تتمتع الولايات المتحدة الأميركية بحضور عسكري معتبر في سوريا يتفاوت بين قواعد ذات طبيعة ارتكازية ونقاط عسكرية متقدمة لدعم المعارك والمواجهات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلاميةومساندة قوات سوريا الديمقراطية.
ونقلت وكالة الأناضول عن تقرير لمركز “جسور” للدراسات، المتخصص بالشأن السوري، أن الوجود الأميركي بسوريا ارتفع من 50 جنديا نهاية العام 2015 إلى 904 في مارس/آذار 2017، وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017 أعلن مسؤولون عسكريون أن عدد العسكريين الأميركيين في سوريا يفوق ألفي عنصر، بينما تحدث تقرير لشبكة بلومبرغ الأميركية، نشر قبل عام تقريبا (منتصف أبريل/نيسان 2017)، عن رغبة مستشار الأمن القومي الأميركي (حينها) الجنرال هربرت مكماستر في إرسال 50 ألف جندي للعراق وسوريا.
وينتشر أغلب الوجود العسكري الأميركي بسوريا في المنطقة الممتدة من “المبروكة” شمال غرب الحسكةإلى “التايهة” جنوب شرق منبج، ويعتقد أن منبج تمثل منطقة تمركز آخر قوة أميركية نشرت بسوريا في مارس/آذار 2017، وقوامها 400 من قوات النخبة ومدفعية البحرية مزودة ببطاريات مدافع متطورة من طراز “M777 Howaitzer”، يبلغ مداها 50 كلم، وفق ما كشفت صحيفة واشنطن بوست، دون تحديد عدد البطاريات المنشورة.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية في 1 مارس/آذار 2018 عن مسؤول في مجلس الأمن الروسي قوله إن الولايات المتحدة أقامت نحو عشرين قاعدة عسكرية في سوريا على أراض خاضعة لسيطرة الأكراد.
وهذه أهم القواعد الأميركية بسوريا:
– قاعدة رميلان وتقع في مطار رميلان شرق مدينة القامشلي الحدودية مع العراق، أنشئت في أكتوبر/تشرين الأول 2015، وهي من أولى القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والتي تدخل الاستعمال حيث تستقبل القاعدة الطائرات الأميركية وتؤوي جنودا وخبراء أميركيين.
– قاعدة المبروكة غرب مدينة القامشلي.
– قاعدة خراب عشق غرب مدينة عين عيسى.
– قاعدة عين عيسى وتعد كبرى قواعد الجيش الأميركي مساحة، وتقع شمالي سوريا، وتشير المعطيات إلى أن ما يزيد على مئة جندي أميركي دخلوا المدينة.
– قاعدة عين عرب في ريف حلب الشمالي، التي يوجد فيها أكثر من ثلاثمئة جندي أميركي، بينهم خبراء يشرفون على جزء من عمليات التحالف، وتشغل هذه القاعدة حيزا جغرافيا يقدر بـ355 هكتارا.
– قاعدة تل بيدر شمال محافظة الحسكة والقامشلي، وهي بلدة حدودية.
– قاعدة تل أبيض على الحدود السورية التركية، وينتشر في هذه القاعدة حوالي مئتي جندي أميركي، كما رفع العلم الأميركي فوق عدد من المباني الحكومية هناك.
– قاعدة التنف قرب الحدود مع العراق والأردن، وترددت أنباء في يونيو/حزيران 2017 عن إنشاء الولايات المتحدة قاعدة ثانية لها هناك، ونقلت رويترز عن مسؤولين أن القوات الأميركية نقلت منظومة صواريخ إلى قاعدة لها في التنف جنوبي سوريا، وأكد ناشطون سوريون تزايد حجم القوات الأميركية هناك، بينما نفى متحدث عسكري أميركي إنشاء قاعدة جديدة بالتنف.
– قاعدة الزكف تقع على بعد نحو 70 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من التنف، وأنشأت الولايات المتحدة هذه القاعدة لمنع جيش النظام وحلفائه الذين تدعمهم إيران من التقدم من المنطقة الواقعة شمالي التنف تجاه الحدود العراقية، وأقيمت القاعدة في وقت كان التوتر فيه شديدا عندما هاجم تحالف تقوده الولايات المتحدة مقاتلين تدعمهم إيران مرات عدة لإيقاف تقدمهم صوب التنف القريبة من حدود سوريا مع العراق، ليضمن سلامة قواته.
وأخلت واشنطن في يونيو/حزيران 2017 هذه القاعدة، ونقلتها إلى قاعدتها الرئيسية في التنف. وذكرت مصادر معارضة أن هذه الخطوة جاءت بعد اتفاق بين واشنطن وموسكو لترك قاعدة الزكف.
أهداف وغايات
يعتقد أن الولايات المتحدة تسعى من خلال حضورها العسكري في سوريا إلى تحقيق جملة أهداف إستراتيجية من بينها المحافظة على ضبط إيقاع الأوضاع في هذا البلد المضطرب والذي تحولت ثورته السلمية إلى حرب أهلية طاحنة، بما ينسجم مع رغبات وطموحات واشنطن وحلفائها في المنطقة ومن أبرزهم إسرائيل.
وقد ذكرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نكي هيلي في حديث مع شبكة فوكس نيوز الأميركية أن أهداف الولايات المتحدة في سوريا ثلاثة، وهي ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيميائية، وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران.
وأضافت أن “هدفنا أن تعود القوات الأميركية إلى الوطن، لكننا لن نسحبها إلا بعد أن نتيقن من أننا أنجزنا هذه الأمور”.
بقاء أم رحيل؟
وقد تضاربت تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن مستقبل القوات الأميركية في سوريا بعد إعلان ترمب نيته سحب هذه القوات، إذ نقلت شبكة سي أن أن الإخبارية في أبريل/نيسان 2018 عن مسؤول في الإدارة الأميركية أن الرئيس دونالد ترمب طلب من وزارة الدفاع إنهاء مهمة القوات الأميركية ضد تنظيم الدولة في سوريا في غضون ستة أشهر.
وبحسب المسؤول، فإن القادة العسكريين -بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس- حذروا الرئيس من أن المدة التي يطلبها قصيرة جدا، غير أن ترمب رد بإبلاغ مساعديه أن ينفذوا ما أمر به.
ولاحقا قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن إدارة الرئيس دونالد ترمب تخطط لاستبدال القوات الأميركية في سوريا بأخرى عربية لحفظ الاستقرار في شمال شرق البلاد بعد هزيمة تنظيم الدولة.
وأفادت الصحيفة بأن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون اتصل بمدير المخابرات المصري بالوكالة عباس كامل لمعرفة موقف القاهرة من هذا المسعى.
وكشفت مصادر الصحيفة أن التواصل جرى مع دول خليجية أيضا من أجل المشاركة في هذه القوات وتقديم الدعم المالي لها، وتوقع مسؤولون في الإدارة الأميركية أن تستجيب الدول العربية لطلب ترمب خصوصا فيما يتعلق بالدعم المالي.
وقد قال ترمب إنه يريد سحب قوات بلاده من سوريا ويعمل على التوصل إلى قرار بهذا الشأن، لكنه استدرك بالقول إنه إذا كانت السعودية ترغب في بقاء الأميركيين بسوريا فعليها أن تدفع تكاليف ذلك.
وأوضح ترمب أثناء مؤتمر صحفي في البيت الأبيض أن “مهمتنا الأساسية في هذا الصدد هي التخلص من تنظيم الدولة الإسلامية.. اقتربنا من إتمام هذه المهمة، وسنتخذ قريبا قرارا بالتنسيق مع آخرين بشأن ما سنفعله”.
وتابع “أريد الخروج.. أريد أن أعيد جنودنا إلى وطنهم”، مشيرا إلى أن التدخل الأميركي في سوريا مكلف ويخدم مصالح دول أخرى. لكنه ذكر أن “السعودية مهتمة جدا بقرارنا، وقد قلت لهم: إذا كنتم تريدون أن نبقى فربما يتعين عليكم أن تدفعوا”.
ثم عاد ترمب خلال مؤتمر صحفي له مع الرئيس الفرنسي ماكرون يوم 24 أبريل/نيسان 2018 للقول إن دولا غنية بالشرق الأوسط عليها أن تدفع المال وتقدم الرجال لمساعدة القوات الأميركية في سوريا ما دامت هذه الدول لن تصمد أسبوعا واحدا دون حماية واشنطن.
ولم تمر ساعات على تصريحات ترمب حتى صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن قطر هي المعنية بالدفع المطلوب، وأضاف الجبير أن ترمب -الشهير بتسمية الأمور بمسمياتها- يقصد قطر، وأن عليها أن ترسل جنودها لسوريا، أو تدفع كلفة الأميركيين هناك، وأنه لولا الحماية الأميركية لسقط النظام في قطر خلال أسبوع.
واعتبر مراقبون أن تلك التصريحات سابقة في الأعراف الدبلوماسية بالنظر لتجرؤ وزير خارجية دولة على تفسير تصريحات رئيس الولايات المتحدة، ولما تضمنته أيضا من مغالطات سياسية لجهة اعتبار قطر حصرا الجهة المعنية بدفع الأموال.
وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد صرح مؤخرا بأنه يرى أن على الولايات المتحدة أن تبقى في سوريا للتصدي للنفوذ الإيراني.
الجزيرة