الحريات الصحفية هي حارس للديمقراطية -وليس فقط من خلال الاضطلاع بدورها في المراقبة والمحاسبة، وإنما أيضا كمؤشر على ما إذا كانت الديمقراطية في البلد المعني تتمتع بصحة جيدة. ولا تكمن أهمية مؤشر حرية الصحافة العالمية لهذا العام، الذي أعدته منظمة “مراسلون بلا حدود”، في إظهار أن الصحفيين يواجهون عقبات متزايدة، وإنما يُظهر المؤشر أيضا أن أحوال الديمقراطية في العديد من الأماكن أصبحت سيئة.
يقول واضعو الدراسة التي تنشر سنويا منذ العام 2002 والتي تقيس حرية الصحافة في 180 بلدا: “إن المزيد والمزيد من الزعماء المنتخبين ديمقراطيا لم يعودوا ينظرون إلى وسائل الإعلام باعتبارها جزءا من الدعامة الأساسية للديمقراطية، وإنما أصبحوا ينظرون إليها كخصم يُظهرون كراهيتهم له علناً”. وقد هبطت الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس ترامب درجتين في سلم التصنيف العالمي، إلى المرتبة 45 بشكل عام، فيما يرجع جزئيا إلى هجمات الرئيس ترامب المتكررة على الصحفيين، بما في ذلك وصفهم بـ”عدو الشعب الأميركي”، واستخدامه الروتيني لعبارة “الأخبار المزورة” في الاستجابة للتقارير الصحفية المنتقدة.
بشكل منفصل، أصدرت منظمة “فريدوم هاوس” تقريرا مستوحى من نتائج أبحاثها السابقة، والذي قرع محتواه جرس الإنذار أيضاً. وقال التقرير: “منذ وقت قريب هو خمس سنوات مضت، لم يظهر أن الضغط العالمي على الإعلام كان يؤثر على الولايات المتحدة أو على الديمقراطيات الراسخة في أوروبا بأي شكل من الأشكال. واليوم، أصبح القادة الشعبويون يشكلون تهديداً كبيراً لحرية التعبير في هذه المجتمعات المفتوحة”.
تكشف هذه الاستطلاعات عن اتجاهات مقلقة. وكما أشار مؤلفو استطلاع “مراسلون بلا حدود”، فقد “أصبح الخط الفاصل بين العنف اللفظي والجسدي يتلاشى”، مشيرين على سبيل المثال إلى تهديد الرئيس الفلبيني، رودريجو دوتيرتي، بأن المراسلين الصحفيين “ليسوا معفيين من الاغتيال”. ويضع التقرير اللوم على العديد من القادة السياسيين الذين أرسلوا إشارات ووجهوا وخطابات لاذعة إلى الصحفيين، مثل رئيس الجمهورية التشيكية، ميلوس زيمان، الذي حضر في مؤتمر صحفي وهو يحمل بندقية كلاشنيكوف غير حقيقية، مكتوب عليها “للصحفيين”.
يتضمن المؤشر فئة سوداء يطلق عليها وصف “سيئ جداً” من حيث واقع حرية الصحافة، حيث تقع كوريا الشمالية في القاع. وقالت المجموعة إنه لم يكن هناك قط مثل هذا العدد الكبير من الدول المُدرجة في الفئة السوداء. ويتعقب المسح التغييرات التي تحدث في الدول على مر السنين، استناداً إلى درجات تقييم مستويات التعددية، واستقلال وسائل الإعلام، والرقابة الذاتية، والإطار القانوني، والشفافية، وجودة البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات. ومن بين دول أخرى، ذكر التقرير أن حرية الصحافة في روسيا، التي تحتل المرتبة 148، وتركيا، في المرتبة 157، قد هبطت إلى مستويات لم يشهدها هذان البلدان منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقد أصبحت تركيا “أكبر سجن في العالم للصحفيين المحترفين”، بينما استخدمت روسيا “قوانين صارمة وحظرت المواقع الألكترونية” من أجل تكثيف الضغط على وسائل الإعلام المستقلة. ووضعت الصين، التي تحتل المرتبة 176، ضوابط أكثر صرامة على الأخبار والمعلومات، وهناك “أكثر من 50 من الصحفيين والمدونين المحتجزين حاليا في ظروف تشكل تهديداً لحياتهم”.
في كثير من الأحيان، يتم الاستخفاف بالمخاوف المتعلقة بحرية الصحافة باعتبار أنها شكاوى تنبع من المصلحة الخاصة. لكنها أكثر من ذلك بكثير. وتُظهر هذه التقارير أنه عندما يتم إسكات الصحافة، وعندما يُقتل الصحفيون، فإن ثمة مرضاً أعمق يكون قد العمل. ولسوء الحظ، يبدو أن ذلك المرض آخذ في الانتشار.