تؤشر إقالة الرئيس دونالد ترامب كبير دبلوماسييه، ريكس تيلرسون، على انسحاب أميركا المحتمل من الاتفاقية النووية الإيرانية، وتزيد من خطر حدوث مواجهة عسكرية محتملة مع النظام في طهران.
وكان مستقبل الصفقة الإيرانية موضع شك كبير بعد أن أصدر ترامب إنذاراً نهائياً في كانون الثاني (يناير)، والذي حذر فيه من أنه سيسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية ما لم ينجح الحلفاء الأوروبيون أو الكونغرس في “إصلاح العيوب الكارثية في الصفقة”.
لكن ترامب، باختياره مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، الصقر الصريح في الشأن الإيراني، لخلافة تيلرسون كوزير للخارجية، بعث برسالة واضحة تفيد بأن واشنطن تميل إلى تشديد موقفها مع اقتراب الموعد النهائي لاحتمال إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران في 12 أيار (مايو) المقبل.
وكان الرئيس ترامب قد استشهد في حديثه مع الصحفيين يوم الثلاثاء عن قراره، بخلافه مع تيلرسون بشأن الاتفاق النووي الإيراني كمثال يبيِّن كيف أن وزير الخارجية المنتهية ولايته كانت لديه “عقلية مختلفة” عن عقلية الرئيس.
وقال ترامب قبل مغادرته إلى كاليفورنيا: “عندما تنظر إلى الصفقة الإيرانية، أعتقد أنها رهيبة. وأعتقد أنه كان يظن أنها جيدة… وهكذا، لم نكن نفكر بالطريقة نفسها حقاً”.
في الأسابيع الأخيرة، عمل نواب تيلرسون على التوصل إلى اتفاق مع حلفاء أوروبيين، والذي يمكن أن يحافظ على الصفقة بينما يعالج مخاوف ترامب بشأن عيوبها، بما في ذلك مسألة ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية ومواد الاتفاقية التي تنتهي في العقد القادم وما بعده.
وقال كولين كال، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي لنائب الرئيس السابق، جو بايدن: “أعتقد أن (إقالة تيلرسون) تنذر بمتاعب للصفقة النووية”.
في حين وجد تيلرسون نفسه في كثير من الأحيان في الجانب الخاسر من العديد من القضايا في البيت الأبيض، فإنه كان صوتاً للحذر، و”بدا أن له بعض التأثير حقاً في تأخير إلغاء ترامب الاتفاق الإيراني”، كما يقول كال.
ويقول مسؤولون إن الجولة المقبلة من المحادثات بين الولايات المتحدة ودبلوماسيين من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، والتي تهدف إلى إنقاذ الاتفاق، سوف تمضي قدماً كما هو مخطط لها في برلين في نهاية الأسبوع. ومن المقرر أن يلتئم الجمعة في فيينا اجتماع يضم جميع الموقعين على الصفقة الإيرانية، والذي يجمع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وإيران والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من إقالة ترامب المفاجئة لتيلرسون، سوف يحضر مساعد وزير الخارجية المنتهية ولايته، بريان هوك، الاجتماعات في أوروبا، حسب ما قال متحدث باسم وزارة الخارجية. وكان هوك شخصية مؤثرة في فريق عمل تيلرسون، ومن غير المرجح أن يبقى تحت قيادة بومبيو.
فرض الاتفاق النووي الذي أُبرِم في العام 2015 بين إيران والقوى العالمية، والذي وصفه الرئيس السابق باراك أوباما بأنه اختراق دبلوماسي، قيوداً مفصّلة على برنامج إيران النووي، في حين رفع مجموعة من العقوبات الأميركية والدولية التي أضرت باقتصاد إيران. وفي حملته الرئاسية للعام 2016، شجب ترامب الاتفاقية باعتبارها “أسوأ صفقة على الإطلاق”، وقال إن إيران حصلت على إعفاء من العقوبات من دون الاضطرار إلى التخلي عما يكفي في المقابل.
وعندما أصبح رئيساً، اتخذ ترامب موقفاً عدائياً عندما ووجه بقانون أميركي يتطلب منه أن يقدم شهادة منتظمة للكونغرس حول ما إذا كانت إيران تلتزم بالصفقة، وما إذا كان الاتفاق يعمل في مصلحة أميركا. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، أخبر ترامب الكونغرس بأنه لا يستطيع التصديق على أن الاتفاق يصب في المصلحة الوطنية، لكنه لم يصل إلى حد سحب الولايات المتحدة منه.
خلال الأربعة عشر شهراً الماضية، جادل تيلرسون، إلى جانب وزير الدفاع جيمس ماتيس، مراراً وتكراراً في اجتماعات البيت الأبيض ضد التخلي عن الاتفاقية، على أساس أنها فرضت قيوداً مهمة على نشاط طهران النووي. وبدلاً من ذلك، اقترح تيلرسون محاولة معالجة مخاوف الرئيس بالتفاوض على اتفاق تكميلي أو ترتيب آخر مع الأوروبيين، مع الاحتفاظ بمزايا الصفقة الحالية.
وكان إنذار ترامب في كانون الثاني (يناير) قد حدد 12 أيار (مايو) ليكون الموعد النهائي الرئيسي التالي، عندما سيتعين عليه أن يقرر ما إذا كان سيعيد فرض مجموعة من العقوبات الأميركية التي تم رفعها كجزء من الاتفاق النووي.
يُلاحَظ أن منتقدي الاتفاق النووي رحبوا برحيل تيلرسون. وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “اختيار مايك بومبيو يجب أن يزيل أي شك حول نوايا الرئيس. بعد شهرين من الآن، سوف يعيد الرئيس ترامب فرض أقوى العقوبات الاقتصادية ضد إيران، ما لم يكن هناك تعديل حقيقي -وليس خيالياً- للصفقة النووية الإيرانية”.
وقال أومري سيرين، المدير الإداري لمشروع إسرائيل، وهي منظمة في واشنطن تعمل في قضايا الشرق الأوسط، إن الرئيس أوضح، مع خروج تيليرسون أو من دونه، أنه لن يبقي على تخفيف العقوبات عاملاً من دون إدخال تحسينات ملموسة على الاتفاقية.
وقال سيرين: “في الأيام الأخيرة، كانت إدارة ترامب تشدد موقفها بشأن ما قد يتطلبه الأمر لجعل الاتفاق الإيراني يستحق البقاء فيه”.
إذا اختار الرئيس ترامب إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران بعد 12 أيار (مايو)، فقد حذر مسؤولو الاتحاد الأوروبي من أن بروكسل قد تحاول عرقلة الإجراءات الأميركية وحماية الشركات الأوروبية التي تستثمر في السوق الإيرانية. لكن محللين يقولون إن البنوك الأوروبية والشركات الأخرى أصبحت مترددة مسبقاً إزاء القيام بأعمال تجارية في إيران بسبب التهديد باحتمال عودة تطبيق العقوبات الأميركية، ولا تريد أن تفقد إمكانية وصولها إلى السوق الأميركية الضخمة. وقد يؤدي انسحاب الولايات المتحدة إلى تدمير الاتفاق، سيؤدي ذلك إلى إخافة الاستثمارات الأوروبية التي تعتبرها إيران مكافأة رئيسية لقاء موافقتها على الحد من تخصيب اليورانيوم وغيره من الأنشطة النووية.
وفي واشنطن، أعرب الديمقراطيون في الكونغرس ودبلوماسيون متقاعدون عن قلقهم من احتمال أن يؤدي انهيار الاتفاق الإيراني إلى تقويض المحادثات المهمة وعالية المخاطر التي من المقرر عقدها في أيار (مايو) بين الرئيس ترامب والدكتاتور الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، لأن ذلك سيشكك في ما إذا كانت واشنطن تحافظ على التزاماتها الدولية.
وقال مسؤول أميركي كبير سابق: “سوف يتساءل الكوريون الشماليون عما إذا كان بإمكان المرء إجراء مفاوضات موثوقة مع الولايات المتحدة”.
من جهتهم، ينظر القادة العسكريون الأميركيون وضباط المخابرات في الغالب إلى الاتفاق الإيراني، الذي يشار إليه رسمياً باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” باعتباره وسيلة مفيدة -ولو أنها غير متصفة بالكمال- للتحقق من طموحات طهران النووية وضبطها.
وبذلك، إذا ما انتهى الاتفاق، واستنتجت إيران أنه لا لم يعد هناك حافز اقتصادي يدفعها إلى تقييد نشاطها النووي، فإن طهران قد تطرد مفتشي الأمم المتحدة وتتحرك بسرعة نحو بناء أسلحة نووية -ربما في غضون أشهر. ووفق هذا السيناريو، قد تقرر الولايات المتحدة -وإسرائيل- اتخاذ إجراء عسكري لمنع إيران من الحصول على القنبلة، أو على الأقل إبطاء محاولتها امتلاك صواريخ تحمل رؤوساً نووية.
وقد حذر قائد القيادة المركزية الأميركية، جنرال الجيش الأميركي جوزيف فوتيل، الذي يشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، المشرعين يوم الثلاثاء من عواقب انهيار الاتفاق.
وقال فوتيل: “تتعامل خطة العمل الشاملة المشتركة مع واحد من التهديدات الرئيسية التي نواجهها من إيران. ولذلك، إذا اختفت خطة العمل، فسوف يترتب أن تكون لدينا طريقة أخرى للتعامل مع برنامج أسلحتها النووية”.
دان دي لويس، وكيث جونسون
صحيفة الغد