بغداد – هزّت، مؤخرا، العاصمة بغداد حادثة مقتل عائلة مسيحية مكونة من ثلاثة أفراد، شاب مع زوجته وكلاهما طبيبان إضافة إلى أم الزوجة، وبالرغم من إعلان وزارة الداخلية أن الجريمة جنائية كان الهدف وراءها سرقة أموال، إلا أن الحادثة سلطت الضوء مجددا على ظاهرة استهداف المسيحيين في البلاد.
واتحّدت الأحزاب والكنائس المسيحية في إدانة الحادثة ومطالبة الحكومة العراقية بإجراءات لوقف استهداف المسيحيين الذين سيشاركون في انتخابات مايو المقبل في أجواء سياسية وأمنية مغايرة عما كان عليه الحال خلال العقد الماضي. ولكن على ما يبدو فإن ظاهرة الانقسامات داخل الأحزاب الشيعية والسنية والكردية امتدت أيضا إلى الأحزاب المسيحية التي فشلت في تشكيل تحالف انتخابي واحد، وقررت الدخول في ثمانية تحالفات انتخابية متصارعة على خمسة مقاعد مخصصة لها وفق نظام الكوتا من مجموع أعضاء البرلمان العراقي البالغ 328 نائبا.
يخوض مسيحيو العراق الانتخابات في أجواء مختلفة، فالهجوم الذي شنه داعش على البلاد أجبر الآلاف منهم على الهجرة وأفرز انقسامات عميقة بين أحزابهم، فيما تحاول قوى شيعية وكردية الاستحواذ على مقاعدهم خصوصا بعد فشل التحالفات المسيحية في توحيد صفوفها وتصاعد الانقسامات بينها وفق ما رصده تقرير لموقع نقاش.
انقسام وتشرذم
القوى المسيحية التي ستشارك في الانتخابات وفقا لمفوضية الانتخابات العراقية هي: المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري واتحاد بيث نهرين الوطني وحركة تجمع السريان وائتلاف الكلدان وائتلاف الرافدين وحزب أبناء النهرين وحركة بابليون والمرشح المستقل فراس كوركيس. وفشلت محاولات دولية وكنسية محلية في توحيد هذه القوى ضمن تحالف انتخابي واحد لمواجهة التحديات الجديدة التي تواجه المسيحيين بعد هجوم تنظيم داعش على البلاد وتهجير جميع المسيحيين من الموصل ودفع الآلاف إلى مغادرة البلاد بشكل نهائي، فيما تعاني البلدات المسيحية في مناطق سهل نينوى من تناقص سكانها، وتناحر بين أحزابها السياسية وحتى فصائلها المسلحة.
وينقل موقع نقاش عن الناشط المدني المسيحي سركون خوشابا، الذي يقطن في سهل نينوى، قوله إن “محاولات عدة لتوحيد الأحزاب المسيحية في الانتخابات المقبلة فشلت”، مضيفا أن “وجود تحالفات مسيحية مختلفة لن ينفع المكون المسيحي، ولكن هذه الأحزاب أهملت المصلحة العامة، وسعت إلى مصالحها الخاصة طمعا في الحصول على أكبر قدر من المقاعد النيابية الخمسة”.
وتعد الخلافات حول طريقة إدارة المناطق المسيحية وكيفية مواجهة الاستهداف المتواصل لسكانها من أسباب الانقسام، ولكن السبب الأكبر هو الصراع بين قوى سياسية شيعية وكردية لاستقطاب المسيحيين إلى جانبها والاستفادة من المقاعد الخمسة المخصصة لهم.
وعلى مدى العقد الماضي التزمت الكنيسة المسيحية في البلاد الحياد إزاء القوى المسيحية المشاركة في العملية السياسية ولم تدعم أي حزب على آخر بشكل علني، ولكن الكنيسة قررت هذه المرة الوقوف إلى جانب أحد التحالفات، وأعلن بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكو، وهو من أبرز رجال الدين المسيحيين في العراق، دعمه لائتلاف الكلدان.
وقوبل هذا القرار بامتعاض وانتقاد من الأوساط السياسية المسيحية، واعتبرته خطوة قد تزرع الطائفية داخل مكونات المجتمع المسيحي الثلاثة في العراق وهم السريان والآشوريون والكلدان، وجاء تشكيل ائتلاف الكلدان ليزيد الحواجز بين المكونات المسيحية، ولكن الخلاف الأبرز هو الصراع الخفي الدائر بين قوى شيعية وكردية على مقاعد المسيحيين.
وكان ائتلاف الرافدين، بزعامة السياسي المسيحي المخضرم يونادم كنا، الذي يعد أحد أعضاء مجلس الحكم الانتقالي بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، قريبا من الأحزاب الشيعية على مدى العقد الماضي. ويرى هذا الائتلاف الذي يتكون اليوم من الحركة الديمقراطية الآشورية والحزب الوطني الآشوري، أن التحالف مع الطرف الأقوى في البلاد سيحقق مصلحة للمكون المسيحي أفضل مما لو بقي خارج التحالفات، إذ أن تمرير القوانين المهمة للمسيحيين يحتاج إلى تحالف سياسي كبير. وفي الجانب الآخر فإن تحالف المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري معروف بقربه من إقليم كردستان ويؤيد مواقف وسياسات حكومة إقليم كردستان، وله علاقات طيبة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقال يعقوب كوركيس، عضو الحركة الديمقراطية الآشورية، إن “خارطة التحالفات الانتخابية المسيحية تعكس الواقع الذي يعيشه المسيحيون والذي يعاني من الهجرة والطائفية وعدم عودة النازحين إلى الموصل وسهل نينوى، وصراع بين القوات العسكرية التابعة إلى الحكومة الاتحادية وأخرى إلى إقليم كردستان في هذه المناطق”.
وأضاف أن “حادثتين عززتا التباين السياسي بين القوى المسيحية، الأولى تمثلت بمؤتمر بروكسل الذي قاطعته قوى مسيحية مهمة، والثانية الموقف من استفتاء إقليم كردستان الذي شهد أيضا انقساما بين الأحزاب المسيحية”.
الخلافات حول طريقة إدارة المناطق المسيحية وكيفية مواجهة الاستهداف المتواصل لسكانها من أسباب الانقسام
والمقاعد النيابية الخمسة المخصصة للمسيحيين موزعة اليوم بين ائتلاف الرافدين. مقعدان عن بغداد وكركوك، فيما يملك المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مقعدين أيضا عن نينوى ودهوك، بينما حصلت قائمة الوركاء على مقعد في أربيل.
وشهدت الدورة الانتخابية البرلمانية الحالية التي شارفت على الانتهاء صراعات بين النواب المسيحيين، ففي أكتوبر الماضي طالب البطريرك لويس ساكو برفع الحصانة عن النائب جوزيف صليوه عضو قائمة الوركاء واتهمه بإطلاق تهم وانتقادات باطلة ضد الكنيسة ونواب مسيحيين، بينما اتهم الأخير رئاسة البرلمان بالانحياز إلى ائتلاف الرافدين كممثل عن المسيحيين وإهمال باقي الأحزاب المسيحية.
وفي حين يصدر البطريرك لويس ساكو بين الحين والآخر انتقادات غير مباشرة إلى ائتلاف الرافدين لأنه لم يكن بمستوى طموح تمثيل المسحيين في العملية السياسية على مدى الأعوام العشرة الماضية، وهذا ما دفع ساكو في النهاية إلى دعم ائتلاف انتخابي.
ميليشيات مسلحة
أجبرت الفوضى السياسية وما رافقها من انهيار أمني التي شهدها العراق بعد العام 2014 المسيحيين على الانخراط في ظاهرة تشكيل الميليشيات المسلحة التي اجتاحت البلاد لمواجهة المتطرفين. وللمرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث أصبحت للمسيحيين تشكيلات مسلحة خاصة بهم، وهو أمر وجد المسيحيون أنفسهم مجبرين عليه لحماية مدنهم ومناطقهم بعد انهيار القوات الرسمية التابعة لبغداد وأربيل.
وتعد حركة بابليون أحد هذه التشكيلات المسلحة ويقودها ريان الكلداني من بغداد ومقاتلوه من المسيحيين، وتشكّل هذا الفصيل المسلح بدعم من الفصائل الشيعية القريبة من إيران لمنافسة القوى المسيحية المقربة من الأكراد في مناطق سهل نينوى.
وفي المقابل هناك وحدات حماية سهل نينوى القريبة من ائتلاف الرافدين بزعامة يونادم كنا، ولكنها معادية لحركة بابليون، ووصلت العلاقة بين الفصيلين إلى الاشتباكات المسلحة في أكثر من مرة كان أبرزها في يوليو العام الماضي عندما اقتحمت قوات بابليون بلدة الحمدانية وردت وحدات حماية سهل نينوى بإطلاق النار واعتقال عدد منهم.
العرب