منذ سقوط “عرش الطاووس” في طهران عام 1979 لم تشهد العلاقات المغربية الإيرانية استقرارا وخضعت دائما للمتغيرات “الجيوبوليتيكية”، وفي آخر تجليات هذه العلاقة المضطربة أعلنت الرباط قطع علاقاتها مع طهران بسبب دعمها البوليساريو.
في يناير/كانون الثاني 1979 انهار نظام الشاه محمد رضا بهلوي وعاد آية الله الخميني إلى طهران معلنا نجاح الثورة الإسلامية فسقطت علاقات مميزة بين الدولتين قامت على الكثير من أوجه التقارب، خصوصا بين الشاه والملك الحسن الثاني، ولتأتي مرحلة من عدم الثبات.
ومساء أمس الثلاثاء أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قطع العلاقات مع إيران “بعد الحصول على معلومات وأدلة دامغة كشفت دعما ماليا ولوجستيا وعسكريا قدمه حزب الله اللبناني للبوليساريو وبتنسيق من سفارة إيران فيالجزائر لتكوين قيادة عسكرية، وتدريب عناصر من الجبهة على الحرب، فضلا عن تسليمها أسلحة”.
شكوك مستحكمة
ويأتي قرار قطع العلاقات واستدعاء السفير في لحظة حرجة بالنسبة لإيران، حيث الضغوط الأميركية والإسرائيلية بشأن برنامجها النووي، والخلافات المستحكمة مع السعودية، لكن بوريطة أكد أن قطع العلاقات لم يتخذ تحت أي ضغط أو تأثير، ولا علاقة له بالتطورات الإقليمية والدولية.
من جهته، قال رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن قرار قطع العلاقات مع إيران “قرار مغربي خالص”.
وإضافة إلى الخارجية الإيرانية نفى حزب الله اللبناني ما سماها المزاعم والاتهامات المغربية بخصوص دعم البوليساريو وتدريب مقاتليها، وأرجعها إلى ضغوط أميركية وإسرائيلية وسعودية، وقال إنه “كان على الخارجية المغربية البحث عن حجة أكثر إقناعا لقطع علاقاتها مع إيران”.
واتهم المغرب حزب الله بتدريب عناصر البوليساريو على حرب العصابات وإرسال أسلحة إلى الجبهة، بما فيها تلك المضادة للطائرات من طراز “سام 9” و”ستريلا”، وذلك بعد اعتقال الرباط في مارس/آذار 2017 أحد كوادره قاسم محمد تاج الدين الصادرة بحقه مذكرة اعتقال دولية صادرة من واشنطن.
ويشير محللون إلى أن العلاقات المغربية الإيرانية بقيت منذ عام 1979 قلقة وتحكمها حالة من التشكيك حتى في أوج صفائها، وقد خلقت الأزمات المتلاحقة منذ نجاح الثورة الإسلامية ثغرات عميقة فيها، وزادتها ارتباكا العلاقات المضطربة بين طهران والإمارات والدول الخليجية، خصوصا السعودية.
وبشكل ما مثل القرار المغربي -حسب محللين- رجع صدى لمجمل علاقات إيران في المنطقة، حيث تتهمها الولايات المتحدة والسعودية والجامعة العربية بإثارة المشاكل في المنطقة العربية ودعم أطراف تزعزع الاستقرار في المنطقة، مثل حزب الله (المصنف تنظيما إرهابيا عربيا) والحوثيين في اليمن ومليشيات متعددة في العراق وسوريا.
وأيدت معظم الدول الخليجية قرار المغرب قطع علاقاته مع طهران، وأكدت تضامنها مع الرباط في المحافظة على وحدة وسلامة أراضيها، ويتوقع مراقبون أن تسهم هذه الخطوة المغربية في دعم علاقات المغرب مع السعودية والإمارات وقد مرت في فترة ما بفتور، وكذلك مع الولايات المتحدة.
الشاه والتشيع والصحراء
كانت قضية الصحراء مقياسا مغربيا أساسيا لمستوى العلاقات ونضوجها مع إيران كما مع غيرها من الدول، فبعد وصول الشاه إلى المغرب في يناير/كانون الثاني 1979 بدعوة من الملك الحسن الثاني (بقي نحو ثلاثة أسابيع) أعلنت إيران قطع العلاقات مع المغرب.
غير أن قضية الصحراء واعتراف طهران بجبهة البوليساريو -كرد فعل على استقبال المغرب للشاه- وتقديم الدعم العسكري لها كانت سببا رئيسيا في تدهور العلاقات بين البلدين والقطيعة التي استمرت حتى بعد وفاة الشاهبالقاهرة في يوليو/تموز 1980.
ويلحظ أن العلاقات بين البلدين تحسنت بعد تغير موقف إيران من قضية الصحراء وجبهة البوليساريو، وسحب اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية” عام 1991، حيث عادت السفارات إلى العمل واتخذت العلاقات منحى إيجابيا من خلال تبادل الزيارات بين المسؤولين والمعارض والملتقيات ومذكرات التفاهم.
ورغم هذه السنوات الطويلة من العلاقات المستقرة قرر المغرب عام 2009 (في فترة الرئيس محمود أحمدي نجاد) قطع علاقاته الدبلوماسية كاملة مع إيران من جانب واحد بعد اتهام العاملين بالسفارة الإيرانية في الرباط بالعمل على نشر التشيع الإيراني بالمغرب، وهو ما نفته إيران ليستأنف العمل الدبلوماسي بداية عام 2015.
وتوقع محللون مغاربة آنذاك أن تظل الدبلوماسية المغربية حذرة في التعامل السياسي مع إيران رغم تطبيع العلاقات باعتبار أنه لا يمكن الحسم في مستقبل العلاقات بين البلدين لاعتبارات سياسية وإستراتيجية ترتبط بتحالفات المغرب مع دول المنطقة وكذلك رد الفعل الإيراني، على حد قولهم.
الجزيرة