لماذا تجذب داعش الشباب المسلم في أوروبا؟

لماذا تجذب داعش الشباب المسلم في أوروبا؟

في ظل الحرب الخاطفة من تنظيم “الدولة الإسلامية” في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يحاول المحللون وصنّاع القرار فهم كيف يجذب التنظيم الكثير من الشباب، خاصة من قلب أوروبا الغربية.

وعلى الرغم من عدم دقة الأعداد؛ إلّا أنّ هناك دراسات حديثة (خاصة الكتاب المميز لـ ستيرن وبيرغر “داعش: دولة الإرهاب”) تشير إلى أنّ المقاتلين الأوروبيين الأجانب متواجدون بأعداد كبيرة في صفوف الدولة الإسلامية (المعروفة أيضًا باسم داعش).

ويشير البعض إلى الدهاء الإعلامي للتنظيم. ولكنّ هذا التفسير يخلط بين وسائل حشد الدعم والأسباب وراء ذلك. يقدم موقع تويتر وفيس بوك وسائل هامة للتنظيم، ولكنهما لا يُحدثان الرغبة في الانضمام إليه.

ويرى آخرون أنّ الحرمان الاقتصادي والاغتراب الاجتماعي الذي يواجهه الشباب المسلم في أوروبا يؤدي إلى تسريع التطرف. ولكنّ هذه الحجة مُبَسّطة للغاية. وفي الواقع، لطالما كانت الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية أرضًا خصبة للأيديولوجيات المتطرفة.

ولكن، العديد من الشباب الأوروبيين الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية يأتون من الطبقة الوسطى ويتمتعون بإمكانيات معيشية ممتازة. إذا كان هؤلاء الشباب (وبشكل متزايد، النساء) يجدون أنفسهم يدينون بالولاء لحركة من المرجح أن تؤدي إلى وفاتهم، إذن يجب أن يكون هناك أسباب أخرى غير الصعوبات الاقتصادية وانعدام الحراك الاجتماعي.

يجذب تنظيم داعش الشباب المسلم في أوروبا ليس لأنّه يساعدهم على نسيان الفقر؛ ولكن لأنّه يعطيهم بديلًا مثيرًّا، وهادفًا للحياة في السعي لتحقيق الراحة المادية والأمن الاقتصادي.

افتراض أنّ تحسين الظروف الاجتماعية والمادية في الأحياء المسلمة في أوروبا الغربية سيقوّض جهود التجنيد داخل داعش، هو افتراضٌ ساذج، تجسيد جديد للعقيدة الليبرالية بأنّ الرفاهية الاقتصادية والاعتدال السياسي يسيران دائمًا جنبًا إلى جنب.

من مونتسكيو إلى كانط إلى جون ستيوارت ميل، كان الإجماع الليبرالي دائمًا أنّ الرفاهية المادية و”روح التجارة” تضعف المعايير الاجتماعية، وتهدأ حمى الأعراف والتقاليد، وبعبارة ميل، تبطل مفعول الحروب.

هناك بالتأكيد حقيقة في هذا الأمر: فمن السهل تجنيد المحاربين من الطبقات اليائسة ماليًا؛ فهم بحاجة إلى المال ولديهم القليل ليخسروه. ولكن، هذه النظرية فشلت في تفسير نجاح داعش في تجنيد الأغنياء الذين لديهم الكثير ليخسروه.

وبالتالي؛ في الصيف الماضي نشرت صحيفة “الإيكونوميست” تقريرًا عن ناصر المثنى، وهو شاب من ويلز رفض أربعة عروض لدراسة الطب في الجامعات البريطانية لصالح الانضمام إلى الدولة الإسلامية. وكانت قصته استثنائية.

الشيء الذي تقدمه داعش وتصويرها لعمليات القتل للشباب المسلمين الأوروبيين، هو أنّ الديمقراطية الليبرالية الغربية، مع تركيزها على تحقيق الذات والراحة المادية للأفراد، تعاني من مشاكل مع: إمكانية أن تكون جزءًا من أيديولوجية شاملة تقدم معنى راقيًا لحياة الفرد.

أداة تجنيد داعش القوية ليست تويتر، وليست حقيقة أنّ مقاتليها لا يمتلكون سيارات تويوتا كورولا. لكنها، بالأحرى، أنّ الناس لا يريدون فقط متابعة مشاريعهم الخاصة وقيادة سيارات تويوتا كورولا. إنّهم يريدون فكرة عظيمة تستوعبهم جميعًا، وتُشركهم في مجتمع من المؤمنين المتشابهين في الميول والأفكار مع هدف موّحد – الإخوة.

كما قال جورج أورويل في مراجعته لكتاب كفاحي في عام 1940: “البشر لا يريدون فقط الراحة والسلامة وساعات العمل القصيرة، والنظافة، وتحديد النسل بشكل عام، وبمنطق سليم؛ إنّهم يريدون أيضًا، على الأقل بشكل متقطع، النضال والتضحية بالنفس، ناهيك عن الطبول والأعلام ومسيرات الولاء“.

داعش، مع فهمها الأحادي في الردة، والخلافة الإسلامية، والمزيج المذهل من الذبح وبناء الدولة، توفر كل هذه في الخدمات الكبيرة. إنّها هذه الأفكار -مغرية، وقاتلة، وأكبر من الحياة- التي تجعل قلوب المجنّدين الأوروبيين تشدو فرحًا؛ إنّها هذه الأفكار التي يغذون أنفسهم بها طواعيةً.

ولأنهم مدفعون جزئيًا من خلال هذه الأفكار؛ نجح مقاتلو داعش في محاربة الجيش العراقي – المُدّرب بتكلفة كبيرة والمجهز تجهيزًا جيدًا، ولكن، مكّون في المقام الأول من جنود يحاولون كسب لقمة العيش، وليس بحثًا عن هدف شامل لهذه الحياة.

إذا كانت الديمقراطيات الغربية جادة بشأن منافسة جاذبية الدولة الإسلامية، فإنّها تحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة طويلة في عقيدة السلام الاقتصادي -العقيدة العلمانية التي لم تثبت صحتها ولن تنتهي أبدًا- بأنّ الرفاهية المادية والفرص الاجتماعية هي الحل لكل السخط الاجتماعي.

الشباب في كثير من الأحيان لديه نزعة نحو القضايا الكبيرة، والعنيفة والمؤيدة للاستبداد، لجذبهم وإنقاذهم من جهود آبائهم التي لا قيمة لها ومن المحيطين بهم. ولا تقتصر هذه الرغبة على الشباب المسلمين المتطرفين؛ إنّها دافع إنساني مشترك نراه مرارًا وتكرارًا. داعش ليست أول حركة تستفيد من اندفاع الفرد عند شعوره بأنّه جزء من شيء أكبر منه، وهو ليس شيئًا إيجابيًا على الدوام.

الفكرة العظيمة، هي أنّ الأنظمة الليبرالية تقوم على أنّ الدولة يجب ألّا تمتلك فكرة عظيمة، وإنما تسمح للمواطنين بمتابعة مشاريعهم الخاصة طالما أنهم يسمحون للآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه. وبالتأكيد هذه فكرة تستحق الموت من أجلها، إذا كان الموت هو السبيل الوحيد لحمايتها. ولكنّها فكرة ليس من السهل تقبلها ومن الصعب تمجيدها أيضًا. وهذه مشكلة متأصلة في الديمقراطية الليبرالية، وخلل حقيقي في مكافحة جميع أنواع التطرف.

المطلوب، والذي من الصعب جدًا تحقيقه، هو وسيلة لجعل الديمقراطية الليبرالية أكثر جاذبية. وسواء من خلال تعزيز التسامح وحرية التعبير والعدالة المؤسسية على نحو فعّال، أو خلق بديل جذاب للعظمة الخاصة بالليبرالية، أو إقناع الشباب المسلم في الغرب أنّ الليبرالية تقدم هي الأخرى فرصًا لعيش حياة تتجاوز الرفاهية المادية، أو إعادة تفسير مارتن لوثر كينغ، فإنّ إمكانية إنتاج دعاية ليبرالية تضاهي دعاية الموت التي تقوم بها داعش، لا تزال تلوح في الأفق. وهذه هي الأسئلة المركزية في المعركة مع داعش ومؤيديها.

التقرير