كان من المفترض أن تكون لحظة افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي حقل الغاز الطبيعي «ظهر» والذي يعد من أكبر حقول الغاز، من أهم لحظات الانتصار في حكم الرئيس الذي سيطر على السلطة بانقلاب أطاح الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013 ولكنه بدلاً من التعبير عن الفرح استخدم المناسبة لتوجيه تحذير قاسٍ لقوى لم يحددها ولكنه أطلق علـيها «قوى الشـر».
وقد تم بث تصريحه يوم 31 كانون الثاني (يناير) على الهواء مباشرة وأقسم فيه بالله بأنه لن يسمح لأحد بأن يمس مصر وأنه ليس سياسياً ورجل كلام بل رجل فعل. وفي تقرير لأندرو إنغلاند وهبة صالح في صحيفة «فايننشال تايمز» إن تصريحه هذا الذي أطلقه قبل انتخابات 26-28 آذار (مارس) هوالأكثر دلالة وسيؤمن له ولاية ثانية «ولمح إلى عقلية مستبد مقتنع أن المهمة ملقاة عليه وعلى داعميه العسكريين لحماية مصر من التهديدات الداخلية والخارجية المفترضة وفي الوقت نفسه ضبط نغمة الإنتخابات التي تجري وسط أجواء من القمع المتزايد». وبدلاً من أن تكون الإنتخابات بمثابة مهرجان صارخ للديمقراطية فإنه بات ينظر إليها كمهزلة تجري وسط أمة منقسمة ولا تزال مصدومة من فوضى عام 2011 والاضطرابات الاقتصادية والتي تبعت ثلاثين عاماً من حكم محمد حسني مبارك. فالسيسي لمؤيديه هو «المخلص» الذي أخرج مصر من الهاوية أما نقاده فينظرون إليه كرئيس لأكثر الأنظمة القمعية التي تشهدها مصر في تاريخها الحديث.
ومن هنا يخشى البعض من حكمه القاسي وتداعياته على المستقبل حيث يقوم بخلق المشاكل وسط زيادة الضغوط الديمغرافية والاقتصادية على أكبر الدول العربية تعداداً للسكان. وتنقل الصحيفة عن أتش إي هيللير، الزميل البارز في «المجلس الأطلنطي» في واشنطن قوله: «المفارقة هي أن إغلاق المجال للتعبير عن المعارضة بشكل مفتوح قد يؤدي إلى شيء أكثر فوضوية مما حدث عام 2011».
وأضاف «لو وجدت المعارضة وظلت تغلي تحت السطح بدون وسيلة لإفراغها فأين ستذهب؟». ولم يتبق من الشخصيات الثلاثة التي كانت تخطط لتحديه أحد. فقد اعتقل سامي عنان، رئيس هيئة الأركان في ظل حسني مبارك وخليفته محمد مرسي، بعدما أعلن عن نيته ترشيح نفسه. وأجبر رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق على التخلي عن خططه للترشح بعد اعتقاله وترحيله من الإمارات العربية المتحدة. وقرر محامي حقوق الإنسان خالد على الخروج من السباق قائلا إنه لن يكون نزيها. وفي محاولة لتجنب إحراج سباق انتخابي بحصان واحد تم تجنيد سياسي مغمور وداعم شديد للسيسي اسمه موسى مصطفى موسى في اللحظات الأخيرة.
وفي الوقت الذي علقت فيه صور السيسي المبتسم على تقاطعات الشوارع في القاهرة إلا أنه لم يقم بأية حملات انتخابية ولم يقدم خطابات حدد فيها سياسته للمرحلة المقـبلة أما مـوسى فـهو ليـس موجـوداً تـقريباً.
ويقول محمد أنور السادات، ابن شقيق الرئيس السابق أنور السادات: «لقد مر علينا وقت لم تكن فيه سياسة حقيقية، وظننت أن الأمور بعد عام 2011 قد تغيرت وسنرى مصر جديدة تمارس فيها حقوقك.. وكل هذا ذهب». وأضاف السادات الذي فكر بمنافسة السيسي ثم عدل «لا أحد يهتم بأي من النشاطات الإجتماعية علاوة على السياسة وتبدو مصر الجديدة وكأنها نسخة من القديمة». ففي ميدان التحرير الذي احتشد فيه المصريون قبل سبعة أعوام للإطاحة بالرئيس مبارك تتمركز فيه دبابتا همفي موشاتان بملصقات السيسي. وتتعامل المؤسسة الأمنية مع ثورة عام 2011 كمحفز أدى للفوضى.
وتلقي المؤسسة الأمنية اللوم على مبارك الذي سمح بالإنتخابات الحزبية المتعددة عام 2005 وفتح الحرية للإعلام. وحتى لا يتكرر الشيء نفسه زاد نظام السيسي من هجماته على الإعلام والمعارضة ونقاد النظام، وأمر النائب العام موظفي دائرته باتخاذ إجراءات ضد من ينشر «أخباراً مزيفة». واعتبر السيسي هذا الشهر الهجوم على مؤسسات الجيش والأمن «خيانة».
ولا يزال الآلاف من الإسلاميين والعلمانيين والناشطين في السجون منذ وصول السيسي للسلطة عام 2013. وقال موظف في الحكومة إن العمال يتجسسون على بعضهم البعض «ولو حدثت مشكلة بينك وآخر يطلب الأمن ويتهمك بأن لديك ميولاً إخوانية».
نظام غامض
ومع ذلك يشعر المراقبون بالدهشة من تهديدات السيسي الأخيرة وقرار النظام منع أي نوع من الإنتخابات العادية. وكان السيسي قد انتخب عام 2014 بنسبة 97% إلا أن عمل النظام يتسم بالغموض حيث يسيطر المستشارون العسكريون على قراراته. وعادة ما يلمح السيسي للمخاطر الداخلية والخارجية المفترضة وأنها نابعة من قطر وتركيا اللتين دعمتا جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. إلا أن المحللين والدبلوماسيين مندهشون من النبرة الغاضبة رغم غياب المرشح الخطير أمامه.
ويرى هيللير أن اللهجة الغاضبة والمهددة نابعة من قرار كل من عنان وشفيق المشاركة في الانتخابات حيث أحدثا هزة داخل النظام الذي حاول تجنب ظهور انقسام داخل الجيش. ويقول هيللير إن تهديدات السيسي في كانون الثاني (يناير) كانت موجهة ضد من يدعمون رفيقيه العسكريين.
ويضيف «كانت هذه رسالة لهم: لا هذا دكاني ولا أحد سيفتحه لأنك لو فتحته فستواجه مخاطر ما حدث عام 2011». ويعلق ان السيسي الذي جاء من الإستخبارات العسكرية عادة ما ينظر للعالم من خلال منظور قاس وبارانويا وشك، فهو لا يخشى من الإطاحة ولكن من «شتلات» قد تسبب مشاكل لاحقاً.
تطهير أمني
وقام الرئيس بتطهير على مستوى القوات الأمنية. ففي تشرين الأول (أكتوبر) قام بعزل محمود حجازي، رئيس هيئة الأركان، الذي تزوج واحدا من أبناء الرئيس ابنته. وبعد ثلاثة أشهر عزل خالد فوزي، مدير المخابرات العامة وأتى بعباس كامل محله الذي يعد من المقربين الخلص له. ويقول السادات: «لا أحد يعرف السبب ولكنه يظهر عدم ثقة وتحركات مفاجئة تعزل من خلالها المقربين تشبه طريقة ترامب».
وتضيف الصحيفة أن المؤسسة العسكرية المصرية هي الأقوى منذ أن أطاح جمال عبد الناصر بالملكية عام 1952 وأشرف في عام 2012 على الانتخابات إلا أن التجربة مع الديمقرطية أكدت عدم الثقة بالمدنيين وأكدت مخاوفه من القوة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين التي حققت مع الجماعة السلفية «النور» وهزم مرسي بنسبة ضيقة على أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة. إلا أن فترة حكم مرسي اتسمت بالصراع مع مؤسسات الدولة.
وفي عام 2014 قرر السيسي التخلي عن زيه العسكري وترشح للرئاسة مؤكداً أنه «استجاب للنداء» ولكنه قام منذ انتخابه بتهميش مؤسسات الدولة التي نظر إليها بالعاجزة وعمق من دور الجيش في إدارة الدولة، فهو يدير شركات الأسمدة والفولاذ والإسمنت والباستا والزراعة والأدوية، بشكل أثار قلق المستثمرين المحليين والدوليين الذين خافوا من عدم وجود منافسة عادلة.
السيطرة على الإعلام
ووسعت الدولة من سيطرتها على مجالات أخرى في الدولة- فالسياسة غير موجودة واختفى المعارضون من الحياة العامة وأقفلت مئات من مواقع الإنترنت وسيطرت وكالات أمنية على بعض المؤسسات الإعلامية. فقد حصلت شركة تابعة للدولة ظهرت حديثاً «أيغل كابيتال» وسيطرت على أسهم في الإعلام المصري: قنوات تلفازية وصحف ومواقع على الإنـترنت.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول حكومي قوله: «لم يكن بيدنا شيء، فالأمن لم يكن ضعيفاً فقط بل كانت هناك مشكلة كبيرة مع الإخوان المسلمين والسلفيين» وأضاف «كانت مصر بحاجة لمعجزة على كل المستويات الاقتصادية، فما هي المشكلة عندما كان لدينا مستثمر اسمه الجيش؟» وأصبح هذا الجيش مؤثراً في الحياة العامة أكثر مما كان في عهد عبد الناصر. وحسب محلل مصري فالسيسي لا يثق في المدنيين وهو يميل لإعطاء الملفات للجيش. وبالنسبة للمتظاهرين في ميدان التحرير عام 2011 مثل طارق فالمزاج العام يتسم بالجزع وتدني المعنويات.
ويعترف طارق، 41 عاما المؤيد للديمقراطية بأن الشباب ارتكبوا أخطاء واتسموا بالعنف والغطرسة ولم يعطوا الساسة الفرصة لفهم ما يريدون. وفي مناخ من القمع عبر عن فرحه عندما أعلن كل من عنان وشفيق الترشح ضد الرئيس «ليس لأنهما سيفوزان بل لكونهما تهديدا للرئيس». ويعتمد السيسي في الوقت الحالي على دعم رجال أعمال أعجبتهم سياساته الإقتصادية. وقد بدأ عدداً من المشاريع الكبرى التي تعبر عن غطرسة مثل عاصمة إدارة جديدة ولا تحظى بدعم كبير نظرا لكلفتها، كما حصل على قرض من صندوق النقد الدولي 12 مليار دولارمقابل رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية وتعويم العملة.
معاناة جديدة
وبالنسبة للمصريين العاديين فقد جلبت الإصلاحات معاناة جديدة في بلد تعتمد فيه نسبة 28% من السكان على رواتب متدنية. وهناك بعض التقارير الشفوية تقول إن الإصلاحات أثرت على شعبية الرئيس. إلا أن الكثيرين يعتقدون أن البلاد تواجه حكماً عسكرياً طويل الأمد، ويقول البعض إن الدستور سيتم تعديله وسيجري حذف مدة رئـاسة الرئيـس المحددة بفـترتين.
القدس العربي