تصاعد العنف والإرهاب: لماذا تراجعت ثقة الشباب في الثورات العربية؟

تصاعد العنف والإرهاب: لماذا تراجعت ثقة الشباب في الثورات العربية؟

3346

رغم تراجع تأثير الحركات الثورية علي المجتمعات العربية، وخفوت دور الاحتجاجات في تحريك الشارع العربي، فإن ثمة نوعًا جديدًا من الاعتراض علي الأوضاع الحالية في أغلب دول الثورات العربية، يتمثل في فقدان الثقة والعزوف عن المشاركة السياسية بمختلف مستوياتها، وذلك على عكس التوجهات التي سادت عقب اندلاع الثورات العربية في بداية عام 2011، والتي رصدتها استطلاعات الرأي المختلفة، وهو ما يعود إلى انتشار التنظيمات الإرهابية، وممارسات تيارات الإسلام السياسي التي وصلت إلى السلطة في بعض الدول العربية.

مؤشرات تراجع الثقة:

أشارت نتائج استطلاع حديث للرأي نشرت نتائجه في 21 أبريل 2015، وأجرته شركتا “أصداء بيرسون – مارستيلر” و”بين شوين آند بيرلاند” بهدف رصد توجهات الشباب العربي في 16 دولة في المنطقة، من خلال 3500 مقابلة شخصية، في الفترة بين 20 يناير و12 فبراير 2015، إلى أن ثمة إحباطًا يسيطر علي توجهات الشباب العربي إزاء إمكانية تحقيق التغيير الديمقراطي الذي سعوا إليه من خلال الثورات، حيث تراجع تأثير هذه الثورات، لا سيما مع انتشار أفكار التطرف وظهور أنماط جديدة من الإرهاب العابر للحدود.

ووفقًا لنتائج الاستطلاع، فقد تراجعت ثقة الشباب العربي في قدرة الثورات العربية التي شهدتها المنطقة علي إحداث تغيير إيجابي، حيث عبر 38% من الشباب المستطلع رأيهم عن ثقتهم في إحداث تغيير إيجابي في المنطقة، مقارنة بنسبة 72% اعتبروا أنه يمكن تحقيق تغيير إيجابي في عام 2012. كما أعرب 41% من المستطلع رأيهم عن اعتقادهم بأنهم سيكونون أفضل حالا في غضون 5 سنوات بعد الثورات العربية، مقارنة بنسبة 58% عبرت عن الرأي ذاته خلال عام 2014، و74% خلال عام 2013، و71% خلال عام 2012.

ويعزي تراجع الثقة في الديمقراطية بهذه الوتيرة من قبل الشباب العربي، إلي عدد من الأسباب السياسية والاقتصادية، ففي الوقت الذي سادت فيه النظرة الإيجابية حول المستقبل بعد الثورات، جاءت السياقات والمآلات السياسية غير معبرة عن طموح الكثير من الشباب بعد الصعود المفاجئ لتيارات الإسلام السياسي في دول الثورات العربية والدول المجاورة، وانتهاجها الممارسات الدكتاتورية ذاتها خاصة فيما يتعلق بمحاولاتها الانفراد بالسلطة، الأمر الذي أدي إلي تحول هذه الثورات الشعبية إلي انتفاضات وموجات أخري من الثورات ضد الأحزاب الإسلامية التي تزامن مع صعودها ظهور الجماعات المتطرفة من جديد، في دول مثل مصر والعراق وسوريا وليبيا، فضلا عن تزايد وتيرة الصراعات الطائفية في عدد من الدول، إلي جانب تردي أوضاع اقتصاديات المنطقة نظرًا لغياب الأمن وهروب رؤوس الأموال، وضعف الاستثمارات الخارجية، وارتفاع مستويات التضخم والبطالة.

داعش أهم تهديدات المنطقة:

وقد أشارت نتائج الاستطلاع في هذا الإطار إلي أن ظهور تنظيم “داعش” وتزايد نفوذه في سوريا والعراق وامتداده إلي ليبيا وظهور جماعات موالية له في بعض الدول الأخرى، قد استحوذ علي مخاوف الشباب من تمدد نفوذ هذا التنظيم المتطرف، حيث عبر 73% من المشاركين في الاستطلاع عن تخوفهم من تمدد “داعش”، فيما اعتبره 37% من المستطلع رأيهم العقبة الكبرى التي تواجه أمن واستقرار المنطقة.

غير أن ثمة تباينًا أظهره الاستطلاع في توجهات المشاركين إزاء قدرة بلادهم علي مواجهة “داعش”، فعلى سبيل المثال، أبدي 53% من المشاركين في دول شمال إفريقيا ثقتهم في قدرة حكوماتهم على مواجهة “داعش، في مقابل 25% في دول الشرق الأوسط، وهو ما يتوافق مع التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية، حيث انتشر التنظيم في دول عديدة بالمنطقة، خاصة في ليبيا، التي نفذ فيها بعض عمليات القتل التي استهدفت مصريين ومواطني دول عربية أخري وأثيوبيين، كما قام بتنفيذ عملية إرهابية في متحف باردوا في تونس في 18 مارس 2015، وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 21 سائحًا، بالتزامن مع تمدده في كل من العراق وسوريا.

أولوية اقتصادية:

واتساقًا مع ما كشف عنه نتائج التقرير الاقتصادي العربي الموحد السنوي الصادر عن صندوق النقد العربي في عدده الرابع والثلاثين لعام 2014، من أن معدلات نمو اقتصادات الدول العربية تعاني تراجعًا بالمقارنة مع معدلات نمو مجموعة الدول النامية والأسواق الناشئة، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية بالأسعار الثابتة نسبة نمو وصلت إلى 4.2% خلال عام 2013 الذي شمله التقرير، وهو معدل أقل من النمو المسجل على مستوى الدول النامية والأسواق الناشئة والذي بلغ 4.7% خلال العام نفسه، أوضحت نتائج استطلاع الرأي المشار إليه أن الأوضاع الاقتصادية تأتي في صدارة اهتمامات الشباب في المنطقة، لا سيما في ظل ارتفاع مستويات البطالة بشكل كبير في الدول العربية، إذ أشارت منظمة العمل العربية إلي أن الأحداث المتسارعة التي شهدتها الدول العربية خلال عام 2014 انعكست على مستويات البطالة والتشغيل بشكل سلبي، حيث سجل معدل البطالة ارتفاعًا بلغ أكثر من 16%، واقترب عدد العاطلين عن العمل من 20 مليون عاطل، وهو ما انعكس في نتائج الاستطلاع التي كشفت أن 81% من الشباب العربي قلق بشأن معدلات البطالة المرتفعة في بلادهم، وهي مؤشرات مرشحة للاستمرار في ظل تصاعد حدة الصراعات الداخلية وتزايد نشاط التنظيمات الإرهابية.

وحدة الرأي العام

 المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية