روسيا وإيران: كسب حرب النفوذ ضد الولايات المتحدة

روسيا وإيران: كسب حرب النفوذ ضد الولايات المتحدة

ما تزال روسيا وإيران عاكفتين على إقامة أقوى مع حليفتهيما في الشرق الأوسط، العراق وسورية، البلدين اللذين حاولت الولايات المتحدة تعزيز نفوذها الخاص عليهما وسط قتال متعدد الجنسيات ضد تنظيم “داعش”.
وقد اجتمع مسؤولون روس وإيرانيون بداية هذا الشهر كجزء من اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة بينهما. وذُكر أن اللجنة اقتربت من صياغة اتفاقية للتجارة الحرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي اليوروآسيوي الذي يتكون من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وروسيا. وقد تعاونت موسكو وطهران عن كثب لدعم الرئيس السوري بشار الأسد ومساعدته على التغلب على آخر ثورة سياسية وجهادية في بلده، وقد يوقع البلدان وثيقة تجارية مهمة جداً في أيار (مايو) المقبل، وفق وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك.
ونقلت وكالة تاس الرسمية الروسية للأنباء عن نوفاك الذي يشارك في رئاسة اللجنة الإيرانية الروسية: “هذه الخطوة للدخول في اتفاقية مؤقتة تمهداً للدخول في اتفاقية تجارة حرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي اليوروآسيوي والتي وصلت الآن مرحلة متقدمة، سوف تقود إلى المزيد من التطور في علاقاتنا التجارية الثنائية وإلى توسع تعاوننا الاستثماري”.
وكان التعاون الروسي الإيراني الثنائي الحالي قد جاء نتيجة لصعود تنظيم “داعش” في العراق وسورية. وتعود أصول “داعش” إلى تحالف جهادي كان قد تشكل في أعقاب الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق وتوسع نشاط المتشددين إلى سورية المجاورة في العام 2013، أي بعد مضي سنتين على حمل الثوار المدعومين من الغرب السلاح ضد الأسد. وبينما كان الجيش السوري يتلقى الدعم مسبقاً من المليشيات الشيعية المدعومة من إيران يعاني من تراجعات أمام الثوار والجهاديين، عمدت روسيا وإيران إلى جمع العراق وسورية لتشكيل تحالف رباعي لمكافحة الإرهاب في أيلول (سبتمبر) من العام 2015.
وفي نفس ذلك الشهر، أطلقت روسيا تدخلاً عسكرياً مباشراً في سورية. وفي المقابل، حشدت الولايات المتحدة التي كانت توجه ضربات جوية ضد “داعش” في العراق وسورية منذ العام 2014 حلفاءها الأكراد السوريين سوية مع مجموعة أخرى من المقاتلين العرب ومقاتلي الأقليات لتشكيل قوات سورية الديمقراطية في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2015، مستبدلة الثوار الذين يصبحون جهاديين باطراد، والذين دعمتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ذات يوم. وقد أدت الحملة الموالية للحكومة السورية -المدعومة من روسيا وإيران- والهجوم الذي شنته قوات سورية الديمقراطية -المدعومة من الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة- إلى إلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” بشكل كبير في سورية بحلول نهاية العام 2017.
مع ذلك، وفي الشهر الأول من العام 2018، قامت تركيا بغزو سورية بسبب تواجد المليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة بالقرب من الحدود السورية التركية. واختارت الولايات المتحدة عدم دعم المقاتلين الأكراد والجيش السوري الحر، الحليف السابق لأميركا، الذين يقاتلون تركيا في منطقة عفرين السورية الشمالية الغربية. وبدلاً من ذلك، مدت القوات الكردية يدها للأسد الذي نشر مقاتلين مؤيدين للحكومة السورية لدعمهم، معززاً بذلك علاقته مع الحليف البارز للولايات المتحدة على الأرض.
بدأت روسيا وإيران فعلياً الاستثمار بكثافة في إعادة إعمار سورية وفي قطاعات مختلفة أخرى مع توقع بقاء الرئيس الأسد في السلطة. وأعلنت وزارة التربية السورية مؤخراً عن بعثات دراسية جديدة في الخارج لأولئك الذين يريدون الدراسة في روسيا، وفقاً لوكالة الأنباء السورية الرسمية. كما تعهد رئيسا نقابتي الصحفيين الإيرانية والسورية بتعاون أوثق بينهما في التغطية الإعلامية بغية التصدي لما يعتبرانه أنباء ملفقة من الغرب، خلال اجتماع عقد في طهران مؤخراً، وفقاً لوكالة سانا الإخبارية السورية.
بالإضافة إلى تجنيد المليشيات الشيعية الحليفة، مثل حزب الله اللبناني، لمقاتلة “داعش” في سورية، لعبت إيران دوراً بارزاً في دعم العمليات العسكرية وشبه العسكرية ضد الجهاديين في العراق. فقد قاتلت مجموعة من المقاتلين المدعومين من إيران، غالبيتهم من الشيعة، والذين يُعرفون باسم “قوات الحشد الشعبي” إلى جانب القوات العراقية المدعومة من أميركا، بالإضافة إلى القوات الكردية، لإلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” في العراق، لكنها أصبحت تشكل بعد ذلك تهديداً للجيش الأميركي بسبب تواجده العسكري لمدة تزيد على خمسة عشر عاماً في البلد.
من المقرر أن يقوم نائب الرئيس الإيراني، إسحق جاهانجيري بجولة قريبة في العراق على أمل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين الجارتين اللتين تضمان أغلبية شيعية، وخاضتا حرباً ضروساً ضد بعضهما بعضا في ثمانينيات القرن الماضي، لكنهما أصبحتا قريبتين بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وقال وزير المعادن والمناجم والتجاة الإيراني محمد شريعت مداري مؤخراً، إنه يأمل أن تسفر زيارته المقبلة للعراق عن توفير “خريطة طريق للتعاون الاقتصادي بين البلدين” وتسوية الخلافات المصرفية بينهما عبر خطوط الائتمان، وفق وكالة أنباء مهر الإيرانية شبه الرسمية.
كما سعت روسيا من جهتها إلى الاستفادة من هزيمة “داعش” في العراق، فوقعت على عدة عقود وصفقات نفطية وحزم أمنية، وتعهدت بتطوير علاقات اقتصادية أوثق. وقال وزير الخارجية العراقية إبراهيم الجعفري، مؤخراً، إن بلده يدرس حالياً كل تفاصيل عرض روسي ببيع العراق نظام الدفاع الجوي الروسي أس 400، وفق ما ذكرته وكالة تاس الروسية.
وسوف يشكل هذا التطور صفعة كبيرة للجهود التي يبذلها التحالف العسكري لحلف الناتو تحت القيادة الأميركية، والذي كان رئيسه، جينز ستولتينبرغ قد زار العراق مؤخراً. وقد انتقد النفوذ العسكري الروسي في الكثير من أنحاء العالم، كما انتقد كشف الرئيس الروسي فلادمير بوتين مؤخراً عن وجود صواريخ نووية جديدة قوية لدى بلاده.
ونقلت وكالة “رويترز” عن ستولتينبرغ قوله خلال زيارته للعراق مؤخراً: “نحن قلقون بطبيعة الحال، لأن ناتو لا يريد حرباً باردة جديدة. ونحن لا نريد سباق تسلح جديداً”.

توم إيكونور

صجيفة الغد