البريطانيون يريدون شريكا إستراتيجيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي». في نوفمبر/تشرين الثاني، ناشد ترامب السعودية علنا أن تدرج أسهم «أرامكو» في الولايات المتحدة، واصفا عملية الإدراج بأنها تمثل أولوية لواشنطن.
وأشار مصدران آخران مطلعان على جولة الأمير محمد بن سلمان إلى أن زيارة الولايات المتحدة ستمنح السعوديين فرصة لمناقشة الطرح العام الأولي على مستوى رفيع.
تقييم التريليوني دولار
كان الأمير محمد بن سلمان قال إن قيمة «أرامكو» تبلغ تريليوني دولار، بما يعني أن إدراج نحو خمسة بالمئة من أسهم الشركة قد يجمع 100 مليار دولار.
وقال اثنان من المصادر ان ولي العهد نفسه يفضل أن تكون نيويورك السوق الرئيسية للإدراج الخارجي لأسباب سياسية، في ضوء العلاقات القائمة منذ وقت طويل بين الرياض وواشنطن، وأيضا لأنها تتيح للشركة الوصول إلى تدفقات أكبر من رؤوس الأموال.
وأضاف المصدران أنه رغم ذلك، وفي ظل متطلبات الإفصاح الكبير، حذر مستشارو الشركة من مخاطر التقاضي المرتبطة بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الأمريكي، الذي يسمح بالمضي في إقامة دعاوى قضائية على الحكومة السعودية تتهمها بالمساهمة في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهو ما تنفيه الرياض. وفي بريطانيا، لقيت تحركات الجهات التنظيمية لتخفيض قواعد إدراج الشركات الحكومية مقاومة من بعض السياسيين. وقالت رئيسة لجنة ذات نفوذ في البرلمان البريطاني أمس الأول ان مثل تلك الجهود قد تقوض سمعة لندن في الحَوكَمة الجيدة للشركات.
وتقول السلطات السعودية أنها تنوي إدراج «أرامكو» في الرياض إلى جانب واحدة أو أكثر من البورصات الأجنبية. ويمثل الطرح العام الأولي إحدى الركائز الأساسية التي تستند إليها خطة الإصلاح الاقتصادي السعودي المعروفة باسم «رؤية المملكة 2030» التي يقودها ولي العهد بهدف تنويع موارد الاقتصاد وتقليص اعتماده على النفط. لكن خطة الطرح الأولي أثارت شكوكا لدى بعض المسؤولين السعوديين وموظفي «أرامكو» الذين يرون أن الرياض تتنازل عن جوهرة تاجها للأجانب ويودون تعليق الفكرة برمتها، حسب ما ذكرته مصادر في السابق.
ويقول مصرفيون ومحللون ان الرياض تحتاج إلى إدراج «أرامكو» إما في نيويورك أو في لندن لإظهار جديتها في إصلاحاتها الاقتصادية ورغبتها في جذب الاستثمار الأجنبي، بعدما انتاب القلق بعض المستثمرين بسبب حملة على الفساد شنتها المملكة في نوفمبر/تشرين الثاني واحتجزت فيها عددا من رجال الأعمال. وقال مصرفي بارز في الخليج مطلع على عملية الطرح العام الأولي «إذا كان لصفقة أرامكو أن تكتسب أي مصداقية فيجب أن يكون هناك إدراج إما في نيويورك أو في لندن. أي شيء آخر لن يرضي المستثمرين الدوليين فيما يتعلق بالشفافية وحَوكَمة الشركات».
وكان مصدران مطلعان على مناقشات الطرح الأولي قد قالا ان قرار تحديد موقع الإدراج يجب اتخاذه بحلول مارس/آذار أو أبريل نيسان على أقصى تقدير إذا كان لعملية الطرح الأولي أن تتم في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني، وإلا فإنها قد تتأجل حتى 2019.
القدس العربي