بدا الإعلان التركي حول عدم التوصل لاتفاق حول منبج، وكأنه عودة للمربع الأول في التعاون مع الأمريكيين حول مناطق السيطرة الكردية التي تؤرق الاتراك شمالي سوريا، فوزير الخارجية التركي وصف ما تم التوصل إليه حول منبج بـ«التفاهم» وليس «الاتفاق»، مطلقاً الكثير من التكهنات حول مصير المدينة العربية الخاضعة للهيمنة الكردية، والتي تسعى تركيا لربطها بعملية عفرين الأخيرة.
وكان البلدان قد توصلا لتشكيل ثلاث لجان مشتركة، بعد زيارة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت ماكماستر الى أنقرة الشهر الماضي، تقوم إحداها بالنظر في ملف منبج والمناطق الكردية، ولكن يبدو أن إقالة وزير الخارجية الأمريكي قد أضافت تعقيداً جديداً لعمل هذه اللجان، فبعد أن سارت اللقاءات الأولى للجان في واشنطن، نحو مسودة اتفاق بتشكيل نقاط مراقبة مشتركة بين البلدين حول منبج، وتعهد أمريكي بإخراج الوحدات الكردية من منبج وتنصيب قوى محلية من المدينة العشائرية في مجلس محلي، عادت التصريحات الأمريكية السلبية لتضفي أجواء من التشاؤم حول التعاون المشترك، إذ صرحت هيذر ناورت، الناطقة الرسمي باسم الخارجية الامريكية أخيرا بأن المحادثات مع الجانب التركي قد فشلت، معللة ذلك بعجز اللجان الفنية بين البلدين عن التوصل لاتفاق حول منبج، وهو ما أكده قبل ساعات وزير الخارجية التركية جاويش أوغلو.
وكان لافتاً، أن وزير الخارجية التركي، تراجع عن الحديث عن تقدم قوات بلاده إلى منبج، وهو التهديد الذي يكرره باستمرار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وقال إن الولايات المتحدة هي من سيقوم بإخراج القوى الكردية من منبج، متسائلاً في تصريحه عن «الجهة التي ستؤمن منبج» بعد خروج الأكراد.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تريد طمأنة حلفائها الاتراك بتقديم تعهدات بإخراج القوى الكردية، لكن من الواضح أيضا أن واشنطن لا ترغب بدخول القوات التركية إلى منبج للقيام بهذه المهمة، كما فعلت في عفرين، وقد يقوم الأمريكيون بإقناع الأكراد بتنصيب مجلس محلي خاضع للفصائل العربية التي تشكل جزءاً من «قوات سوريا الديمقراطية»، وهو أحد السيناريوهات المقترحة كحل وسط لإرضاء أنقرة، رغم أن هذه الصيغة ستعني أن منبج ستبقى تحت هيمنة حلفاء القوات الكردية العرب، وإن خرج منها الأكراد.
ولعل التعنت الأمريكي في مسألة منبج، والسياسة المتشددة إزاءها بعكس ما حصل في عفرين، يعودان لعاملين رئيسيين، الأول هو أن منبج تقع ضمن منطقة كردية خاضعة لتفاهمات أمريكية مشتركة حول الشراكة في قتال تنظيم «الدولة»، وهو ما أعلنه الأمريكيون مراراً، مبررين عدم تدخلهم الجدي إزاء ما حصل في عفرين الواقعة خارج تلك الكتلة الجغرافية الممتدة من حدود دير الزور والحسكة شرقاً الى تل رفعت غرباً، فمنبج دخلتها القوى الكردية في عملية عسكرية منسقة مع الجانب الأمريكي، خلال حملة قوات التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة»، ولا يبدو أن الأمريكيين يرغبون بخسارة مكتسباتهم العسكرية وحلفائهم الأكراد.
النقطة الثانية تتعلق بالتنافس المحموم بين واشنطن وموسكو على النفوذ في شمال سوريا، إذ تدرك الولايات المتحدة أن خروجها مع حلفائها من منبج او أي منطقة كردية متحالفة مع الأمريكيين، سيعني ربما، مساحة جديدة لروسيا وإيران للتحرك سياسيا وعسكريا في الشمال السوري، ويزداد هذا التنافس المحموم بين القوتين الدوليتين بصورة مطردة في الأشهر الأخيرة، إذ يسعى الروس لإبعاد النفوذ الأمريكي من أراضي حلفائهم الإقليميين في الشرق الأوسط.
إلى ذلك أعلنت «حركة أحرار الشام» المعارضة الأربعاء التوصل الى اتفاق لإجلاء مقاتليها من مدينة حرستا في الغوطة الشرقية، في اتفاق هو الأول من نوعه منذ بدء قوات النظام تصعيدها العسكري على المنطقة المحاصرة.
ويأتي التوصل الى هذا الاتفاق بموجب مفاوضات تمت بين الفصيل المعارض ووفد روسي من مركز المصالحة الروسي ومقره في قاعدة حميميم (غرب)، من دون تدخل مباشر من دمشق، وفق ما أكد وزير المصالحة السوري علي حيدر لوكالة فرانس برس.
وبعد خروجهم من الغوطة الشرقية مع تقدم قوات النظام اليها، بعد سنوات من الحصار المحكم، يجد عشرات الآلاف من المدنيين أنفسهم داخل مراكز ايواء مكتظة وصفت الأمم المتحدة الوضع فيها بـ«المأساوي».
من جهة أخرى نشرت وكالة «أعماق» الناطقة باسم تنظيم «الدولة»، صوراً قالت إنها تعود لإعدام الملازم أول نضال درويش، والذي كان يشغل منصباً عسكرياً قيادياً في «حزب الشعب» الفلسطيني، الموالي للنظام السوري، وذلك بعد وقوعه أسيراً بيد عناصر التنظيم خلال المعارك الأخيرة التي نجح فيها تنظيم «الدولة» بطرق أبواب دمشق، بعدما استولى على المناطق التي أخلتها المعارضة السورية في «حي القدم»، وتوجهها نحو الشمال السوري قبل أيام.
الصور التي بثتها وكالة «أعماق»، بينت بأن عملية الإعدام تمت ذبحاً بحق القيادي الفلسطيني. بدوره أكد حزب الشعب الفلسطيني عملية الإعدام بحق القيادي العسكري التابع له، منوهاً بأن الملازم أول درويش كان يشغل منصب «القائد العسكري في لواء درع الأسد» في سوريا.
وأكد الحزب، في نعيه للملازم أول، بأن درويش قضى «أثناء تأديته الواجب الوطني في محيط مخيم اليرموك (القدم) جنوبي دمشق، مع مجموعة من رفاقه بعد عملية بطولية استبسلوا فيها، وبأن درويش خاض معارك عدة في مناطق مختلفة دفاعا عن عروبة سوريا، ضد عصابات التكفير والإجرام الوهابية»، وفق البيان.
دمشق ـ إنطاكيا ـ «القدس العربي» من وائل عصام وهبة محمد