بعدما تركت وراءها موجة احتجاجات، خلفت ثلمًا في وجه النظام، وإن لم تهدّده، تبدوإيران على موعدٍ هذا العام مع تحديات داخلية وخارجية، قد تكون الأهم ربما منذ انتهاء الحرب مع العراق، ورحيل مؤسس الجمهورية آية الله الخميني عام 1989. داخليا، يتوقع الإيرانيون رحيل مرشدهم الأعلى هذا العام (الآجال بيد الله طبعًا)، ويستعدون لاحتدام الصراع بين طامحين لخلافته. فالمرشد البالغ 79 عامًا يعاني منذ سنوات من مرض عضال، ويرتب، منذ بعض الوقت، لخلافته التي تعد مسألة غير سهلة في بلد متعدّد التيارات والاتجاهات والقوميات كإيران، ولديه مشكلات مع أكثر الدول المحيطة والعالم. كذلك يبدو الأمر معقدًا في ضوء تجربة خامنئي نفسه، الذي واجه تحديات كبرى، عند تقلده منصب الولي الفقيه خلفا للخميني، وكان عمره لما يتجاوز 49 عاماً. حينها اعتبر كثيرون أن خامنئي غير جدير بالمنصب، لأن رتبته الدينية لم تكن تؤهله لشغله، إذ كان في ذلك الوقت في رتبة حجة الإسلام، ولم يكن من مراجع التقليد، وثار نقاش عما إذا كانت هذه من شروط الولاية. والمعروف أن المراتب الدينية الشيعية ست، تبدأ بطالب، ثم مُبلغ، فمجتهد، فحجة الإسلام، ثم آية الله، وأعلاها أية الله العظمى التي لا يجتمع من أصحابها أكثر من ستة في عصر واحد، بحسبهم. ولسنوات، ظل خامنئي يواجه، بسبب ذلك، تحديا لسلطته من بين الأكثر علماً والأرفع رتبة من المراجع، ولم يستتب له الأمر، إلا في أواخر التسعينات، عندما وضع خصمه القوي، آية الله حسين منتظري، قيد الإقامة الجبرية.
برزت تحديات أخرى، في السنوات الأخيرة لسلطة المرشد، وإنْ جاءت هذه المرة من خارج الحوزة، ممثلة بالرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، وتيار الأصوليين القوميين. ويتجه نجاد، خصوصا بعد أن اتضح حجم تأثيره في الاحتجاجات أخيرا، ليصبح، مع تياره، أحد أهم مراكز القوى في الساحة السياسية الإيرانية، والتحدي الأبرز لنظام الجمهورية في السنوات المقبلة. وإذا صدقت التوقعات، فإن حظوظ الرئيس حسن روحاني ترتفع خليفةً محتملا للمرشد، ويتوقع أن تزداد حدة الصراع في قمة النظام، أخذًا بالاعتبار العداء الشخصي بين روحاني ونجاد. فوق ذلك، يقترب نجاد من تبني أفكارٍ يمكن أن تعصف بنظام الجمهورية وولاية الفقيه في آن. وبخلاف أنه يدعو إلى ابتعاد رجال الدين عن السياسة (تقويض سلطة المرشد)، يعد نجاد اليوم رمزا للتيار القومي – الديني في إيران، أو ما تسمى المدرسة الإيرانية في الإسلام، بحسب منظّرها، صهره، اسفنديار رحيم مشائي، وهي المدرسة التي تحاول تخليص الإسلام من كل آثاره العربية، ما اعتبره المرشد معول هدم في صرح الجمهورية الإسلامية، أخذا بالاعتبار أن الائمة الاثني عشر جميعاً كانوا عرباً، وأمر بطرد مشائي من منصبه مستشارا لنجاد، عندما كان الأخير رئيسا.
يزداد هذا التيار القومي الشعبوي قوة في إيران، خصوصا مع احتدام الصراع الإقليمي، وتورّط إيران في ساحات عربية يرد منها قتلى إيرانيون يوميا. لذلك يتوقع أن تفتح خلافة المرشد صفحة من الصراع الداخلي، المرجح تفاقمه ليطاول أسس الجمهورية، أي ولاية الفقيه، وتركيبة النظام السياسي. وتذهب ترجيحاتٌ إلى أن خامنئي قد يكون المرشد الأخير الذي يموت في منصبه، وأن سلطة الحرس سوف تزداد قوةً من بعده، آخذا بالاعتبار أنه لن يكون في مقدور أي مرشد جديد السيطرة على الحرس، بل سيكون على الأرجح دمية بيده، (لتعود ثنائية الفقيه صاحب السلطة الرمزية والسلطان صاحب السلطة الفعلية).
التحدي الآخر الذي تواجهه إيران العام الجاري هو احتمال انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي. والمعروف أن خامنئي وافق عام 2015 على الاتفاق، باعتباره جزءاً من ترتيبات خلافته، إذ رأى فيه أول اعتراف رسمي أميركي بنظام الجمهورية، وتخليا عن كل السياسات الرامية إلى زعزعة استقراره، وصولا إلى إطاحته. إلغاء الاتفاق، يعيد إيران إلى المربع الأول في العلاقة مع واشنطن، ويضع النظام بين سندان نجاد والتيار القومي في الداخل ومطرقة ترامب في الخارج. وفي كل الأحوال، تتجه إيران نحو تحولات عميقة، تبرز بعض آثارها العام الحالي، 2018.
مروان قبلان
صحيفة العربي الجديد