وشوم الشباب تعبير عن الفكر على مساحة الجسد الحر

وشوم الشباب تعبير عن الفكر على مساحة الجسد الحر

يزداد اهتمام الشباب اليوم بالوشوم بمختلف الأشكال والتصميمات وتتباين الأسباب ما بين التعبير عن التمرّد والشعور بالإحباط والاستياء وبين منح النفس جرعة من الثقة والأمل اقتداء بمشاهير الفن والرياضة، كما أن للحروب والسياسة حضورا على أجساد الشباب من خلال الوشم.

الرباط – انتشر الوشم بشكل ملفت في أوساط الشباب وأصبح أسلوبا للتعبير عن آراء وأفكار يعجز الشاب أحيانا عن وصفها أو الحديث عنها، الأمر الذي جعله بمثابة مساحة جسدية للتعبير عن الذات.

ويستخدم الشبان العرب أشكالا وزخارف وكتابات تعبر عن شخصياتهم على الصدور والأذرع أو على الأكتاف ومنها ما يرسم على الرقاب أو على الوجوه وبعضها في أماكن مخفية من الجسد.

وقال الطالب الجامعي عمر الزموري، وهو يدرس الفلسفة في مدينة الرباط، “هذا جسدي، وهو ملكي، ولي كامل الحرية في التصرف به كما أشاء”.

وأضاف الزموري الذي يكاد يغطي جسده كاملا برسوم وخطوط عصيّة عن الفهم، “أخط على جسدي أفكاري التي أستمدها من الطبيعة، وتشعرني بأنني سيد نفسي، لست بعبد مملوك لأي سيد، هي ليست بخطوط، إنما رسم متكلم لجسد لا يقوى على الكلام، صوت يقول: إني إنسان يركع لأحلامه وأفكاره، لأحيا حياة عبقها الحرية”.

وينتشر الشعور بالإحباط والاستياء على نطاق واسع في صفوف الشباب المستائين من مشاكلهم، وقد انعكست هذه الظاهرة في متاجر رسم الوشوم، فأصبحت الوشوم تمثيلا أكثر شيوعا وقوة للاضطرابات الداخلية، لاسيما في الطبقات الفقيرة والشباب غير المتعلمين بما فيه الكفاية، والعاطلين عن العمل وغيرهم من أفراد المجتمع المهمّشين.

ووفق فاطمة فايز، وهي أستاذة جامعية باحثة في علم الإنسان بجامعة ابن زهر في مدينة أغادير (جنوب)، فإن “الوشم هو شكل من أشكال الاشتغال على الجسد، عبّر به ومن خلاله الأمازيغ عن وعيهم بأهمية

الجسد باعتباره مرآة للذات/الفرد، كجزء من الجماعة، فالبعد الهوياتي للوشم لا يمكن تجاوزه”.

وأضافت “في الماضي كان الوشم يعبّر عن عمق المجتمع، كان يعبر عن روح الجماعة، فقد كان له أثر على وحدة الجماعة

وعلى حس الانتماء الموحد، فيما أصبح اليوم يدلّل على العكس من ذلك، وهي قيم التفرد والفردانية، وعلى حس الثورة على التقاليد وعلى المجتمع وقيوده”.

وتشير فاطمة إلى أن “ممارسة الوشم كانت منذ ما قبل التاريخ معممة، يقبل عليها الرجال كما النساء، ومع مرور الوقت صار أكثر التصاقا بالمرأة لأن بعده التزييني بات حاضرا أكثر من بقية الأبعاد، لكننا حاليا بتنا أمام ممارسة أخرى للوشم يعدّ الرجال أكثر المقبلين عليها لا ترتبط بالتراث، بقدر ما ترتبط بخلفيات ثقافية أخرى”.

ومن الصعوبة فصل قضية انتشار الوشم أو “التاتو” عن سمة الشباب العربي الأهم، وهي التمرّد على الصور الأّصولية المترسّخة في أذهان الأجيال السابقة ومحاولة هدمها بشتى الطرق، وإن كان بعضها مليء بالسطحية والضحالة، لكنها في النهاية تشي برغبة شبابية مدفوعة بما تعيشه المنطقة العربية من آثار سياسية وتحولات جسيمة.

وتحمل الوشوم على أجساد الشباب رسائل متعددة، حيث يزيد اهتمامهم بها وتصبح أكثر رواجا في الفترات السياسية المشحونة تماما، كما كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر، حيث انتشر رسامو الوشم في ميدان التحرير الشهير بوسط القاهرة، وأصبحت لهم ورش خاصة في الخيام المتراصة لرسم شعارات الثورة على الأذرع والأكتاف للتعبير الصادق على الانتماء إلى زخم المد الثوري الملهم.

أما في لبنان فقد ازدادت شعبية الوشوم الدينية بسرعة بعد اندلاع الصراع السوري. وتحمل الكثير من هذه الوشوم دلالة طائفية مرتبطة بالطائفة الشيعية. وتعكس هذه الدلالة الطائفية الواضحة، بعدّة طرق استعداد الأفراد في المناطق الطائفية المحدّدة لشنّ أي معركة للدفاع عن مجتمعاتهم الدينية وأنّ هذه الوشوم هي الأكثر انتشارا في المجتمعات الفقيرة.

وقد سمحت الوشوم لأبناء المجتمع الشيعي الفقير بالانخراط في خطاب الحرب بأجسادهم، ما منحهم صوتا كانوا يفتقرون إليه في السابق. وحسب المساحة من أجسادهم التي تغطيها الرموز والشعارات الدينية، تخيف رؤية أجسادهم الآخرين أحيانا.

واللافت في محترفي رسم الوشوم أن شريحة واسعة منهم تعلمت مهنتها في السجون. فالكثيرون يخرجون من السجن يمتلكون خبرة رسم الوشم أو حصلوا على وشم خلال إقامتهم فيه.

ويعتمد الوشم على الإبر لإدخال مادّة الحبر تحت الجلد لكتابة رموز وكلمات أو رسومات ذات دلالات خاصة بصاحبها، وهو عبارة عن ثقوب يتم تحديد مكانها في الجسم بقلم دوار في مقدمته إبرة تحمل الصبغة إلى الجزء المخصص في الجلد، والمراد الرسم عليه، وهذه العملية تتطلب دقة متناهية، وتستغرق من ساعة إلى ساعتين تقريبا حسب مهارة الواشم.

شباب لجأوا إلى وشم الاسم على الذراع للحفاظ على هوياتهم في حال قتلهم في هجوم خلال الأزمة الطائفية في العراق

وتنتشر معظم محلات الوشوم في الأحياء الفقيرة من الضاحية الجنوبية في بيروت، فالفقراء هم الأكثر إقبالا على وشم أجسادهم، فهم یجدون في الوشوم الدينية وغير الدينية طريقة للتعبير عن أفكارهم.

ومن خلال الجسد، تم الترويج لخطاب حادثة كربلاء التاريخية، وأبرز الوشوم التي حصدت شهرة لا مثيل لها “يا حسين”، “أميري حسين ونعم الأمير”، “صراط على حق نمسكه”، “يا لثارات الحسين”، “ساقي العطاشى” في دلالة على أبوفضل العباس الذي مُنع عنه الماء في معركة كربلاء التاريخية.

ويرى الكثيرون أن رسم الوشم لا يختلف عن رسم اللوحات أو العزف أو النحت أو فن الخط، حيث تبدلت أحكام المجتمع نحو الوشّام، وبدأت عملية التصالح معه، وتحول إلى منتج للأعمال الفنية، وتوازي صنعته بقية المنتجات في ميادين فنيّة أخرى.

وتنتشر في بغداد صالونات ومراكز الوشامين الذين يمارسون مهنتهم بعيدا عن أجهزة الرقابة الصحية.

وتنامت شعبية رسم الوشم الحديث بين الشباب العراقيين في جميع أنحاء البلاد مع توفر أحدث الأجهزة والتقنيات والتصاميم، واهتمام الشباب بالتكنولوجيا الحديثة والفنون باختلاف أنواعها.

ويقول الكثير من فناني الوشم إن هذا التغيير جاء بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فقبل ذلك التاريخ كان الوشم في العراق محصورا بالأدوات البدائية عبر استخدام الدبابيس والإبر والرماد.

واعتبر علي وهو من الفنانين الذين يحترفون رسم الوشوم أن التفاعل المتكرر مع القوات الأميركية منذ عام 2003 قد عرّف كل من فناني الوشم وزبائنهم على التقنيات والأفكار والأدوات الجديدة.

ولا تنحصر الوشوم في العراق في الجانب الفني أو الجمالي، بل تتعدى ذلك إلى جانب عملي حيث استخدمت كسبيل يتخذه البعض للحفاظ على هويتهم في حال قتلهم في هجوم، كوشم الاسم على الذراع، وسط المخاوف التي خلفتها الحرب وما تبعها من أزمة طائفية مستمرة حتى الآن.

وفي المقابل هناك الكثير من الشباب يرسمون أشكالا ورسوما لها معاني مختلفة تُعبّر عن رمز أو الحرف الأول من اسم الحبيبة، بينما قال شبان آخرون إن انتشار التاتو أو الوشم يعود إلى انفتاح العراق على العالم الخارجي وتقليد الفنانين والرياضيين المشهورين.

يرجع علي سبب تزايد الإقبال من الجنسين على طلب الوشم في الآونة الأخيرة، إلى تطلع المجتمع على ما تعرضه القنوات الفضائية والرقمية من أفلام وأغاني يعتبرها الكثيرون من مكملات الموضة لدى الشباب.

ويميل الجيل الجديد إلى رسومات وتصاميم تحاكي تلك التي على أجساد المشاهير والممثلين الغربيين ولاعبي كرة القدم العالميين؛ وظهر مؤخرا نيكو علي والش حفيد الملاكم الأسطوري محمد على كلاي بوشم على صدره باللغة العربية يحمل عبارة “الثقة بالنفس” وذلك في أول مباراة ملاكمة احترافية له.

وبدت ظاهرة لافتة وهي أن المشاهير لا يكتفون بوضع الرسومات فحسب بل قاموا بكتابة جمل باللغة العربية، وهو ما شجع الكثير من الشباب العرب على تقليدهم.

ويملك المغني الإنجليزي زين مالك وشما باللغة العربية في جسده وتحديدا أسفل رقبته من الأمام، مكتوبا فيه كلمة “ملك”، لكنها مكتوبة بشكل غير واضح.

وتشتهر المغنية الشابة سيلينا غوميز بحبها للوشوم ولديها وشم صغير يمتلك الكثير من الدلالات الرمزية، حيث كتبت عبارة “أحب نفسك أولا” على الجانب الأيمن من ظهرها.

وقالت خبيرة الوشوم الفنانة بانغ بانغ إن سيلينا لم تكن مترددة أبدا في اختبار اللغة والجملة بل على العكس تماما كانت معجبة بهما كثيرا؟ لكنها ترددت بعض الشيء في حجم ومكان وضعه.

أما لاعب كرة القدم زلاتان إبراهيموفيتش فهو أيضا أحد المشاهير الذين قاموا برسم وشم باللغة العربية على أجسادهم. وقد كتب اللاعب الشهير بـ”إبرا” على ذراعه اليمنى كلمة “إبراهيموفيج”.

ويفسر البعض سبب انتشار ظاهرة الوشم بين الشباب في العراق بانفتاحهم على ثورة المعلومات الحديثة كالإنترنت وكثرة القنوات الفضائية، فضلا عن السفر إلى الخارج ومحاولة الشاب العراقي للارتقاء بالسلم الاجتماعي في تقليد أقرانه في تلك الدول.

ترى فئة أخرى محافظة أن سبب انتشار الوشم لدى الشباب من كلا الجنسين هو التفكك في المنظومة القيمية والعائلية والاجتماعية، بسبب الظروف الصعبة التي مر بها العراق، فضلا عن الانفتاح المفاجئ في ظل انعدام التوعية الإعلامية للأطفال والمراهقين في نبذ مثل هذه الأفكار الدخيلة على المجتمع العراقي للحفاظ على المنظومة القيمية والموروث الشعبي لدى المجتمع العراقي. وقال استشاري الطب النفسي وائل ربيع إن انتشار الوشم بين الشباب في الآونة الأخيرة يجسد انعكاسا أوسع لتحولات تعيشها المنطقة العربية، جعلت هناك تمرّد على العديد من الصور النمطية للمجتمع؛ بداية من خلع الأزياء التقليدية مرورا بظهور أشكال جديدة في الشوارع والمقاهي لم تكن معتادة لدى غالبية الناس قبل عشر سنوات، وبات الوشم يحمل معاني جديدة لم تكن دارجة سابقا.

وأحيانا لا يلبث الندم أن يتملك فئة من هؤلاء الشباب، وجلهم من النساء اللاّتي يرغبن في إزالة الوشم ممن قمن سابقا برسم اسم أو حرف لحبيب سابق على جسدها وتسعى لإزالته لأنها لا يمكن أن ترتبط ثانية وتعيد بناء حياتها والرسم موجود.

ويتسبب الوشم في مشاكل اجتماعية لدى الكثير من الأشخاص، كما أنه أحد أسباب سرطان الجلد، وتوجد دراسات عديدة حول هذا الموضوع أثبتت خطورة هذه العملية وانعكاساتها على الصحة في المستقبل.

وأصبح هناك مراكز صحية مختصة في معالجة وإزالة الوشم تعتمد تقنيات جديدة لإزالة الوشم ولا تترك آثارا على الجلد بعيدا عن الجراحة أو استعمال أشعة الليزر.

ويعود تاريخ فن الوشم (التاتو) إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وذكرت تقارير إخبارية أنه تم العثور على رجل من العصر الجليدي يعتقد أنه يبلغ من العمر 5300 عام في النمسا وخلف إحدى ركبتيه وجد وشم صغير، كما مارس قدماء المصريين فن الرسم على الجسد بين عامي 2000 و4000 قبل الميلاد، وانتشر كذلك في الصين واليابان في نفس الوقت، وفي العام 1100 قبل الميلاد، انتقل هذا الفن من اليابان إلى الفلبين ونيوزيلندا.

العرب