في خطوة تصعيدية من الجانب الأميركي، طرح الرئيس دونالد ترمب مساء أول من أمس إمكانية فرض رسوم إضافية قدرها 100 مليار دولار على الصين. «في ضوء رد الصين غير العادل» على إجراءات جمركية سابقة من قبل الولايات المتحدة، وعلقت الصين أمس على هذه التصريحات بأنها على أتم استعداد للرد.
وكان الرئيس الأميركي بدأ هذا العام بسلسلة من الإجراءات الحمائية لحماية الوظائف المحلية، حيث أعلنت واشنطن في يناير (كانون الثاني) عن فرض تعريفات استيراد مرتفعة على الغسالات ومعدات الطاقة الشمسية، أتبعتها برسوم على واردات الصلب والألومنيوم بزعم أنها تهدد الأمن القومي.
وخصت واشنطن العملاق الصيني برسوم جمركية على سلع بقيمة 50 مليار دولار تستوردها الولايات المتحدة من الصين، حيث اتهمت إدارة ترمب ثاني أكبر اقتصاد في العالم بسرقة الملكية الفكرية والتكنولوجيا.
واعتبرت الصين أن أميركا تعطي مزارعي الصويا دعما يمنحهم ميزة تنافسية غير عادلة في السوق الصيني، وبناء على هذه الافتراضات قامت بكين الأربعاء الماضي بالإعلان عن فرض تعريفة على 106 منتجا أميركيا من ضمنها الصويا، أكثر الصادرات الزراعية الأميركية قيمة للصين.
وردا على هذه الخطوة أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخميس الماضي عن حزمة إضافية من التعريفات بقيمة 100 مليار دولار على المنتجات الصينية، وطلب من وزير الزراعة أن يستخدم سلطاته لتطبيق خطة لحماية المزارعين والمصالح الزراعية.
ورأت الصحافية البريطانية فاينانشال تايمز أن مطالبة الرئيس ترمب لوزير الزراعة بتطبيق خطة لحماية المزارعين من إجراءات انتقامية صينية مؤشرا على استعداده لمعركة تجارية طويلة مع بكين.
وقال موقع «سي إن بي سي» إنه إذا اختارت إدارة ترمب أن تدعم المزارعين الأميركيين بشكل أكبر فهذا قد يستدعي تعريفات ودعم ثأري من كبار مصدري المنتجات الزراعية مثل الاتحاد الأوروبي والبرازيل.
ولاقت تصريحات ترمب الأخيرة انتقادات داخلية، حيث وصف السيناتور الجمهوري بن ساس، عضو اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس الأميركي، النزاع التجاري القائم بين ترمب والصين بالـ«جنون». وأضاف في تغريده له علي «تويتر»: «آمل أن يكون تصريح الرئيس مجرد نفخ للهواء (تفريغ للغضب)، ولكن إذا كان بالفعل سيقدم على ذلك فإنه ضرب من الجنون، الصين مذنبة في أشياء كثيرة لكن الرئيس ليس لديه خطة فعلية للفوز عليهم في الوقت الحالي». وتابع: «إنه يهدد بإشعال النار في الزراعة الأميركية. لنواجه سياسات الصين التجارية السيئة، ولكن بخطة تعاقبهم ولا تؤدي إلى معاقبتنا نحن. هذه هي أغبى طريقة ممكنة للقيام بذلك».
فيما حذر السيناتور تشوك جراسلي من الضرر الذي يمكن أن تحدثه إجراءات فرض ضرائب جمركية على المزارعين ومربي الماشية، وصرح جراسلي: «يجب على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات مناسبة للدفاع عن مصالحها… ولكن لا ينبغي أن يتحمل المزارعون ومربي الماشية أعباء ذلك الانتقام نيابة عن البلد».
– تهدئة أم تصعيد
وفي تصريح لافت قال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، لاري كودلو، أمس، إن الولايات المتحدة والصين تجريان محادثات بشأن التجارة، لكنه لم يحدد مستوى المفاوضات.
وأبلغ كودلو شبكة فوكس بيزنس: «هناك محادثات جارية. لا أريد أن أذكر أسماء… لكن هناك محادثات جارية، وستكون ذهابا وإيابا بين الولايات المتحدة وبكين».
وأكد ترمب في تصريحات أخيرة أنه ما زال منفتحاً على إجراء محادثات من أجل التوصل إلى «تجارة حرة ونزيهة وتبادلية».
لكن المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، قاو فينغ، قال إن مسؤولين اقتصاديين من الجانبين لم يجروا مؤخرا أي مفاوضات تجارية، معتبرا أنها مستحيلة في ظل الظروف الحالية، مشددا على أن بلاده على أتم استعداد للرد على التصعيد الأميركي.
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن مسؤولين بوزارة التجارة الصينية، تعهدهم بمحاربة «الحمائية الأميركية أحادية الجانب بأي ثمن».
وحضت الصين أمس الاتحاد الأوروبي على «اتخاذ موقف مشترك» ضد الحمائية الأميركية في وقت يتصاعد فيه الخلاف التجاري بين واشنطن وبكين، ما يهدد أيضا بإرباك أوروبا.
وقال زهانغ مينغ، رئيس بعثة الصين لدى الاتحاد الأوروبي، في بيان أرسل إلى وكالة الصحافة الفرنسية إن «على الصين والاتحاد الأوروبي (…) اتخاذ موقف واضح ضد الحمائية، والحفاظ معاً على النظام التجاري متعدد الأطراف المبني على القواعد، والحفاظ على سير الاقتصاد العالمي في مسار سليم ومستدام».
وتابع أن «هذه مسؤولية مشتركة للصين والاتحاد الأوروبي. يجب أن نعمل سويا (لضمان) حدوث ذلك».
وأضاف أن هذه «التصرفات الحمائية بذريعة (حماية) الأمن القومي (الأميركي) ستقوض مصداقية النظام التجاري متعدد الأطراف المرتكز على منظمة التجارة العالمية، والنظام التجاري العالمي المبني على قواعد» محددة.
وقالت وزارة التجارة الصينية أمس في بيان نشر على موقعها الإلكتروني: «إذا تجاهل الجانب الأميركي معارضة الصين والمجتمع الدولي وأصر على تطبيق الأحادية والحمائية التجارية، فإن الجانب الصيني سيذهب حتى النهاية بأي ثمن».
وفي وقت سابق، قدّمت بكين شكوى لدى منظمة التجارة العالمية ضد خطة واشنطن بفرض رسوم جمركية على سلع بقيمة 50 مليار دولار.
وبحسب النص الذي نشرته منظمة التجارة العالمية، طلب وفد الصين إجراء «مشاورات» مع واشنطن «فيما يتعلق بالرسوم المقترحة وإجراءات ستطبّقها الولايات المتحدة على بضائع معينة في مختلف القطاعات ومنها الآلات والإلكترونيات الخ المصنّعة في الصين».
و»طلب إجراء مشاورات» هي الخطوة الأولى على طريق رفع شكوى قضائية شاملة لدى هيئة البت في النزاعات في المنظمة.
وإذا رفضت الولايات المتحدة الطلب الصيني، يرجّح عندها أن تعمد بكين إلى التقدم به للمرة الثانية، وهي خطوة كفيلة بتحويل الملف تلقائيا إلى قضية تحكيم، لتبدأ بذلك أمام المحكمة الداخلية لمنظمة التجارة العالمية معركة قضائية طويلة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وفي شكواها أكدت بكين أن الإجراءات التي تعتزم واشنطن اتخاذها بحق صادراتها «لا تتفق» وقواعد التجارة العالمية التي سبق أن وافقت عليها الولايات المتحدة.
– ماذا عن الوظائف الأميركية
وبينما تستهدف الإجراءات الحمائية الأميركية توفير الوظائف بشكل رئيسي، أظهرت بيانات أميركية أمس أن الاقتصاد أضاف أقل عدد من الوظائف في ستة أشهر في مارس (آذار) مع انحسار التأثير الإيجابي الناتج عن اعتدال درجات الحرارة، لكن زيادة في مكاسب الأجور تشير إلى تحسن سوق العمل وهو ما سيسمح لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) بمواصلة زيادة أسعار الفائدة هذا العام.
وقالت وزارة العمل الأميركية أمس إن عدد الوظائف في القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة زاد 103 آلاف وظيفة الشهر الماضي في الوقت الذي انخفضت فيه الوظائف في قطاعي التشييد ومتاجر التجزئة. وهذه أقل زيادة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي وتأتي بعد قفزة بلغت 326 ألف وظيفة في فبراير (شباط).
ويأتي نمو الوظائف في مارس (آذار) دون المتوسط البالغ 202 ألف في الأشهر الثلاثة السابقة، ويماثل تقريبا عدد الوظائف البالغ 100 ألف وظيفة الذي يتعين على الاقتصاد توفيرها لمواكبة نمو أعداد السكان الذين هم في سن العمل.
واستقر معدل البطالة عند 4.1 في المائة للشهر السادس على التوالي، حتى مع خروج أشخاص من قوة العمل. وارتفع نمو الأجور قليلا في مارس (آذار). وارتفع متوسط الأجر في الساعة ثمانية سنتات أو ما يعادل 0.3 في المائة الشهر الماضي بعد زيادة بلغت 0.1 في المائة في فبراير (شباط). ودفع ذلك الزيادة السنوية في الأجور إلى 2.7 في المائة من 2.6 في المائة في فبراير (شباط).
– تأثير واضح على الأسواق
وانخفضت لأسهم الأميركية أمس مع تجدد المخاوف بشأن صراع تجاري بين الولايات المتحدة والصين، حيث تراجع المؤشر داو جونز الصناعي 234.05 نقطة، أو ما يعادل 0.96 في المائة، إلى 24271.17 نقطة فيما تراجع المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 22.96 نقطة تعادل 0.86 في المائة إلى 2639.88 نقطة ونزل المؤشر ناسداك المجمع 78.46 نقطة، أو 1.11 في المائة، إلى 6998.10 نقطة.
وأبدى ترمب سعادته بانخفاض أسعار الألومنيوم بعد فرض تعريفة إضافية عليه، وقال في تغريدة أمس «رغم تعريفات الألومنيوم، أسعار الألومنيوم انخفضت 4 في المائة. الناس متفاجئة، أنا لا! الكثير من الأموال تأتي إلى الخزائن الأميركية ووظائف، وظائف، وظائف».
ونقلت الفاينانشال تايمز عن كيري كريج، المحلل بـجي بي مورجان آست مانجمنت، قوله إنه لا يزال غير واضحا أمام المستثمرين تأثير التطورات الأخيرة في الحرب التجارية على الأسواق «بينما لا يزال التصعيد احتمالا واضحا، فإن كل من الجانبين يدرك أنه لا يوجد رابحون في حرب التجارة».
الشرق الاوسط