“في 18 نيسان/أبريل، خاطب كل من تشاك فرايليك وجيمس جيفري منتدى سياسي في معهد واشنطن. وفرايليك هو زميل أقدم في “برنامج الأمن الدولي” في “مركز بيلفر” ونائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً. وجيفري هو زميل “فيليب سولوندز” المتميز في المعهد ونائب سابق لمستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش. ةفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
تشاك فرايليك
يبرز التغيير الأكثر جذريةً في الظروف الاستراتيجية لإسرائيل في أنها لم تعد تواجه التهديد الوجودي الذي واجهته في العقود الماضية. وقد قال دافيد بن غوريون ذات مرة إنه حين يبلغ عدد السكان اليهود في إسرائيل 5 ملايين نسمة، يكون وجود هذا البلد مضموناً. واليوم، يبلغ عددهم 6.5 مليون نسمة. والسؤال لم يعد ما إذا كانت إسرائيل ستصمد، ولكن، أي إسرائيل ستصمد؟
هناك ما يدعو إلى التفاؤل. أولاً، ترغب الدول العربية في بناء علاقات مع إسرائيل، فقد دخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التاريخ من خلال اعترافه بحق الدولة في الوجود. إضافة إلى ذلك، لا توجد قوة عظمى معادية لإسرائيل. ولا تزال البلاد معزولة دبلوماسياً إلى حد ما، لكن علاقاتها الخارجية لم تكن أقوى من أي وقت مضى. وانخفض التهديد المحتمل من أسلحة الدمار الشامل مع تأجيل العمل ببرنامج إيران النووي – على الأقل في الوقت الحالي.
ومع ذلك، تواجه إسرائيل تهديدات استراتيجية خطيرة. إذ يحيطها من كل جانب دول فاشلة، أو دول تمر بأزمات، أو دول معرضة للخطر. كما أنها تواجه عدداً من الخصوم بقيادة إيران، التي تُعتبر الخصم الأكثر تقدماً الذي واجهته على الإطلاق. وتشكل الجبهة الداخلية أضعف نقطة تواجهها إسرائيل، وهذا هو بالضبط ما قررت إيران ووكلاؤها استهدافه من خلال خوض حرب استنزاف.
كيف يجب أن تتعامل إسرائيل مع هذا الخصم؟ ستشكّل سوريا التي يسيطر عليها الإيرانيون أسوأ النتائج المحتملة بالنسبة إلى إسرائيل، حيث يمكن أن تنشب الحرب مع الجمهورية الإسلامية على الجبهة الشمالية في أي وقت – وهو احتمال مقلق بالنظر إلى أن طهران قد تكون الخصم الأول الذي لا تستطيع إسرائيل هزيمته على الفور.
وفي السياق نفسه، تطرح الخصائص الديموغرافية مشكلةً رئيسية أخرى. ففي الضفة الغربية وإسرائيل مجتمعتين، يشكل المسلمون 40 في المائة من السكان. وعلى الرغم من أن الحركة الصهيونية لم تحدد مطلقاً النسبة المئوية المطلوبة لبناء دولة يهودية، إلا أنه لا يمكن اعتبار الـ 60 في المائة نسبة مرتفعة بما يكفي لاستحقاق هذه التسمية. فإسرائيل اليوم تُحافظ بشكل أساسي على احتلال عسكري.
ويشكّل نزع الشرعية عن إسرائيل في الخارج مشكلةً رئيسية أخرى. ففي الغرب، لم يعد الكثير من الشباب يؤمنون بالمبررات التي سمعوها لوجود إسرائيل، ناهيك عن الفكرة بأن الدولة هي نموذجاً للنجاح. كما أدّت التغيرات في التركيبة السكانية الأمريكية إلى تحوّل العلاقة الثنائية نحو الأسوأ.
وفي هذا الإطار، تحتاج إسرائيل أيضاً إلى الاعتراف بأنه في حين لا يزال الجيش أساس أمنها، فإن فائدة القوة قد تضاءلت. فليس هناك حل عسكري للقضية الفلسطينية. ولن تؤدي أي ضربة عسكرية على برنامج إيران النووي سوى إلى تأخير تقدمه لبضع سنوات (على الرغم من أن إسرائيل ستتخذ هذه الخطوة لو اقتضى الأمر). وفي الحقيقة، لم تحل البلاد مشاكلها قط بواسطة القوة العسكرية، بل إنها ببساطة أحسنت إدارتها. فبعد أن تعبت الأردن ومصر من الصراع، أقامت علاقات سلام مع إسرائيل. كما أجرت سوريا ذات مرة محادثات سلام متقدمة مع عدوها في الجولان. ومن الناحية النظرية، قد يتعب الفلسطينيون يوماً ما من الصراع، لكن هذا يبدو مستبعداً.
وفي ضوء هذه التحديات، تبرز عدّة توصيات لسياسة الأمن الإسرائيلية. أولاً، يتعين على الدولة إمّا التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين أو الانفصال بصفة انفرادية. ومن غير المحتمل التوصل إلى اتفاق في أي وقت قريب. وفي العالم العربي، غالباً ما يتم صياغة الصراع كمعركة يتم خوضها من أجل الحقوق. لذلك، ليس هناك مجال كبير للتوصل إلى تسوية. لذا، يتعين على إسرائيل أن توضح أنها تسعى بنشاط إلى تحقيق السلام، وأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، يقع اللوم على التعنُّت الفلسطيني. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في السنوات القليلة المقبلة، يتعين على إسرائيل أن تسعى إلى انفصال أحادي الجانب.
ثانياً، يتعين على إسرائيل تغيير نظامها الانتخابي، الذي هو مصدر العديد من مشاكلها الإستراتيجية. فقد كانت المؤسسات الانتخابية القائمة تخدم البلاد بشكل جيد، لكنها اليوم تثير إشكالية عميقة.
ثالثاً، على إسرائيل أن تجعل علاقتها مع الولايات المتحدة محورية في ما يتعلق بسياستها في مجال الأمن القومي. وعلى الرغم من أن التحالف يحدّ أحياناً من حرية المناورة الإسرائيلية، إلّا أنّه من غير الواضح ما إذا كانت البلاد ستصمد بدون دعم أمريكي – على أقل تقدير، ستكون أكثر فقراً وضعفاً. ومن الناحية العملية، يدل منح الأولويات لهذه العلاقة على التوافق مع المصالح الأمريكية كلما كان ذلك ممكناً. فيمكن لاتفاق أمني مع واشنطن أن يحفّز الجمهور الإسرائيلي على تقديم تنازلات مهمة من أجل إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وعلاوةً على ذلك، إذا اكتسبت إيران القدرة النووية، فسيؤدي التحالف الأمريكي-الإسرائيلي دوراً مهماً في إدارة شرق أوسطٍ ينتشر فيه السلاح النووي.
وفي الماضي، كان النظام الأمني الإقليمي الذي ضم الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل غير وارد، بل كانت إسرائيل بحاجة إلى الولايات المتحدة لكي تمنحها ميزةً عسكرية نوعية على الدول العربية المجاورة. ولكن في الآونة الأخيرة، أصبح من الممكن تصور مثل هذا النظام، حتى لو لم يتطرق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى ذلك بشكل صريح.
وأخيراً، يتعين على الإسرائيليين أن يتبنوا تفكيراً مختلفاً بشكل أساسي فيما يتعلق بأمنهم. إذ ما زال الكثيرون منهم ينظرون إلى وطنهم على أنه دولة ضعيفة ومحصورة لا يزال بقاؤها على المحك. والحقيقة هي أن إسرائيل ليست ضعيفةً أو في خطر وجودي وشيك، لذلك يمكنها أن تتصرف بضبط أكبر للنفس إذا اختارت ذلك، مع تركيز أكبر على الدفاع والدبلوماسية. ومع ذلك، ستأتي ظروف تحتاج فيها إلى اتباع استراتيجية الهجوم، وقد يكون ذلك في المستقبل القريب جداً على الجبهة الشمالية.
جيمس جيفري
تصف “استراتيجية الأمن القومي” للرئيس ترامب و”استراتيجية البنتاجون للدفاع الوطني لعام 2018″ النهج الذي تتبعه الإدارة الأمريكية بشأن قضيتين أساسيتين هما: نظام الأمن الدولي الذي ورثته بزعامة الولايات المتحدة و”التحديات الأربعة ونصف التحدي” التي تواجهها أمريكا من قبل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية والتطرف الإسلامي العنيف. وحالياً، هناك ثمانية بلدان لديها القدرة على استكمال هذا النظام الذي تقوده الولايات المتحدة كمنتجين في الشؤون الأمنية، وهي” بريطانيا وفرنسا وألمانيا والهند وإسرائيل واليابان والمملكة العربية السعودية وتركيا. وقد واجهت هذه الدول تاريخياً تحديات أمنية خطيرة على حدودها. وفي المقابل، تهدف روسيا والصين إلى تفكيك هذا النظام العالمي والدخول في بيئة أمنية شبيهة بالقرن التاسع عشر.
وفي حين يمكن تحدي النظام، غير أن الولايات المتحدة نفسها نادراً ما تواجه تحديات مباشرة. وفي هذا الصدد، يتمحور دور واشنطن في دعم النظام الأمني، مع أنه من الصعب إقناع الشعب الأمريكي والحكومات الحليفة بذلك. لذا، يكمن الحل في إعادة التأكيد على الطريقة التي خدم بها هذا النظام الذي تقوده الولايات المتحدة أفضل المصالح الدولية – وبالتحديد من خلال تسهيل تحقيق السلام والازدهار الاستثنائي منذ عام 1945، في مجال التجارة، والتدفق الحر للناس والأفكار، والأمن الجماعي.
والسؤال هو، كيف تندرج إسرائيل في هذه الاستراتيجية؟ من الناحية التاريخية، لطالما شدّدت البلاد على علاقتها الأمنية الثنائية الفريدة مع الولايات المتحدة. ولفترة طويلة، كانت المستهلك الأمني والدبلوماسي، على الرغم من أنها كانت قادرة على الدفاع عن نفسها. ولم تعتبر نفسها جهةً فاعلة رئيسية في أي نظام أمني عالمي، ويرجع ذلك إلى حد ما إلى عدم انتمائها لحلف “الناتو”، وأيضاً بسبب علاقتها المعقدة مع الأمم المتحدة. ومن جانبها، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل ليس لإنقاذ البلاد فحسب، بل للحفاظ على منطق نظام الأمن العالمي أيضاً.
وقد تغيّر موقف إسرائيل في هذا النظام بشكل كبير. وأصبحت البلاد الآن مزوِّداً رئيسياً للأمن في المنطقة. وتشارك عسكرياً في ثلاثة من البلدان المجاورة – اثنتين بإذن منهما، بينما تعمل في الثالثة (سوريا) ضد مصالح نظامٍ عدوّ. كما أنّها في مواجهة عسكرية يسودها التوتر مع لبنان. وعلى نطاق أوسع، تلعب قدرات الردع العسكرية والنووية الخاصة بها دوراً رئيسياً في إبطاء أنشطة انتشار الأسلحة في المنطقة.
وعلى الرغم من تراجع أهمية الولايات المتحدة بالنسبة إلى أمن إسرائيل، إلّا أنّ النظام الأمني الذي تقوده أمريكا يشكل أهمية مركزية لإسرائيل. والمشكلة الرئيسية التي تواجه إسرائيل هي إيران. وفي حين كانت سوريا دولةً مستقلة متحالفة مع الجمهورية الإسلامية، إلّا أنّها تعتمد الآن بالكامل على طهران ولم تعد قادرة على التصرّف بشكل مستقل. وتواجه إسرائيل تهديداً أساسياً من هذا التحالف الشمالي، وقد أظهر نظام الأمن الأمريكي عجزه عن العمل بفعالية ضده.
وردّاً على ذلك، يجب أن تقوم واشنطن ببناء نظام أمن إقليمي تشارك فيه إسرائيل وتؤدي فيه الولايات المتحدة دوراً قيادياً. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تعلن الإدارة الأمريكية أنّها ستتعامل مع أيّ هجوم على إسرائيل على أنّه هجوم مباشر على الولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، يمكن لإسرائيل التنسيق مع دول أخرى ضد التوسّع الإيراني – ليس مع الولايات المتحدة فحسب، بل مع قوى إقليمية أخرى أيضاً. وبما أنّ صانعي السياسة الأمريكيين غير متأكّدين تماماً مما يجب القيام به في سوريا وفي الشرق الأوسط الأوسع نطاقاً، فعلى إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين التنسيق في ما بينهم على الأرجح لجذب واشنطن إلى نظام أمن إقليمي.
صامويل نورثروب.
معهد واشنطن